التشويق للجنان

سلطان بن عبد الله العمري

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/ الرحلة في أرض المحشر إلى الجنة 2/ من وصف أهل الجنة 3/ من وصف الجنة ونعيمها 4/ أعظم لذة في الجنة 5/ الطريق إلى الجنة

اقتباس

هيا بنا نرحل بقلوبنا نحو الجنان، التي أعدها الرحمن، لأهل الإحسان؛ و(هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ)[الرحمن:60]؟.

 

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله القائل، كما أخبر محمد -صلى الله عليه وسلم-: "أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" متفق عليه.

 

الحمد لله القائل: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) [النبأ:31]، والقائل: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ) [آل عمران:133].

 

اللهم صل وسلم على نبيك الذي شوقنا إلى جنات الخلود، ووصفها لنا حتى نكون من المتسابقين إليها.

 

الجنة هي سلعة الله الغالية:

يا سلعة الرحمن لست رخيصة *** بل أنت غالية على الكسلانِ

يا سلعة الرحمن ليس ينــالها *** في الألف إلا واحد لا اثنان

يا سلعة الرحمن أين المشتري *** فلقد عُرضت بأيسر الأثمان

يا سلعة الرحمن هل من خاطب *** فالمهر قبل الموت ذو إمكان

يا سلعة الرحمن كيف تصَّبر الـ *** ـخُطاب عنك وهم ذوو إيمان

فاتعب ليوم معادك الأدنى تجد *** راحاته يوم المعاد الثاني

 

الجنة هي الفوز الكبير الذي يستحق التنافس فيه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) [البروج:11]، (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [الصافات:60]، (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ)[الصافات:61].

 

أمة الإسلام: هيا بنا نرحل بقلوبنا نحو الجنان، التي أعدها الرحمن، لأهل الإحسان؛ و(هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ)[الرحمن:60]؟.

 

هناك في أرض المحشر، وبعدما يتجاوز أهل الجنان الصراط، يسيرون بأقدامهم نحو الجنان، ما أجمل الوجوه! (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ) [الغاشية:8]، (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ) [آل عمران:106].

 

وما أحلى السير إذا كان إلى جنان الخلد! ملتقى الأنبياء والصالحين؛ هناك تنبعث روائح الجنان، تتفتح أبواب الجنان: (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ)[ص:50]، (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا) [الزمر:73]، (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا) [مريم:85]. قال المفسرون: يركبون نوقا عليها رحائل من ذهب، فيسيرون نحو الجنان.

 

عند الأبواب تتواجد ملائكة الرحمن؛ لترحب بأهل الإيمان: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:24].

 

ودخلوا الجنان، ويُلهمهم الرحمن معرفة منازلهم هناك: (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) [محمد:6].

 

وعمر الواحد من أهل الجنة ثلاث وثلاثون سنة، جرداً مرداً مكحلين، على خلق أبيهم آدم، طولهم ستون ذراعاً.

 

في الحديث الصحيح: "أول زمرة يدخلون الجنة كأن وجوههم ضوء القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب دري في السماء" رواه الطبراني، وقال ابن القيم: على شرط مسلم.

 

ماذا يشاهدون في الجنة؟ بناء الجنة: لبِنة من ذهب ولبنة من فضة، الحصى من لؤلؤ، ترابها المسك والزعفران، هناك خيام من لؤلؤ طولها في السماء ستون ميلا، وبداخل تلك الخيام مَن؟ (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) [الرحمن:72].

 

في الجنة أشجار، "وما من شجرة في الجنة إلا وساقها من ذهب"، وهذه الأشجار مليئة بالفواكه، (فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ) [الرحمن:52]، (وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) [الواقعة:32-33].

 

ومن عجيب ثمار الجنة أنها دانية! (قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) [الحاقة:23]، قال ابن عباس: "إذا همَّ أن يتناول من ثمارها تدلت له حتى يتناول ما يريد، يتناولونها قياماً وقعوداً ومضطجعين".

 

وبينما أهل الجنة في نعيمهم، وإذ بهم يسمعون نداءً جميلاً: "يا أهل الجنة، إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً ، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تسأموا أبداً".

 

وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، وأربعة أنهار تجري في جنان الخلد في غير أخاديد، نهر من لبن لم يتغير طعمه، ونهر من ماءٍ غير آسن، ونهر من خمرٍ لذةٍ للشاربين، ونهر من عسل مصفى.

 

أما لباسهم، فكما قال -تعالى-: (وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) [الحج:23]، وقال -جل وعلا-: (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) [الإنسان:21]، (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) [الكهف:31].

 

وأما إن سألت عن القوارير والأواني، فاسمع لقوله -تعالى-: (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) [الإنسان:16]، (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ) [الزخرف:71].

 

وأما إن سألت عن الخدم، فتأمل قوله -تعالى-: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا) [الإنسان:19].

 

نعم، إنها دار الملك والدلال والجمال، والنعيم المقيم.

 

معاشر المشتاقين للجنان: أهل الجنة يأكلون ويشربون، ولا يتفلون ولا يبولون ولا يمتخطون، وأهل الجنة لا ينامون، كما في الحديث: "النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا ينامون" صحيح الجامع؛ ليستمتعوا طوال الوقت بالنعيم والسرور.

 

وأما أخلاق أهل الجنة وقلوبهم، فكما قال -تعالى-: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر:47]، وفي الحديث: "لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد، يُسبحُون الله بُكرة وعشية" رواه البخاري.

 

أيها المشتاقون للجنان: إن سألتم عن الحور العين، فاسمعوا لوصف الرحمن لهن: (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) [الرحمن:58]، (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) [الصافات:49]، (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ) [الصافات:48]، فلا تنظر لغير زوجها.

 

وفي الحديث الصحيح: "لو أن امرأة من نساء الجنة اطلعت لأضاء لها ما بين المشرق والمغرب ولملأت ما بين السماء والأرض ريحاً" رواه البخاري.

 

وفي الحديث: "للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين، على كل واحدة سبعون حلة، يرى مخ سوقها من وراء الثياب".

 

الحورية في الجنة تنتظرك أيها العفيف، يا من عف بصره عن الحرام، يا من غض بصره عن النساء، سوف تتمتع بجمال تلك الحورية أبد الآباد.

 

أمة الإسلام: حينما نقرأ ونسمع عن صفات الحور العين فهذا لا يعني إهمال النساء الصالحات عند دخولهم الجنان، بل هم أفضل وأعلى درجة عند الله من الحور العين؛ بسبب صلاحهن وهدايتهن ومجاهدتهن لأنفسهن.

 

اللهم اجعلنا من أهل الجنان يا رحيم يا رحمن.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي جعل من ثواب الحسنات دخول الجنات.

 

وبعد: هيا بنا لنتأمل هذا المشهد العجيب من مشاهد الجنة: بينما أهل الجنان في نعيمهم يتلذذون، إذ بصوت يناديهم: "إن لكم عندَ الله مَوْعِداً يريدُ أن يُنْجِزَكُمُوهُ"، إنه صوت الله، الكريم الرحيم، صوت ربك الجميل الجليل.

 

ما أجمل الصوت! وما أحسن اللطف منه! سبحانه! يتوقف النعيم هنا إلى نعيم أعلى وأغلى، فيقولونَ: ما هُو؟ ألَمْ يُثَقِّلْ موازينَنَا، ويُبَيِّضْ وجوهَنا، ويدخلْنا الجنةَ، ويزحْزحْنا عن النار؟ قال: "فيكشفُ لهم الحِجَاب، فينظرون إليه، فوالله! ما أعطاهم الله شيئاً أحبَّ إليهمْ من النظرِ إليه، ولا أقَرَّ لأعينِهم منهُ" رواه مسلمٌ. وفي رواية: "أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً ". (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة:22-23].

 

يا الله! ما أجمل تلك اللحظة التي تنظر فيها بعينيك إلى ربك -جل وعلا-! ذلك الرب الذي طالما عبدته، وصليت له، وصمت له، وذكرته، وصبرت لأجله.

 

إن في رؤيته لذة تفوق كل اللذات: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين:26].
أخي: إن الحرمان الكبير أن تخسر رؤية الله.

 

معاشر المشتاقين للجنان: إن الوصول للجنان ليس صعباً للغاية، وليس خاصاً بزمن دون زمن أو جماعة دون جماعة، إن طريق الجنة سهل للغاية، لقد أخبرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن رجلٍ رآه يتقلب في الجنة بسبب غصن أزاله من طريق المسلمين، كما في صحيح مسلم.

 

وأخبرنا بامرأة دخلت الجنة بسبب تمرة قسمتها بين ابنتيها، كما في صحيح البخاري.

 

أيها المؤمن: يا طالب الجنان! حافظ على توحيدك، الزم صلواتك، واعلم أن من أبواب الجنة باب الصلاة، بر بوالديك، واعلم بأن من أبواب الجنة باب الوالد، خصِّصْ جزءاً من مالك للصدقات، وكن على يقين أن من أبواب الجنة باب الصدقة.

 

احرص على صيام النافلة، ولعلك سمعت بباب الريان، الذي جعله الله للصائمين. جاهِدْ نفسك في الابتعاد عن الشهوات التي قد تحرمك من الجنان.

 

 كن صبوراً على الأقدار المؤلمة، وعن الآثام المحرمة، وكن صابراً على الطاعات بأنواعها، (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [الإنسان:12].

 

الزم التقوى، واجعلها معك في سائر أوقاتك، خذها وصية من محب: كل عمل ترى أنه لا يصل بك إلى الجنة فاتركه الآن قبل أن تندم هناك، وكل عملٍ ترى أنه يجلب لك رضا الرحمن ويدخلك الجنان فاعمله الآن: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الزخرف:72].

 

وختاماً، يا طالب الجنان: احذر من قطاع الطريق الذين يفسدون عليك طريق الجنان، وهم أصناف: صديق السوء، القنوات الفاسدة، العلاقات المحرمة، مشاهدة الصور الآثمة في الجوالات، المال الحرام، آفات اللسان؛ والاغترار بزينة الدنيا قد يجعل بعضنا يغفل عن جنان الخلد.

 

يا عاشق الجنان: إن الجنة درجات ومنازل، (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ) [آل عمران:163]، فكن في أعالي الدرجات بهمتك وطموحاتك.

 

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم ارزقنا في الدنيا جنة القرب منك، ولذة الأنس بك، اللهم اجعلنا ممن إذا حضره الموت بُشر بمقعده من الجنان، اللهم اجعلنا يوم القيامة من الآمنين، ولحوض نبيك من الواردين، وممن يأخذ كتابه باليمين، وممن يشرب من حوض نبيك الكريم.

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

المرفقات

للجنان

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات