الجمال في دين الكمال والجلال

خالد بن سعد الخشلان

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ قيمة الجمال في الإسلام 2/ تأملات في اسم الله الجميل 3/ آداب الإسلام تدعو إلى الجمال 4/ وجوب إظهار النعمة وعدم جحودها 5/ من التجمل ما يمقته الله ويسخطه

اقتباس

وأتمهم معرفة من عرفه سبحانه وتعالى بكماله وجلاله وجماله سبحانه وتعالى، ويكفي في جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة فمن آثار صنعته، فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال، ويكفي في جماله سبحانه وتعالى أنه له العزة جميعًا والقوة جميعًا، والجود كله، والإحسان كله، والعلم كله والفضل كله، ولنور وجهه أشرقت الظلمات ..

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: اتقوا الله عباد الله، اتقوه في أفعالكم وفي جميع ما تأتون وتذرون؛ فإن تقوى الله -عز وجل- سبب كل خير ووسيلة تحصيل كل سعادة في الدنيا والآخرة، واعلموا رحمكم الله أن الله -عز وجل- خلق الخلق كلهم إنسهم وجنهم لغاية عظيمة، ألا وهي عبادته -سبحانه وتعالى-، والخضوع له والتذلل بين يديه، قال -سبحانه وتعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:56-58].

 

فيا سعادة من جعل حياته كلها تذللاً لله وتضرعًا بين يدي خالقه، وتقربًا إلى ربه -عز وجل- بأقواله وأفعاله وجميع تصرفاته.

 

إخوة الإسلام: في حديث عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر "، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله جميل يحب الجمال؛ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقّ وَغَمْطُ النَّاسِ" رواه الإمام مسلم.

 

قرر -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الصحيح قيمة خُلقية من قيم الإسلام العظام ألا وهي قيمة الجمال؛ وذلك بقوله -صلى الله عليه وسلم- "إن الله جميل يحب الجمال"؛ فالجميل اسم من أسمائه -سبحانه وتعالى-، ولا يستحق هذا الاسم سواه -سبحانه- بهذا الإطلاق؛ حيث لا يستغرق عناصر الجمال كلها وافية إلا الرب -سبحانه وتعالى-.

 

يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "من أعز أنواع المعرفة معرفة الرب -سبحانه وتعالى- بالجمال، وهي معرفة خواص الخلق، وكلهم عرفه بصفة من صفاته، وأتمهم معرفة من عرفه -سبحانه وتعالى- بكماله وجلاله وجماله -سبحانه وتعالى-، ويكفي في جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة فمن آثار صنعته، فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال، ويكفي في جماله -سبحانه وتعالى- أنه له العزة جميعًا والقوة جميعًا، والجود كله، والإحسان كله، والعلم كله والفضل كله، ولنور وجهه أشرقت الظلمات".

 

ثم قال -رحمه الله تعالى- مبينًا مراتب جمال الرب -عز وجل-: "وجماله -سبحانه وتعالى- على أربع مراتب: جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء، فأسمائه كلها حسنى، وصفاته كلها صفات كمال، وأفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة، وأما جمال الذات وما هو عليه -سبحانه وتعالى- فأمر لا يدركه سواه ولا يعلمه غيره، ولذا كان أعظم لذة من لذات أهل الجنة الفوز والظفر برؤية وجه الله الكريم، حتى إن أهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم، واللذات والسرور، والأفراح التي لا يقدر قدرها إذا رأوا ربهم وتمتعوا بجماله نسوا ما هم فيه من النعيم، وتلاشى ما هم فيه من الأفراح، وودوا أن لو تدوم هذه الحال، واكتسبوا من جماله ونوره جمالاً إلى جمالهم، وكانت قلوبهم في شوق دائم ونزوع إلى رؤية ربهم، ويفرحون بيوم المزيد فرحًا تكاد تطير له القلوب".

 

ولا ريب أن شعور المسلم بهذا الجمال الإلهي في الذات والصفات والأفعال والأسماء له أثره على المسلم في موقفه من القيمة الجمالية في الكون المحيط به تجعل المسلم لا ينبهر بما في هذا الكون من جمال انبهار الهائم الذي يفنى فيه، ويبقى أسيرًا له؛ لأن المسلم يعلم أن ما في هذا الكون من جمال مهما بلغ في الحسن والروعة يظل جمالاً محدودًا بالنظر إلى الجمال الإلهي الذي يفوق ما هو موجود من الجمال البشري، بل وما يمكن أن يتخيله الفكر البشري من جمال.

 

تأمل -أيها المسلم- هذا الكون الفسيح بسمائه وفضائه، وأرضه ووهاده، وجباله وهضابه، وأنهاره وبحاره، وكواكبه ونجومه، وصحاريه وواحاته، وإنسه ودوابه، وأشجاره ونباته، ترى فيه من جمال خلق الله ما يأخذ بالألباب، ولهذا جاءت الآيات القرآنية لتلفت الأنظار إلى هذا الجمال الكوني؛ لأنه خلق الله -عز وجل- وحده، الذي أحسن كل شيء خلقه، وصنع الله الذي أتقن كل شيء.

 

ومن هنا جاء امتنان الله -عز وجل- على عباده بهذا الجمال الكوني، سواء جمال الخلق الإنساني ذاته: (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ) [الانفطار:7- 8]. قال ابن كثير: "أي: جعلك سويًا مستقيمًا معتدل القامة منتصبها في أحسن الهيئات والأشكال".

 

أو جمال الكائنات المسخرة للإنسان كما في قوله تعالى: (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل:5- 6].

 

بل جاءت الشريعة المطهرة بالدعوة الأكيدة للمسلم بأن يستثمر الإمكانات المتاحة له ليرتقي في مدارج الكمال، فجاءت النصوص حاثّة المسلم على أن يكون جميل الملبس، جميل الهيئة والشكل، كما في حديث ابن مسعود السابق، الرجل الذي يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا، فأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، ولم يعد ذلك كبرًا، بل قال: "إن الله جميل يحب الجمال".

 

وفي سورة الأعراف: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف: 31]، وفي الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه ذات يوم: "إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا شامة في الناس؛ فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش".

 

بل تجاوز الأمر ذلك حتى جاءت الشريعة الغراء تحث المسلم على أن تكون أفعاله جميعها جميلة في حال الرضا والغضب، يقول -عز وجل- (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا) [المعارج:5]، ويقول -سبحانه-: (وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) [المزمل:10]، وقال -عز وجل-: (وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) [الأحزاب:49]، ويقول -سبحانه-: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) [الحجر:85].

 

فالمسلم في تصرفاته كلها، في حال الرضا والغضب والمحبة والكراهية ينطلق من هذا المنطلق، بل حث الرسول -صلى الله عليه وسلم- على تزيين الصوت بقراءة القرآن، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "زينوا القرآن بأصواتكم"، وقال -صلى الله عليه وسلم- "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا".

 

ولم يكتف الإسلام في طلب للجمال في هذا، بل تعداه إلى تشريع أمور تحافظ على الجمال، وتسد الطرق التي تذهب بالجمال، فشرع لعباده تقليم الأظفار، ونتف الإبط وحلق العانة، وقص الشارب، وإزالة ما يكره، وحث على التطيب، وحبب إليه -صلى الله عليه وسلم- الطيب، وما شمَّ الصحابة -رضي الله عنهم- رائحة أطيب من رائحة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحث على الاغتسال وخاصة يوم الجمعة وغيرها من أوقات اجتماع الناس.

 

وحث -صلى الله عليه وسلم- على تطييب الفم فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة".

 

وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك -أي: يدلكه-، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب".

 

والدعوة في ديننا إلى تطهير الفم؛ لأنه وسيلة للتخاطب مع الآخرين؛ فكم من إنسان كره كلامك، وكره الاستماع إليك بسبب الرائحة الكريهة التي تصدر من فمك.

 

وكما حث الإسلام على تطييب الفم بدلكه بالسواك، ففي قواعد الشريعة ما يدل على الحث والحرص على تطييب رائحة الفم بترك الأسباب التي من شأنها انبعاث الرائحة الكريهة؛ ففي ديننا الدعوة إلى علاج الفم والدعوة إلى علاج الأسنان واللثة، وغير ذلك من المصادر التي قد تكون سببًا لانبعاث رائحة كريهة من الإنسان.

 

ولا ضير على الإنسان إذا ما خرجت منه رائحة كريهة من فمه، فنبهته زوجته أو نبهه أحد أولاده، أو نبهه أحد إخوانه وأصدقائه، فلا حرج في ذلك، فإنه يدل على خير وكمال وجمال من أجل البحث والعلاج للقضاء على هذه الرائحة التي تنفّر الآخرين من سماع حديثه والأنس بكلامه.

 

إلى غير ذلك -أيها الإخوة- من النصوص التي تقرر هذه القيمة الخلقية قيمة الجمال وتحث عليها وترغب فيها.

 

أيها الإخوة المسلمون.. يا من أكرمكم الله بهذا الدين العظيم وهذه الشريعة الخاتمة: إن من الخطأ المشاهد لدى بعض الناس أن يكون قد أنعم الله -عز وجل- عليه بمال وصحة فلا يُرى عليه أثر هذه النعمة لا في لباسه، ولا في هيئته، وهذا -والعياذ بالله- قد يكون جحودًا بنعمة الله -عز وجل-.

 

 عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلِيَّ أَطْمَارًا، فَقَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ؟"، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "مِنْ أَيِّ الْمَالِ؟"، قُلْتُ: مِنْ كُلٍّ قَدْ آتَانِي اللَّهُ، قَالَ: "فَلْتُرَ نِعْمَةُ اللَّهِ وَكَرَامَتُهُ عَلَيْكَ" .

 

نعم إن حقًّا على كل من أنعم الله -عز وجل- عليه أن تظهر هذه النعمة عليه ويظهر أثرها جمالاً في هيئته وحاله من غير إسراف، وبخاصة في المواضيع التي يلتقي فيها الناس وفي دور العبادة في المساجد وعند أداء الصلاة.

 

إن حقًّا على كل مسلم إذا ما أتى إلى المسجد لأداء فريضة من فرائض الله -عز وجل- أن يحرص على لبس أحسن ثيابه، وعلى تطييب فمه وبدنه وملابسه، فإن ذلك مما دعت إليه الشريعة الغراء، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وغاية ما يمكن صنعه استعمال الماء والتنظف بالماء، ودلك الملابس بالماء، ودلك الوجه واليدين بالماء، والمبالغة في الاستنشاق والمضمضة بالماء، وهي أمور بمقدور كل أحد فعلها وصنعها.

 

إنك يوم تأتي إلى بيت من بيوت الله لأداء فريضة من فرائض الله، وتستحضر هذا المعنى فتتزين في لباسك وثيابك، وتتطيب في بدنك، إنما تؤدي عبادة تؤجر عليها، والله -عز وجل- يقول: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف:31].

 

إن مما خفي في واقعنا اليوم إهمال كثير من الناس المجيء يوم الجمعة بأحسن ثياب وأحسن زينة؛ فإن يوم الجمعة يعد عيد من الأعياد، ولو ذهب كثير منا إلى مناسبة أو زواج للبس أحسن ما يلبس من الثياب والزينة ونحوها؛ فلماذا يقصر في فعل هذا إذا أتى إلى الجمعة؟! في يوم عيد من أعياد المسلمين ينبغي أن تلبس أحسن ما تجد من ثياب وتتطيب، ويظهر عليك أثر نعمة الله، فإن هذا اليوم يوم عيد المسلمين يفرح به المسلمون، وهو يوم عيد في الأسبوع.

 

نسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا جميعا لهداه واتباع سنة المصطفى .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده تعظيمًا لشأنه، وأن محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتأسوا بنبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- في أموركم كلها تسعدوا وتفلحوا، جعلني الله وإياكم من المتبعين حقًّا والمتأسين صدقًا بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

أيها الإخوة في الله: في دعوة الإسلام إلى الجمال برهان أكيد على جمال هذا الدين وجلاله وكماله وبهائه، برهان على جمال هذا الدين الخالد الذي ختم الله به النبوات والرسالات، فلا حُكم أحسن من حكم الله، ولا شرع أكمل من شرع الله؛ فهو الحق وما سواه الباطل، وهو النور وما دون الظلام الدامس (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50].

 

إن الدعوة إلى الجمال والتجمل في ديننا ليست دعوة مطلقة، بل هي محدودة بحدود ومضبوطة بضوابط؛ فليس من التجمل التشبه بأعداء الله -عز وجل- مما هو خصائصهم في لبساهم وهيئاتهم، وفي الحديث ما ينفّر من هذا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم".

 

إن مما نراه ونسمعه من بعض الأبناء والبنات من مسارعتهم بمحاكاة أعداء الله -عز وجل- في الهيئات واللباس دليل ضعف وانهزامية ومحاكاة ممقوتة يترفع المسلم المعتز بدينه عنها، بل إن من التجمل ما يمقته الله -عز وجل- ويسخطه؛ فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ ".

 

والواشمة التي تجعل الوشم في الوجه أو البدن، والمستوشمة التي تطلب أن يُفعل بها ذلك، والنامصة التي تأخذ من شعر حاجب غيرها وترققه ليصير حسنًا، والمتنمصة التي تأمر من يفعل بها ذلك، والمتفلجة التي تبرد من أسنانها ليتباعد بعضها من بعض قليلاً وتحسنها وهو ما يسمى بالوشر. فهذا النوع من التجمل حرام، سواء كان على النساء أو الرجال.

 

ومما يزعمه بعض الناس جمالاً وهو ليس بذاك: إسبال الثياب في حق الرجال دون الكعب، وكيف يكون جمالاً وقد ذم الله صاحبه وتوعده بالعقاب الشديد؟! فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" قال الراوي "فقرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرار" قال أبو ذر وهو يستمع هذا الحديث والوعيد الشديد من النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خابوا وخسروا" من هم يا رسول الله؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكذب".

 

كما أن من التجمل المحرم للرجل لبسه للذهب، فقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً في يده خاتم ذهب، فقال -صلى الله عليه وسلم- "يعمد أحدكم إلى جمرة فيضعها في يده"، فبادر ذلك الصحابي -رضي الله عنه- إلى إلقاء الخاتم من يده.

 

إن التجمل المأمور به شرعًا لا يمكن -أيها الإخوة في الله- أن يصل في حق الرجل إلى الميوعة والتأنث والتكسر والتشبه بالنساء، ولهذا فإن ما نلحظه على بعض شبابنا من مبالغة في التنعم في شعور رءوسهم وضيق ملابسهم وألوانها أمر مستنكر شرعًا، بل في الأعراف السوية؛ فليس الرجل كالأنثى.

 

إن ذلك التنعم منافٍ لكمال الرجولة ومجانب للمروءة، وفي الحديث: "لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال".

 

إن على الآباء والمربين أن يحرصوا على تربية أبنائهم وبناتهم على الاعتزاز بشخصيتهم الإسلامية وهويتهم الدينية وغرس معاني الانتماء لهذا الدين بالأفعال والأقوال والتصرفات.

 

نسأل الله -عز وجل- أن يأخذ بأيد الجميع إلى ما فيه الصلاح والرشاد والسداد...

 

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

وقال عليه الصلاة والسلام "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا".

 

اللهم صل وسلم وبارك ...

 

 

 

 

 

المرفقات

في دين الكمال والجلال

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات