التوسط والتطرف

عبدالله بن حسن القعود

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ الأمة الوسط وصفاتها 2/ التوسط في الأسماء والصفات 3/ التوسط في الوعد والوعيد 4/ التوسط في القدر 5/ التوسط في الصحابة الكرام 6/ التوسط في التحليل والتحريم 7/ التوسط في العبادات بشكل عام

اقتباس

وهذا الصراط المستقيم هو دين الإسلام المحض، وهو ما عليه الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة، الفرقة الوسط، الخيار الملتزمة لدين الله، المتوسطة في جميع أمورها في باب الإيمان بالأنبياء، فلم تغل فيهم كما غلت النصارى في نبيها وعلمائها باتخاذهم أرباباً من دون الله، ولم تجفُ كما جفت اليهود الذين يقتلون النبيين والذين يأمرون بالقسط من الناس ..

 

 

 

 

أما بعد: فيقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة:143] 

أيها الأخوة المؤمنون: إن الله جلت قدرته وتعالت أسماؤه أكرمنا -أمة محمد- بأن جعلنا خير أمة أخرجت للناس شهداء على الناس، أَكْرَمَنَا بأن جعلنا أمة وسطا: أي: عدلاً خياراً، لا إفراط فيها ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء، ولا جحود ولا جمود، ولا جهل ولا انحراف ولا ضلال.

أكرمنا سبحانه بأن جعلنا وسطاً بين الأمم السابقة، وأنبيائها وسطاً بين نحل هذه الأمة أعني أمة الدعوة التي أخبر عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة".

وفي رواية قيل: "من هي يا رسول الله؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".

فالأمة الوسط الممدوحة الناجية هي الأمة المستقيمة على شرع الله، السالكة الصراط المستقيم، الذي أمرنا أن نسأله أن يهدينا له في كل ركعة من ركعات صلواتنا (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) [الفاتحة:6-7]

وهذا الصراط المستقيم هو دين الإسلام المحض، وهو ما عليه الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة، الفرقة الوسط، الخيار الملتزمة لدين الله، المتوسطة في جميع أمورها في باب الإيمان بالأنبياء، فلم تغل فيهم كما غلت النصارى في نبيها وعلمائها باتخاذهم أرباباً من دون الله، ولم تجفُ كما جفت اليهود الذين يقتلون النبيين والذين يأمرون بالقسط من الناس.

وإنما آمنوا بهم، وعزروهم واتبعوهم فيما أمروا أن يتبعوهم فيه، المتوسطة في باب صفات الله وأسمائه بين أهل التعطيل الذين يلحدون في صفات الله وأسمائه، ويعطلون حقائق ما وصف الله سبحانه به نفسه، وما وصفه به رسوله حتى شبهوه بالعدم والموات.

وبين أهل التمثيل الذين يضربون له الأمثال، ويشبهونه بالمخلوقات؛ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً فيهم -أي الفرقة الناجية- أهل السنة والجماعة وسط بين هؤلاء يصفون الله سبحانه، ويسمونه بما وصف وسمى به نفسه، وبما وصفه وسماه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل على حد قوله سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11] وقوله: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص:1-4] وقوله: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ) [النحل:74]

المتوسطة في باب الوعد والوعيد بين الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار، ويخرجونهم بها من الإسلام كالخوارج والمعتزلة وبين المرجئة.

ومنهم كثير من متمسلمة اليوم الذين يقولون: إن الإيمان مجرد التصديق. فيجعلون إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء ومثل إيمان أبي بكر وعمر وغيرهما من السابقين من المهاجرين والأنصار، فهم -أي الفرقة الناجية- يعتقدون أن الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويرجون للمحسنين من أمة محمد، ويخافون على المسيئين.

المتوسطة في باب القدر فهم يعتقدون أن الله علم كل شيء وكتب كل شيء وقدره. وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن للعبد قدرة وإرادة ومشيئة لكنها تابعة لقدرة الله وإرادته ومشيئته يقول الله -سبحانه-: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) [الإنسان:30] ويقول الرسول: "وقل اعملوا فكل ميسر لما خلق له".

وفي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الغلاة فيهم والجفاة في حقهم، فلا يغلون فيهم كما غلت الروافض في أهل البيت، ولا يجفون كما جفت الروافض، وكذلك في حق أصحاب رسول الله، بل يحبون الكل ويوالونهم، ويترضون عليهم، ويكفون عما شجر بينهم، ويصلون على الآل في صلواتهم وغيرها "اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد".

وفي باب التحليل والتحريم والتحاكم؛ فيحرمون بطواعية ما حرمه الله ورسوله، ويحلون ما أحله الله ورسوله، ولا يجوزون لكبارهم وحكامهم أن يحلوا ما حرم الله، أو يحرمون ما أحله الله، أو أن يحكموا بغير ما أنزل الله كما تفعله النصارى ومن شابههم في ذلك. قال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) [التوبة:31]

عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ هذه الآية قال: فقلت: يا رسول الله! "لسنا نعبدهم". قال: "أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحلّ الله فتحرمونه؟"قال: قلت: بلى. قال: "فتلك عبادتهم".

ويشهد لهذا الحديث الآية السابقة، وقوله سبحانه -في سورة الأنعام في سياق تحريم وتحليل-: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام:121]

وفي باب العبادات فلا يتجاوزون بذلك الحد الذي شرعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا يجفون فيما شرعه، فيعملون جانباً ويهملون جانباً، فأمرهم أمرُ اتباع لا ابتداع، أمر اقتداء لا غلو فيه ولا جفاء.

في مجال الاقتصاد جبياً وإنفاقاً فلا إسراف ولا تقتير (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) [الفرقان:67]

فلا تغل في شيء من أمر واقتصد *** كلا طرفي قصد الأمور ذميم

يروى أن عبد الملك بن مروان -رحمه الله- لما زوج عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- ابنته فاطمة قال له: "ما نفقتك؟ قال -رضي الله عنه-: الحسنة بين السيئتين".

ومما سلف ونحوه -أيها الأخوة- يعلم أن الخير كل الخير في التزام طريقة الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة، الطريقة الوسط المحفوظة المصونة من الأخطار، فكلما كان الأمر أو الإنسان وسطاً كان محمياً محصّناً من الأخطار، وكلما كان متطرفاً خارجاً عن التوسط غير ملتزم لما يجعلها وسطاً حقاً كان مهدداً معرضا لتتخطفه شياطين الإنس والجن دعاة الزيغ والضلال، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية" رواه أبو داود.

فاتقوا الله -عباد الله-، وحصنوا نفوسكم بلزوم هذه الطريقة المثلى الوسط والمتمثلة صفاتهم فيما سلف من قوله -عليه الصلاة والسلام-: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" وقوله: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله" وفي رواية: "لا تزال هذه الأمة" قال الإمام أحمد -رحمه الله: "إذا لم يكونوا أهل الحديث فمن هم"؟!

 

 

 

 

المرفقات

والتطرف

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات