التخبيب

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2022-05-13 - 1443/10/12 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/الحكمة في التعامل مع هذا الخلاف الزوجي 2/دور الأهل في بقاء الأسرة 3/توجيهات لصلاح الأُسَر 4/معنى التخبيب وحكمه 5/من صور التخبيب المعاصرة.

اقتباس

ومن صورِ التخبيبِ الحديثةِ: تخبيبُ مشاهيرِ التواصلِ الاجتماعِيِ، من خلالِ اليومياتِ، والأكلاتِ والسفراتِ، وارتفاعُ أصواتٍ نشازٍ تطالِبُ المرأةَ بالانفلاتِ عن ولايةِ الرجلِ، وإقناعُها بأنها مهضومةُ الحقوقِ مسلوبةُ الحريةِ –زعمُوا-.

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمدُ للهِ الفعَّالِ لما يريدُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)[فصلت:46]، وأشهدُ أن نبيَنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)[سبأ:46]، صلى اللهُ عليهِ وسلَّم تسليماً إلى يومِ المزيدِ.

 

أما بعدُ: خرجَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- إلى ابنتِهِ فاطمةَ؛ يزورُها على عادتهِ في قائلةِ النهارِ، وهيَ ساعةٌ يكونُ فيها الأزواجُ في بيوتِهم، ولكنه لم يجِدْ عليّاً في البيتِ، وكأنما شعُرَ بأن شيئاً ما حصلَ بينَهما أدَّى إلى خروجهِ، ولذا استعطفَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قلبَ ابنتهِ على زوجِها بذِكْرِ القرابةِ القريبةِ بينَهما: "أينَ ابنُ عمِك؟!". قالت فاطمةُ -رضيَ اللهُ عنها-: "كان بيني وبينَه شيء، فغاضَبَني فخرجَ، فلم يقِل عندي".

 

فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإنسانٍ معه: "انظر أَين هوَ"؛ فبحثَ عنه فوجدَه نائماً في المسجدِ! فذهبَ إليه رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ، وَيَقُولُ: "قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ".

 

فليتأملِ الأزواجُ عمومًا والمُقبلونَ على الزواجِ خصوصًا؛ لنتأمل في حكمةِ عليٍّ -رضيَ اللهُ عنه- في التعاملِ مع هذا الخلافِ الزوجيِ؛ فإن خروجَه من البيتِ قاطعٌ للخصامِ وفرصةٌ ليسكُنَ الغضبُ وتعودَ النفوسُ إلى طبيعتِها مودةً ورحمةً.

 

ولتقتدِ الزوجاتُ بهذا الأدبِ العالي والذوقِ الرفيعِ لدى فاطمةَ الزهراءِ حينما عبَّرت عما جرى بينَها وبينَ زوجِها بتعبيرٍ لطيفٍ مجملٍ "كان بيني وبينَه شيءٌ"، ولم تُعرِّجْ على تحديدِ المخطئِ، وإنما جعلتْهُ أمراً مشتركاً "كان بيني وبينَه"، ولا عَجَبَ من أدبِها فهي البَضْعةُ النبويةُ الدارجةُ في بيتِ النبوةِ.

 

أما عندما تجعلُ المرأةُ لسانَها سُلّمًا على بيتِها؛ فإنها توسعُ دائرةَ مشاكلِها، بإدخالِ أطرافٍ عديدةٍ في مشكلةٍ صغيرةٍ.

 

 وليعتبرِ الأولياءُ من ذلكمُ الأسلوبِ النبويِ الحكيمِ في التعاملِ مع هذهِ النوعيِة من المشاكلِ الزوجيةِ العابرةِ؛ فإن دخولَ الكبارِ فيها يجعلُها تكبرُ والتعاملَ معها من دونِ تصعيدٍ يُبقيها صغيرةً عابرةً!

 

فأينَ هذهِ الحكمةُ النبويةُ من آباءَ وأمهاتٍ يُفسدونَ بيوتَ بناتِهم بأيدِيهم، وهم يَحسَبونَ أنهم يُحسنون صُنعًا. فيجعلونَ من الحَبةِ قُبةً؛ من خلالِ تضخيمِ أخطاءِ زوجِ البنتِ أو زوجةِ الابنِ، كقولِ: "ما استقبلتْنَا، ما حضرَتْ اجتماعَنا، ما سلّمَتْ على أمي، ما ترُدّ على الجوالِ", ثم الزوجُ يحمِلُهُ ذلكَ على سوءِ عِشرتِها، أو تطليقِها أو تعليقِها.

 

وكمْ من أبوينِ أفسدَا حياةَ ابنتِهِما مع زوجِها؛ بسببِ نصائحِهما الحمقاءِ، فإذا ما عُوتِبَ الأبوانِ قالا: لا نُريدُ الإهانةَ لابنتِنا، ولكنهما لا يَشعرانِ أنهما بكلامِهِما هذا شارَكا في إهانةِ ابنتِهِما وإفسادِ بيتِها.

 

أيها المؤمنون: هذا الإفسادُ فيروسٌ خبيثٌ يَنْخَرُ بالبيوتِ المطمئنةِ، وقد سماهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتخبيبِ، والتخبيبُ: هو إفسادُ الزوجةِ على زوجِها، وإفسادُ الزوجِ على زوجتِهِ. قالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا"(رواهُ أبو داودَ).

 

وهلْ تدري أيُها المسلمُ لماذا تبرَّأَ رسولُنا -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- منَ المخبِّبِ؟ الجوابُ: لأنهُ شابَهَ بفعلِهِ إبليسَ، الذي أخبرَ عنه -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أنهُ "يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ".

 

إنَّ التخبيبَ سِحْرٌ كلاميٌ، يُشابِهُ أفعالَ السحرةِ الذينَ قال ربُنا عنهم: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)[البقرة:102].

 

أيُها المؤمنونَ: ومن صورِ التخبيبِ الحديثةِ: تخبيبُ مشاهيرِ التواصلِ الاجتماعِيِ، من خلالِ اليومياتِ، والأكلاتِ والسفراتِ، وارتفاعُ أصواتٍ نشازٍ تطالِبُ المرأةَ بالانفلاتِ عن ولايةِ الرجلِ، وإقناعُها بأنها مهضومةُ الحقوقِ مسلوبةُ الحريةِ –زعمُوا-.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ مُولِينا، والصلاةُ والسلامُ على هادِينا...

 

أما بعدُ: فمن نِعمِ اللهِ الظاهرةِ: إقبالُ الشبابِ على الزواج في الإجازاتِ، بالرغمِ من تعقيدِ الحياةِ وشدةِ الاحتياجاتِ، ولكنَّ بعضَ تلكَ الزيجات لا تلبَثُ أن تنتهيَ بالطلاقِ، الذي من أكبرِ أسبابِهِ ذلك التخبيبُ من أقربِينَ أو أبعدِينَ، فتتطورُ المشاكُل؛ ليكونَ الفِراقُ أسلمَ الحلولِ. فيا وَيلَهم يومَ تُبلى السرائرُ!!

 

وربما لا يَعلمُ أكثرُ الناسِ أن التخبيبَ جريمةٌ يعاقِبُ عليها الشرعُ والنظامُ، وهيَ عقوبةٌ تعزيريةٌ يُقدّرُها القاضي بحسَبِها، تبدأُ بأخذِ تعهُّدٍ وتنتهي بالسَّجنِ.

 

فاللهم تَتَابَع بِرُّك، واتصَل إحسانُك، فأنت أكرمُ مسؤول، وأعظمُ مأمول. فاللهم: ارحم عباداً غرَّهم طولُ إمهالِك، ومدُوا أيديَهم إلى كريمِ إفضالِكَ. اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّا صَبَّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّا.

 

اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمينَ في كلِ مكانٍ, واهدِ ضالَهم, واكْسُ عاريَهم, واحملْ حافيَهم, وأطعمْ جائَعهم.

 

اللهم آمِنَّا في أوطانِنا ودُورنِا، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنِا، وافرجْ لهم في المضائقِ, واكشفْ لهم وجوهَ الحقائقِ. ونحمدُك اللهم على سلامةِ وصحةِ مليكِنا. اللهم احفظ وسدد جنودَنا في حدودِنا.

 

(وأقمِ الصلاةَ إنَّ الصلاةَ تَنهَى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ ولَذِكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ)[العنكبوت:45].

 

المرفقات

التخبيب.pdf

التخبيب.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات