عناصر الخطبة
1/أعمال لا يحبها الله 2/أشخاص لا يحبهم الله تعالى 3/وجوب الابتعاد عن كل ما يسخط الله تعالى 4/ طريق الوصول إلى محبة الله تعالى.اقتباس
المفسد: هو الفاسد الذي يتعدى فساده ليفسد غيره، وكلما كان الفساد أكثر انتشارًا كلما كانت كراهية الله أكبر، ولكم أن تتخيلوا كراهية الله لمن يفسد الناس وينشر فساده عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليصل إلى مليارات الناس ويتوارث فساده الأجيال...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ما ترك خيرًا إلا دلَّنا عليه ولا ترك شرًّا إلا حذَّرنا منه.
ونعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم وشركه وهمزه ونفخه ونفثه ووسوسته، ونعوذ بالله من شرور جنوده أجمعين.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسوله محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. ولا أمنَ بلا ايمان ولاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ.
أيها المؤمنون: إن اللهَ الذي خلقنا ورزقنا، وهدانا وكفانا وآوانا، وحفظنا وحفظ حكامنا وبلادنا، وحفظ لنا ديننا وأعزنا بالإسلام، وجعلنا آمنين مطمئنين يأتينا رزقنا رغدًا من كل مكان وجعلنا نعيش في أمان؛ هو الأحق بالمحبة والشكر بفعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات.
أيها المؤمنون الأوفياء: إن الوفاءَ من شيمِ الكرام، وإن اللهَ الجوادَ الكريمَ الحليم الرزاق الوهاب الحفيظ هو الأحق أن نوفّي معه ونشكره بفعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات.
عباد الله: إن ربكم الله العظيم لا يحب تسعة أصناف من الناس، نعوذ بالله أن نكونَ منهم.
الصنف الأول: المعتدون. قال الله -تعالى-: (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)[البقرة: 190]، والمعتدي هو الذي يلحق الضرر بالآخرين بغير وجه حق. سواء كان الضرر معنويًّا أو حسيًّا.
الصنف الثاني: الخوانون الآثمون. قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا)[النساء: 107]؛ قال الطبري في "تفسيره": الخوان الأثيم؛ هو من يأخذ حقوق الناس وأموالهم ظلمًا وعدوانًا.
الصنف الثالث: المختال الفخور. قال الله -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)[النساء: 36].
قال ابن كثير في "تفسيره" -بتصرف-: "المختال الفخور هو الذي يتكبر على الناس، ويتفاخر عليهم بما أعطاه الله، وهو عند الله حقير لا يشكر الله بفعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات".
الصنف الرابع: الخائنون: قال الله -تعالى-: (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)[الأنفال: 58]؛ قال القرطبي في "تفسيره": "إن الخيانة هنا بمعنى نقض العهد؛ أي: لا تنقض أي عهد حتى تنتهي مدته، فإنْ عدوك نقض العهدَ فأبلغه أن العهد قد انتقض بعد أن نقضه بنفسه ثم جازه بما يستحقه".
الصنف الخامس: الفرحون. قال الله -تعالى-: (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)[القصص: 76]؛ والفرح بما آتانا الله من فضله مع التوحيد والشكر لله بفعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات واجب ومحمود، والفرح الذي لا يحبه الله هو فرح قارون وهو أحد أثرياء بني إسرائيل في عهد موسى -عليه وعلى نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، أفضل الصلاة والسلام-، حيث كان قارون يتفاخر بماله ويقول: إنه ورثه كابرًا عن كابرٍ، وكان يحارب الله ورسوله بالمال فينفقه في المحرمات ونشر الفساد، ويبارز الله عدوانًا وظلمًا، ويرى أثر ماله وزينته فيفرح الفرح الذي يبغضه الله.
الصنف السادس: المفسدون. قال الله -تعالى-: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[القصص: 77]؛ المفسد: هو الفاسد الذي يتعدى فساده ليفسد غيره، وكلما كان الفساد أكثر انتشارًا كلما كانت كراهية الله أكبر، ولكم أن تتخيلوا كراهية الله لمن يفسد الناس وينشر فساده عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليصل إلى مليارات الناس ويتوارث فساده الأجيال، نسأل الله السلامة والعافية، هذا الصنف لا يحبه الله. وعليه إثم كل من أفسد إلا أن يتوب.
الصنف السابع: المتكبرون. قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[لقمان: 18]، والكبر: هو غمط الناس، وبطر الحق؛ كما قال نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-. وغمط الناس: أي التعالي عليهم، وأخذ حقوقهم المادية والمعنوية والتجبر عليهم وإيذائهم. وبطر الحق: أي فعل المعاصي المنكرات وترك الطاعات كبرًا وعتوًا وعنادًا بعد معرفة الحق.
الصنف الثامن: المسرفون. قال الله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأنعام: 141].
وقال الله -سبحانه وتعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف: 31]، وقال بعض العلماء: إن السرفَ هو التفريط أو الإفراط في العطاء أو الصدقة، وقال البعض: إن السرف هو ما دون الحق في كل شيء وقال بعضهم إنه يشمل ذلك كله.
وأهل اللغة يفرقون بين الإسراف والتبذير، فقد عرف الإسراف أنه الإفراط أو التفريط في الإنفاق في الحلال، والتبذير هو الإنفاق في الحرام قليله وكثيره، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)[الإسراء: 27].
والتبذير: هو الإنفاق فيما حرم الله، والتجارة في المحرمات ومن ذلك التجارة والاستخدام للتبغ والخمور وكل مفتر ومسكر، والخنا والفسوق، والزنا ومقدماته ورقيته، والربا وأشكاله، والإنفاق في كل ما يتلف الدين والعقل والصحة والمال، وكل ما يبعد الناس عن القيم السوية والعرف الاجتماعي السليم وكل ما يذهب الحياء والوقار والإيمان.
الصنف التاسع: الظالمون. والظلم نوعان: ظلم للنفس، وظلم للناس. وظلم النفس يكون بالشرك والكفر والبدع والمعاصي والمنكرات، وظلم الناس يكون بأخذ حقوقهم وإلحاق الضرر بهم بالقتل والأذى ودعوتهم للشرك والبدع والمعاصي والمنكرات والبعد عن الله. قال الله -تعالى-: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)[البقرة: 205].
بارك الله لي ولكم وللمسلمين في القرآن العظيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعلنا مسلمين، وأعزنا بالإسلام، وفضَّلنا على كثير من العالمين تفضيلاً. وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فإن مصيرَ الناسِ في الآخرة إما إلى الجنة أو إلى النار؛ قال الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)[الشورى: 7].
أيها المؤمنون: قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[المائدة: 54 - 57].
عباد الله: سوف أسوق لكم آية واحدة وحديثًا واحدًا فيهما صفة من الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- تختصر لنا الوصول إلى محبة الله لنا؛ قال الله - سبحانه وتعالى -: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[آل عمران: 31].
وروى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، قال: "إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ .." الحديث(رواه البخاري).
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليَّ"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أَوْلَى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة"(رواه الترمذي:484).
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
السلام عليك أيَّها النبي ورحمة الله وبركاته.
عباد الله: إني داعٍ فأمِّنوا، تقبَّل الله منا ومنكم؛ فلعلها تكون ساعة استجابة....
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم