عناصر الخطبة
1/الغيبة داء خطير وعيب شنيع 2/حرمة الخوض في أعراض المسلمين 3/بيان الواجب على المسلم عند سماعه غيبةاقتباس
إنَّ أعراضَ المسلمين محرَّمة كحرمة دمائهم وأعراضهم، كما أعلَنَها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع، فاتقِ اللهَ أيها المسلمُ، واحذر من ورطات اللسان، وآفات الجوارح، فالخطرُ عظيمٌ والإثمُ جسيمٌ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد ألَّا إلهَ الله وحدَه لا شريكَ له في الآخرة والأُولى، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، واللهم صلِّ وسلِّم عليه تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله-، تُفلحوا فَلَاحًا عظيمًا، وتفوزوا فوزا كبيرًا.
عبادَ اللهِ: من أخطر آفات اللسان وأشدها فتكًا لحسنات الإنسان الغيبة في الآخَرين، قال الله -جل وعلا-: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)[الْحُجُرَاتِ: 12]، ويقول -عز وجل-: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)[الْهُمَزَةِ: 1]، ومن مضمون تفسيرها أن الهمزة من يأكل لحوم الناس، واللمزة من يطعن بهم، كما روي عن غير واحد من السلف.
قال أحدُ العلماءِ: "الغيبة هي الصاعقة المهلِكة للطاعات"، ولهذا قال ابن المبارك: "لو كنتُ مغتابًا أحدًا من الناس لاغتبتُ والديَّ؛ لأنهما أحقُّ بحسناتي".
مرَّ عمرو بن العاص -رضي الله عنه- على بغل ميِّت فقال لبعض أصحابه: "لأَنْ يأكل الرجلُ من هذا حتى يملأ بطنَه خيرٌ له من أن يأكل لحمَ رجلٍ مسلمٍ".
إخوةَ الإسلامِ: إنَّ أعراض المسلمين محرَّمة كحرمة دمائهم وأعراضهم، كما أعلنها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع، فاتق الله أيها المسلم، واحذر من ورطات اللسان، وآفات الجوارح، فالخطرُ عظيمٌ والإثمُ جسيمٌ، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم مَنْ سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده"(مُتَّفَق عليه).
الغيبة هي ذِكرُك أخاكَ بما يكره، في جميع شؤونه، من بدن أو دِين أو دُنيا، قال صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ. قال: ذِكرُكَ أخاكَ بما يكره".
أخي المسلم: إن الأمر خطير والشأن كبير، فاحفظ لسانك من أعراض المسلمين، واحذر أشدَّ الحذر من غيبتهم، والطعن في أعراضهم، فربنا -جل وعلا- يقول: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18]، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يحذر من عقوبة الغيبة فيقول: "لَمَّا عُرِجَ بي مررتُ على أقوام لهم أظفارٌ من نُحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحومَ الناس ويقعون في أعراضهم"(رواه أحمد وأبو داود، وسنده حسن).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "قلتُ للنبي -صلى الله عليه وسلم-: حَسْبُكَ من صفيَّة كذا وكذا. -قال بعضُ الرُّواةِ: يعني: قصيرة-، فقال: لقد قلتِ كلمةً لو مُزجت بماء البحر لمزجته..." الحديثَ، (رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح)، قال النوويّ: "وهذا الحديث من أبلغ الزواجر عن الغيبة"، فمن هذه النصوص وغيرُها كثيرٌ في التحذير من هذه الصفة السيئة، عدَّ جماهيرُ أهل العلم الغيبةَ من كبائر الذنوب، فالواجب على المسلم أن يَحفَظ لسانَه، وأن يشتغِل بعيوبه عن عيوب الآخَرين، قال صلى الله عليه وسلم: "وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتِهم؟"، وفي وصاياه -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فَليَقُلْ خيرًا أو لِيَصْمُتْ".
وفَّقَنا اللهُ جميعًا للالتزام بهذه النصوص، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعدُ، فيا أيها المسلمون: إنَّ الواجب على مَنْ سَمِعَ غِيبةً في مسلم أن يَرُدَّها ويُنكِر على قائلها، فإِنْ عَجَزَ أو لم يُقبَل منه وجَب عليه مفارقةُ ذلك المجلس، قال الله -جل وعلا-: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ)[الْقَصَصِ: 55]، وفي الحديث: "مَنْ ردَّ عن عرض أخيه ردَّ اللهُ عن وجهه النارَ يومَ القيامة"(رواه الترمذي وقال: حديث حسن، والحديث له طُرُق يكون بها حسنًا).
ثم اعلموا -أيها المسلمون-، أنَّ الله -جلَّ وعلا- أمرَنا بأمر عظيم، ألَا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه، وعلى آله وأصحابه.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لموتى المسلمين، الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، اللهم أنزل عليهم رضاك يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم اغفر لهم ذنوبَهم، اللهم كفِّر عنهم سيئاتِهم، اللهم وأحلِلْ بهم رضوانَكَ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أَرْضِنَا وارضَ عنَّا، اللهم احفظنا واحفظ المسلمين من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتكَ أن نغتال من تحتنا، اللهم اكتب السلامة والعافية للمسلمين في كل مكان، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم (آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، اللهم إنا نسألك الْهُدَى والسداد، اللهم ألهمنا رُشدَنا، وأعذنا من شرور أنفسنا، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا، اللهم اكتب له الصحة والعافية، اللهم اجعله ممن طال عمره وحسن عمله، اللهم وفِّق ولي عهده لما تحبه وترضاه، اللهم أعنه ووفقه وسدده، اللهم أَعِنْهُ على كلِّ خيرٍ، ووفقه لكل صلاح يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاح رعاياهم.
اللهم اجمع المسلمين على الخير، اللهم اجمع كلمتهم على البر والتقوى، اللهم يا حي يا قيوم، نسألك أن تؤتي نفوسنا تقواها، اللهم زكها أنت خير من زكاها، اللهم اجعلنا سببًا ومفتاحا لكل خير، ومغلاقا لكل شر يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعلنا ممن يحب المسلمين كحب أنفسهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعلنا ممَّن يحبون للمسلمينَ ما يحبُّون لأنفسهم، يا حي يا قيوم، اللهم يا غني يا حميد، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا فقراء إلى رحمتك، اللهم أغث بلادنا، اللهم أغث بلاد المسلمين، اللهم اسقنا، اللهم لك الحمد، على ما أنعمت به علينا من الغيث، اللهم نسألك المزيد، اللهم أنتَ الغنيُّ فنسألكَ المزيدَ، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
عبادَ اللهِ: (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 41-42].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم