عناصر الخطبة
1/نعمة الأمن والرخاء التي تعيشها بلاد الحرمين 2/إثارة أهل الأهواء والخوارج للفتن 3/نعمة الاجتماع حول القيادة 4/ضرورة السمع والطاعة لولاةِ الأمراقتباس
إن مِن جليلِ نعمِ اللهِ علينا: أننا نعيشُ في وطنِ الإخاءِ والرخاءِ والسخاءِ، وإذا رأينَا هذه الانقلاباتِ والهرجَ والقتلَ والتخطُفاتِ فلنذْكرْ قصةً مضَى عليها آلافُ السنواتِ، وذلكَ حينما جاءَ إِبْرَاهِيمُ -عليهِ السلامُ- لمكانِ البيتِ قبلَ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ كما خلقْتَنا ورزقْتَنا وهديتَنا، لكَ الحمدُ بالإسلامِ والقرآنِ والإيمانِ، بسطْتَ رزقَنا، وأظهرْتَ أمنَنا، وجمعْتَ فُرقتَنا، ومِنْ كلٍ -واللهِ- ما سألناكَ ربَنا أعطيتَنا، أشهدُ أن لا إلهَ إلا أنتَ، وأشهدُ أن محمداً عبدُك ورسولُك، فصلى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ -رحمَكُم اللهُ-، وبادِروا آجالَكم بأعمالِكم.
هذا رجلٌ مباركٌ، له خمسةُ أولادٍ، وهم يُطيعونَه ويُحبونَه، وهو وإياهُم في أمنٍ ورغدِ عيشٍ، وفي تراحمٍ وتَواصُلٍ وتَواصٍ بالصبرِ وتَواصٍ بالحقِ، وتَرَاهُ وأولادَه يُحافظونَ على هذه النِعَمِ والنعيمِ، ولا يُفرِّطونَ.
هذا المثالُ منطبقٌ على بلادِنا المملكةِ العربيةِ السعوديةِ، وجهاتِها الخمسِ الهانئةِ الآمنةِ: الوسطِ والغربِ والشرقِ والجنوبِ والشمالِ.
ألا إن مِن جليلِ نعمِ اللهِ علينا: أننا نعيشُ في وطنِ الإخاءِ والرخاءِ والسخاءِ، وإذا رأينَا هذه الانقلاباتِ والهرجَ والقتلَ والتخطُفاتِ فلنذْكرْ قصةً مضَى عليها آلافُ السنواتِ، وذلكَ حينما جاءَ إِبْرَاهِيمُ -عليهِ السلامُ- لمكانِ البيتِ قبلَ بناءِ الكعبةِ، فدعا، وقالَ: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا)[البقرة: 126]، فلما بَناها وصارَ حولَهَا بلدٌ تَهوِي إليهِ أفئدةٌ منَ الناسِ دعا مرةً أخرَى، فقالَ: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا)[إبراهيم: 35].
أرأيتمْ كيفَ أن الأمنَ ضرورةٌ ومطلبٌ للناسِ عمومًا، ولبلادِ الحرمينِ خُصوصًا، مطلبٌ قبلَ البناءِ، وضرورةٌ بعدَ البناءِ؟
بيدَ أنَ هذا الحرمَ الآمنَ ومَن حولَه لم يَسلَمْ من اثنينِ متطرفَينِ من خارجيٍ خرجَ على ولاةِ أمرِهِ! ومتحررٍ انفلتَ من نهيِ اللهِ وأمرهِ، ومن الكلماتِ المأثورةِ المحفورةِ عن مليكِنا سلمانَ -حفظهُ اللهُ- قولُه: "لا مكانَ بينَنا لمتطرفٍ يرى الاعتدالَ انحلالاً، ولا مكانَ لمُنْحَلٍ يَرى حربَنا على التطرفِ وسيلةً لنشرِ انحلالِهِ".
وعلى من ينتسبُ إلى الإسلامِ والسنةِ أن يَحذرَ سبيلَ أهلِ الأهواءِ والأدواءِ، لا سيَما الخوارجَ المارقينَ؛ فإن أسلافَهم قد قَتلُوا الصحابيَ عبدَ اللهِ بنَ خبابٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- مستحلّينَ دمَه، وتركُوا النصرانيَ مراعاةً لذمتِهِ زعَمُوا، ومِن فَظَائِعِهم: أنهم يُقاتِلونَ أهلَ الإسلامِ، ويَدَعُون أهلَ الأوثانِ.
أيُها المؤمنونَ المتآخونَ: لقدْ أنعمَ اللهُ على بلادِنا باجتماعِهم حولَ قادتِهم على هديِ الكتابِ والسنةِ، وعافاهم اللهُ من فتنةِ: (الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)[الروم: 32].
وإليكَ هذهِ القصةَ البليغةَ، ففي صحيحِ البخاريِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضيَ اللهُ عنَهما-: "لَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ (أي حينَ وقعَ القتالُ بين عليٍ ومعاويةَ -رضيَ اللهُ عنهم-) خَطَبَ مُعَاوِيَةُ، فقَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الأَمْرِ فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ؟! (أي رأسَه) فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي، وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ: أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الإِسْلاَمِ (يريدُ أن معاويةَ وأباهُ كانا قبلَ يومِ الفتحِ كافرَينِ وهو يومئذٍ مُسلمٌ)، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: "فَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ، وَتَسْفِكُ الدَّمَ، وَيُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذَلِكَ (أي على خلافِ ما أردتَ)، فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي الْجِنَانِ، قَالَ جلساءُ ابنِ عمرَ: حُفِظْتَ وَعُصِمْتَ" (أي حفظكَ اللهُ وحماكَ من الفتنةِ وإثارتِها بفضلِ اللهِ، ثم بالعلمِ والإيمانِ): (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[المجادلة: 11].
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي هدَانا للإسلامِ والسنةِ، والصلاةُ والسلامُ على مَن كانتْ بِعثتُه خيرُ مِنَّةٍ.
أما بعدُ: فإن الحِفاظَ على أمانِ ونماءِ دولتِنا المملكةِ العربيةِ السعوديةِ من أعظمِ الواجباتِ، بحراسةِ حدودِها ووحدتِها وتوحيدِها، وألا تتنازعَنا الأهواءُ، ولا تتوازَعَنا الأحزابُ.
ألا وإن مِن منهجِ أهلِ السنةِ وعقيدتِهِم: أنهم يَدِينونَ بالسمعِ والطاعةِ والبيعةِ لولاةِ أمرِهِم، ويَدْعونَ لهم بالتسديدِ والتوفيقِ، ويعتقدونَ أن تحقيقَ التوحيدِ وتحكيمَ الشرعِ سببٌ للاستخلافِ والتمكينِ، ودوامِ الأمنِ: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 55].
فاللهم يا من حَفِظتَ بلادَنا طيلةَ هذهِ القرونِ، وكفيتَها شرَ العادياتِ الكثيراتِ المدبَّراتِ الماكراتِ.
اللهم فأدِمْ بفضلِكَ ورحمتِكَ حِفْظَها من كل سوءٍ ومكروهٍ، وأدِمْ عليها نعمةَ النماءِ والرخاءِ.
اللهم احفظْ دينَنا وأمنَنا وتعليمَنا وصحتَنا وحدودَنا وجنودنا، واحفَظْ ثرواتِنا وثمراتِنا، واقتصادَنا وعتادَنا.
اللهم وفقْ طلابَنا وطالباتِنا، وقطاع التعليم، وكل من خدم بلده وأمته.
اللهم صُد عنا غاراتِ أعدائنا المخذولينَ، وعصاباتِهِم المتخوِنينَ.
اللهم وفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ، واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ، واجزِهما على التيسيرِ على المسلمينَ، وعلى خدمةِ الحرمينِ.
اللهم لكَ الحمدُ كالذي تقولُ، وخيرًا مما نقولُ.
اللهم إنا عاجزونَ عن شُكركَ، فنُحيلُ إلى عِلمكَ وفضلِكَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا أغَنْى خَلْقِك بك، وأفْقَرَ خَلْقِك إليْك.
اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّا صَبَّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّا كَدَّا.
اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.
اللهمَّ وارحمْنا ووالدِينا، وهبْ لنا من أزواجِنا وذرياتِنا قرةَ أعينٍ.
اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم