عناصر الخطبة
1/الحث على طلب فضائل الأخلاق وتجنب سيئها 2/تعريف النميمة وبيان خطرها وضررها 3/بث النمائم من صفات المنافقين 4/العواقب الوخيمة للنميمة 5/خطر النميمة على المجتمع 6/الأمور اللازمة لمن نُقلت إليه نميمة 7/هدي السلف الصالح في إنكار النميمة 8/نصائح وتحذيرات للنمام 9/الحث على مساندة أهل السوداناقتباس
إِنْ رُمتَ عيشًا بلا قتر، وصفوًا بلا كدر، فلا تُجالسنَّ مغتابًا، ولا تخالطن نمَّامًا، ولا تسايرن نقَّالًا سعَّاءً بالفتنة، ولا تسوقنَّ الأهواءَ إليه، ولا تُوردنَّكَ الشياطينُ عليه، واستبق نفسك، وأكرم سمعك، فإنكَ لن تجد عمَّا بذلتَ له من دينِكَ ونفسِكَ ووقتِكَ عِوَضًا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي عافانا، وكل خير صالح أعطانا، وعن طاعة المشَّائين بالنميمة نهانَا، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادةً تُنجِينا في دنيانا وأخرانا، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أرسَلَه ربُّه بالحق وبسُنَّته هدَانا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة يزول بها ما أهمَّنا وأشقانا، وتنزَّل بها البركة على ما رزقنا وأعطانا، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تقوى مَنْ راقَب مولاه، واستعدَّ لِلِقَاهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].
أيها المسلمون: النفوس الطاهرة ترنو إلى المكارم والفضائل، والعقول القاصرة تأوي إلى الخبائث والرذائل، ومن لم يقدر على جمع الفضائل فلتكن همته ترك الرذائل، ومن الخلال الذميمة السعي بين الناس بالنميمة، والنميمة صنعة ذوي النفوس السقيمة، والطبائع اللئيمة، والأرواح الدنيئة، المشغوفة بهتك الأستار، وإفشاء الأسرار.
ترى الناسَ يُفشون النمائمَ بينَهم *** وعندَ ذوي التقوى تموتُ النمائمُ
والنميمة الحديث المنقول المسوق من مجلس إلى مجلس، ومن بعض إلى بعض، ومن قوم إلى قوم، على وجه التضريب والتخريب والتشبيب والتأليب، والتحريش والتهييج والإفساد.
لقد ألَّب الواشون ألبًا لبينهم *** فتُربٌ لأفواهِ الوشاةِ وجندلُ
والنميمة خطيَّة موبقة، ونار محرقة، وكبيرة من كبائر الذنوب، لا ينقلها إلَّا مَنْ رقَّت ديانتُه، وذهبت أمانتُه، وظهرت خيانتُه، وفاعلُها من شرار الخَلْق؛ لِمَا فيها من إفساد القلوب وإيحاش النفوس، وإيغار الصدور وتشويش العقول، وإثارة البغضاء والشحناء والخصومات.
ومَنْ يُطِعِ الواشينَ لا يتركوا له *** صديقًا وإن كان الحبيبَ المقرَّبَا
والنميمة بَذْرُ العداوةِ، وجسرُ الشرِّ، وزندُ الفتنةِ، ولسانُ الافتراء، وسلاح الأشقياء، ومأوى الخبثاء، وأمارة الغدر والمكر والشر، وحقيقتها إفشاء السر، وهتك الستر، وخيانة الجليس، وإرادة السوء له، والفرح بأذى المسلمين.
أيها المسلمون: وبث النمائم والأراجيف والأكاذيب بين المسلمين من صفات المنافقين، قال جل وعز في شأنهم: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)[التَّوْبَةِ: 47]؛ ومعنى: (وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ)[التَّوْبَةِ: 47]، أي: لأسرعوا ركائبهم بينكم بالنميمة والتخذيل، باغين لكم الفتنة، بتفريق الجماعة، وتشتيت الكلمة، وإفساد الألفة، وإيقاد الفتنة وإظهار التشويش وشق عصا المسلمين، ومعنى: (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)[التَّوْبَةِ: 47]؛ أي: وفيكم مطيعون لهم ومستحسنون لحديثهم وكلامهم، وفيكم نمامون وعيون ينقلون إليهم أخباركم.
وهل تُسفَك الدماء، وتُستحلّ المحارم، وتُنتَهب الأموالُ وتهيجُ الأمورُ العظامُ إلا بالنميمة؟!
فدعوا النمائم فإن أولها سمائم وآخرها مآثم، وكم من صفِيَّيْنِ تباعَدَا، وكم من متواصلين تقاطعَا، وكم من محبين افترَقَا، وكم من إلفين تهاجرَا، وكم من زوجين تطالَقَا، بسبب وشاية ساعٍ أو قالة نمامٍ، فأفٌّ لأهل النمائم ثم أُفٍّ! وحسبُكَ بالنميمة خسةً ورذيلةً وسقوطًا وضعة أنَّه لا يمتهنها إلَّا حقير مهين.
ومن شر أخلاق الرجال نميمة *** متى ما تبع يومًا بها العرض ينفق
ولو علم من سرت نمائمه، وهبت سمائمه، ودبت عقاربه ومكائده ماذا جنى على ذاته وأقربائه، وزملائه وقرنائه، لعلم أن الصمم كان أهون لعيشه، وأنعم لباله، من نقلة ينقلها، أو نميمة يحملها.
عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ"(مُتَّفَق عليه)، وفي لفظ لمسلم: "لا يدخلُ الجنةَ نمَّامٌ"، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: "يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ". ثُمَّ قَالَ: "بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ"(مُتَّفَق عليه).
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ؟" قَالَ: "هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ"(رواه مسلم)، والعَضْهُ، والعَضَهُ، والعِضْهُ: الإفك والبهيتة والنميمة وإيقاع الخصومة بين الناس؛ بما ينقل لزيد عن عمرو، ولبعض عن بعض، وانظر كيف أحالت النمائم السماعين لها من التصافي إلى التجافي، ومن التراحم إلى التزاحم، ومن التناصر إلى التناحر، ومن التحاب إلى الاحتراب، حتى تواثبوا وتحاربوا، وتلاكزوا وتلاحزوا، وتناحروا وتدابروا، فلا أعراضهم صانوا، ولا بالحق دانوا؛ فصاروا أضحوكة للشامتين، وأسبوبة للجاهلين.
أيها المسلمون: واللبيب الحكيم لا يصغي إلى حديث نقله ديبوب نمام كذاب فتان، يروم زرع الضغائن وبث الشحائن، قال جل وعز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الْحُجُرَاتِ: 6].
فلا بالله لا تسمع حديثًا *** ينمقه الحواسد بافتراء
أُعيذُكَ أن تصدَّق قولَ واشٍ *** وأن تمشي على غير استواء
وقال جل وعز: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ)[الْقَلَمِ: 10-12]، فلا تطيعوا المشاة الوشاة، الذين يفسدون ذات البين، ويفرقون بين المتحابين، ويشعلون الفتنة بين الجارين.
مِلْ عن النمام واهجره فما *** بلَّغ المكروهَ إلا مَنْ نَقَلْ
وتغافَلْ عن أمور إنَّه لم *** يفز بالحمد إلا مَنْ غَفَلْ
ليس يخلو المرء من ضد ولو *** حاوَلَ العزلةَ في رأس الجبَلْ
وكل مَنْ حُملت إليه نميمة وقيل له: قال فلان فيك كذا لزمه ستة أمور:
الأول: ألا يصدقه؛ لأن النمام فاسق، وهو مردود الخبر.
الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح فعله.
الثالث: أن يبغضه في الله -تعالى-.
الرابع: ألا يظن بالمنقول عنه السوء؛ لقول الله -تعالى-: (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ)[الْحُجُرَاتِ: 12].
الخامس: ألا يحمله ما حكي له على التجسس والبحث عن تحقيق ذلك.
السادس: ألا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه؛ فلا يحكي نميمته.
وذُكر أن حكيمًا من الحكماء زاره بعض أصدقائه وذكر عنده بعض إخوانه، فقال له الحكيم: "قَدْ أَبْطَأْتَ فِي الزِّيَارَةِ وَأَتَيْتَنِي بِثَلَاثِ جِنَايَاتٍ: بَغَّضْتَ إِلَيَّ أَخِي، وَشَغَلْتَ قَلْبِيَ الْفَارِغَ، وَاتَّهَمْتَ نَفْسَكَ بِالْمَيْنِ".
من يخبرك بشتم عن أخ *** فهو الشاتم لا مَنْ شتَمَكْ
ذاك شيء لم يواجهك به *** إنما اللوم على مَنْ أعلمَكْ
وقالت العرب: "الراوية أحد الشاتمين، أو الهاجيين"؛ أي: أن إثم الراوي والناقل للهجاء والشتم كإثم قائله الأول.
وجاء رجل إلى أحد السلف فقال: "إن فلانًا شتمك"، فقال له: "أما وجد الشيطان بريدا غيرك؟!"، وغضب رجل على رجل، فقال له: "ما أغضبك؟! فقال له: "شيء نقله إلي الثقة عنك"، فقال: "لو كن ثقة ما نم".
فيا عبدَ اللهِ: إِنْ رُمتَ عيشًا بلا قتر، وصفوًا بلا كدر، فلا تُجالسنَّ مغتابًا، ولا تخالطن نمَّامًا، ولا تسايرن نقَّالًا سعَّاءً بالفتنة، ولا تسوقنَّ الأهواءَ إليه، ولا تُوردنَّكَ الشياطينُ عليه، واستبق نفسك، وأكرم سمعك، فإنكَ لن تجد عمَّا بذلتَ له من دينِكَ ونفسِكَ ووقتِكَ عِوَضًا، واعلم أن الإنصات له مضرة، والقرب منه معرة، والبُعْد عنه مسرة، ومن جالس نماما فإنما جالس شيطانا، واعلم أن من نم إليك نم عليك.
يسعى إليك كما يعسى عليك فلا *** تَأْمَنْ غوائلَ ذي وجهين كيَّادِ
أقول ما تسمعون وأستغفِر اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفِروه، إنَّه كان هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله آوَى مَنْ إلى لُطفه أَوَى، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، داوَى بإنعامه مَنْ يَئِسَ من أسقامِه الدَّوَا، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، مَنِ اتّبَعَه كان على الْهُدَى، ومَنْ عصاه كان في الغواية والرَّدَى، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً تبقى، وسلامًا يَترَى.
أما بعدُ، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقِبوه وأطيعوه ولا تعصوه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].
أيها النمام الأفاك الفتان، يا من أسره الهوى فما يستطيع له فكاكا، يا غافلًا عن التلف وقد أدركه إدراكًا، يا مغرورا بسلامته وقد نصب له الموت أشراكا: تفكَّر في ارتحالك عن رحالك، وأنت على حالك، وتب إلى مولاك، وكف نمائمك وأذاك، وتحلل ممن جنيت عليه بنميمتك، واعتذر ممن آذيته بوشايتك، والتمس العفو ممن أحزنته بسعايتك، فإن ترتب على إعلامك له وتحللك منه فتنة أو شر لم يلزمك إخباره ولا إعلامه ولا استحلاله، وأكثر من الاستغفار له، والدعاء والثناء عليه، والإحسان إليه.
أيها المسلمون: نظرًا لما تشهده السودان الحبيبة إلى قلوبنا، من أحداث مؤلمة، نتج عنها نتج عنها نقص في الأغذية والأدوية، وتدهور في الأوضاع الإنسانيَّة، فإنَّنا نحث المسلمين، على المشارَكة في الحملة الشعبيَّة السعوديَّة، لإغاثة الشعب السوداني الشقيق، التي ينظمها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانيَّة، ومد يد العون والمساعَدة لأهلنا في السودان؛ تخفيفًا لآلامهم، وسدًّا لحاجتهم وفاقتهم، وما نقص مال من صدقة، والمؤمن في ظل صدقته يوم القيامة، فمن استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل.
وصلُّوا وسلِّموا على أحمد الهادي شفيعِ الورى طُرًّا، فمَنْ صلى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عَشْرًا.
اللهم صلِّ وسلِّمْ على نبيِّنا وسيدنا محمد، بشير الرحمة والثواب، ونذير السطوة والعقاب، الشافع المشفَّع يوم الحساب، اللهم صل عليه، وعلى جميع الآل والصحاب، وارض عَنَّا معهم يا كريم يا وهاب.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدِّين، واحفظ بلادنا، المملكة العربيَّة السعوديَّة، مِنْ كيدِ الكائدينَ، ومكرِ الماكرينَ، وحقدِ الحاقدينَ، وحسدِ الحاسدينَ، وجميع بلاد المسلمين، يا ربَّ العالمينَ.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرِنا خادمَ الحرمين الشريفين لِمَا تُحِبُّ وترضى، وخُذْ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهدِه لِمَا فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا ربَّ العالمينَ.
اللهم احفظ جنودنا، واحمِ حدودنا، وثغورنا يا ربَّ العالمينَ، اللهم اشفِ مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا يا ربَّ العالمينَ.
اللهم احفظ إخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماءهم، وصن أعراضهم، واحفظ أموالهم وبلادهم وأوطانهم، وأمنهم واستقرارهم يا ربَّ العالمينَ، اللهم اكشف الغمة عن أهلنا في السودان، اللهم اكشف الغمة، وأطفئ جمرة الفتنة، وشرارة الفوضى، ونار الاصطدام، يا ربَّ العالمينَ.
اللهم اجعل دعاءنا مسموعًا، ونداءنا مرفوعًا، يا كريم، يا عظيم، يا رحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم