اقتباس
إن من أهم أهداف المسلم الذي يرجو رضا الله –تعالى- في هذه الحياة هو تعبيد الخلق لله –تعالى-، والأخذ بأيديهم إلى سبيل النجاة في الدنيا والآخرة، فهذا الدينُ مَتينٌ مُحكَم، يجب أن يُوغِل المسلم فيهِ برِفقٍ وتأنٍ وحكمة ورحمة، ولا يُبَغِّض نفسَه ولا دينه للناس، فإنَّ المُنبَتَّ لا أرضًا قطَع، ولا ظهرًا أبقَى؛ إذ ما فائدة أعمال همجية وحشية لا...
يومًا بعد يوم تكثر الفتن، وتشتد الظلماء، ويهجم الدهماء على بلاد آمنة ليزعزعوا أمنها، وأنفس معصومة استحلوا دماءها، فتقع طوام، ويموت أبرياء، وينشأ في بؤس اليُتْم أطفالٌ ينقمون على مَن كان سببًا في حرمانهم من أكناف آبائهم، ويحقدون على شعارات رفعها أقوام، ويكرهون رايات قادها آخرون.
إن من أهم أهداف المسلم الذي يرجو رضا الله -تعالى- في هذه الحياة هو تعبيد الخلق لله –تعالى-، والأخذ بأيديهم إلى سبيل النجاة في الدنيا والآخرة، فهذا الدينُ مَتينٌ مُحكَم، يجب أن يُوغِل المسلم فيهِ برِفقٍ وتأنٍ وحكمة ورحمة، ولا يُبَغِّض نفسَه ولا دينه للناس، فإنَّ المُنبَتَّ لا أرضًا قطَع، ولا ظهرًا أبقَى؛ إذ ما فائدة أعمال همجية وحشية لا تفرّق بين كبير وصغير، ولا بين رجل أو امرأة، ولا بين مسلم أو مشرك، فإن فاعلها لا هو بالذي إلى دينه دعا، ولا هو بالذي أخذ بأيدي الناس برفق إلى شريعة الرحمة.
ومن تأمل في شريعة الرحمة، يجد أنها تريد سَوْق الناس إلى ربهم برفق ورحمة، ففي يوم خيبر سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عليّ بن أبي طالب، وأَعطَاهُ الرايةَ، فقال عليٌّ: يا رسولَ اللهِ، أُقَاتِلُهُمْ حتى يكونوا مثلَنا؟ فقال: "انْفُذْ على رِسْلِكِ حتى تنزلَ بساحتِهِم، ثمَّ ادعُهُمْ إِلى الإسلامِ، وأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليْهِم مِنْ حقِّ اللهِ فيه، فواللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بكَ رجلًا واحدًا، خيرٌ لَكَ مِنْ أنْ يَكُونَ لَكَ حمرُ النَّعَمِ"(صحيح البخاري 3701).
إن الرفق بالناس يفتح لهم بابًا واسعًا لمعرفة الحق والإقبال عليه، وفي المقابل فإن الغلو والقسوة يولّدان جهلاً وانحرافًا عن الجادة، وكم يُعمي هذا المسلك أناسًا ويصمهم عن الحق!! وكم منح أهل الغلو منافقي الداخل وأعداء الخارج من الصد عن الدين، والدعوة إلى منع سلطانه عن الناس!! بذريعة تجفيف المنابع، ومحاربة الإرهاب وغيرها من الكلمات التي يُراد بها الحرب على الإسلام وأهله!! وكم منحنا أعداءنا فرصة التحكم في رقابنا بسوء أفعالنا؟!
لقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- الناسَ من فتن آخر الزمان، وأمر المسلم بالاعتصام بحبل الله ودينه، وعدم الانسياق خلف الأهواء والفتن، فقال –صلى الله عليه وسلم-: " وإنَّ أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها. وسيُصيبُ آخرها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها، وتجيءُ فتنةٌ فيُرقِّقُ بعضها بعضًا.. فمن أحبَّ أن يزحزحَ عن النارِ ويدخلَ الجنةَ، فلتأتِه منيَّتُه وهو يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، وليأتِ إلى الناسِ الذي يحبُّ أن يُؤْتَى إليهِ "(صحيح مسلم 1844)، فإذا أراد أن يُرْحَم فليرحمْ هو خَلق الله، وإذا أراد أن يُحسن الناسُ بهذا الظن؛ فليحسن ظنه بالناس، وإذا أراد أن تُصان أمواله ونفسه، فليبدأ هو وليسلم الناس من لسانه ويده.
عن فضالة بن عبيد -رضي الله عنه- عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ قالَ في حَجَّةِ الوداعِ: "هذا يومٌ حرامٌ وبلَدٌ حَرامٌ، فدماؤكم وأموالُكم وأعراضُكم عليكم حرامٌ مثلُ هذا اليومِ وهذا البلدِ إلى يومِ تلقونَهُ وحتَّى دَفعةٌ دَفَعها مسلِمٌ مسلِمًا يريدُ بها سوءًا، وسأخبرُكم مَنِ المسلمُ؛ من سلمَ النَّاسُ من لسانِهِ ويدِهِ، والمؤمنُ من أمِنهُ النَّاسُ على أموالِهم وأنفسِهم، والمهاجرُ من هجرَ الخطايا والذُّنوبِ والمجاهدُ من جاهدَ نفسَهُ في طاعةِ اللَّهِ تعالى"(مختصر البزار 1/464، وقال ابن حجر العسقلاني: إسناده صحيح)، فهذا هو التعريف النبوي للمسلم والمؤمن والمهاجر يا عباد الله، فهل نعي ونتدبر ومن ثَم نمتثل ونعمل؟!
إن من صور الغلو الممقوتة: الاجتراء على دماء المسلمين المعصومة، وسفك الدم الحرام، وترويع الآمنين، وزعزعة الأمن في الأوطان، ونشر الخوف والفتن فيها، وقد حفلت النصوص الشرعية بالنصوص المتواترة التي تحذر المسلم التحذير الشديد من الدماء المعصومة، فقال رب العالمين: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء: 93]، وهذا وعيد شديد لمن اجترأ على الدم الحرام فسفكه، واعتدى على أرواح آمنة، وأنفس مطمئنة، فقتلها، فويل له يوم يقوم الناس لرب العالمين!!
قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: " لا يَزَالُ العبدُ في فَسْحَةٍ من دِينِه ما لم يُصِبْ دَمًا حرامًا"(صحيح الجامع 7691)، وتأمل في هذا الحديث، يظل العبد في سعة، إذا أذنب استغفر، وإذا ذلّ في معصية تاب، وإذا أطاع ربه قَبِل الله منه، حتى يقع في ورطة عظيمة وداهية شديدة، بأن يلوث يده بالدماء المعصومة، عندها يضيق عليه دينه، ويعظم عند الله جُرْمه، وتسود صحيفته، وتضيق عليه نفسه، وتظلم روحه، ويجد الهمّ في قلبه، ولِمَ لا، وقد هدم بنيانًا شيّده الله، وأمر بصيانته وعدم أذاه؟!
ومما جاء من التحذير الشديد من الاعتداء على المسلمين، أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- طاف يومًا حول الكعبة ونظر إليها فقال: "ما أطيبَكِ وأطيَبَ ريحَكِ ! ما أعظمَكِ وأعظمَ حُرمتَكِ ( يَعني الكعبةَ ) والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ لحُرمةُ المؤمنِ أعظَمُ عندَ اللَّهِ حرمةً منكِ مالِهِ ودمِهِ ، وأن يُظنَّ بهِ إلَّا خيرًا"(صحيح الترغيب: 2441).
وسياق هذا الحديث كأنه يقول: إذا كان المسلم يعظّم بيت الله الحرام، ويشد إليه الرحال، وينفق من أجل زيارته الأموال؛ فإن أخاه المسلم بجواره وبالقرب منه، أعظم حرمةً وأجلّ مكانةً من بيت الله الحرام، فهل يعني مسلمو هذا الزمان هذا التوجيه النبوي الكريم؟!
وقد فهم الصحابة هذه النصوص، وقدّروها حق قدرها، فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ –رضي الله عنهما- أنه قال: "إن مِن وَرَطاتِ الأمورِ، التي لا مَخْرَجَ لمَن أَوقعَ نفسَه فيها، سفكَ الدمِ الحرامِ بغيرِ حلِّه"(صحيح البخاري: 6863).
إننا بحاجة إلى أن نتكاتف ونتراحم فيما بيننا، لا أن نهجم على الدماء المعصومة ونهدد الآمنين، ونروّع المسلمين، ولنكن على حذر من صورة من صور العقاب الشديد أخبرنا بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعن ابن عبَّاس –رضي الله عنهما، وقد سُئل عن توبة القاتل- فقال: سمِعتُ نبيَّكم -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: "يأتي المقتولُ متعلِّقًا رأسُه بإحدَى يدَيْه، متلبِّبًا قاتلَه باليدِ الأخرَى، تشخُبُ أوداجُه دمًا حتَّى يأتيَ به العرشَ فيقولُ المقتولُ لربِّ العالمين: هذا قتلني، فيقولُ اللهُ -عزَّ وجلَّ- للقاتلِ: تعِستَ، ويُذهبُ به إلى النَّارِ"(صحيح الترغيب: 2447)، نعوذ بالله من سوء المصير، ومن خزي يوم القيامة، ونسأل الله السلامة والعافية.
ومن أجل تذكير المسلمين بخطورة الاجتراء على الدماء المعصومة، وضعنا بين يديك أخي الخطيب الكريم مجموعة خطب منتقاة توضّح حرمة إيذاء الآمنين وترويع المسلمين، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في الأقوال والأعمال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم