التحذير من الشرك ووحدة الأديان

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-08 - 1444/03/12
عناصر الخطبة
1/أهمية العقيدة ووجوب المحافظة عليها 2/تهاون أعداء الإسلام بالتوحيد واهتمام أهل السنة به 3/أهمية التوحيد وفضله 4/التوحيد أساس واصل الإسلام 5/كفر من لم يؤمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم- 6/تمييع التوحيد في قلوب الناس 7/بعض صور الشرك في العصر الحديث 8/خطر الدعوة إلى وحدة الأديان

اقتباس

إن الله أرسل رسله، وأنزل كتبه، وخلق السموات والأرض، ليُعْرَفَ ويُعْبَدَ ويُوَحَّد, ويكون الدين كله لله، والطاعة كلها له. فهذه قاعدة عظيمة، هذا الذي من أجله خلق الله -تبارك وتعالى- الثقلين, وأنزل كتبه, وأرسل رسله، والذي كثير من المسلمين قد يتكلم في كل شيء إلا...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

فيا أيها الناس: فإن أغلى ما يملك المسلم في هذه الحياة، هي: عقيدته التي فضله الله بها على سائر الخلق.

 

فجميع الخلق مفطورون على التعبد والتذلل، فمن أراد الله له العزة جعله عبدا له، ومن أراد له الذلة والصغار جعله عبدا لغيره، كمن يعبد الأشجار والأحجار، ونحوها.

 

قال ابن القيم -رحمه الله- مبينا سبب الرق الذي يقع على الكافر، عندما يؤسر في الحرب، قال: "لما أبوا أن يكونوا عبيدا لله، جعلهم الله عبيدا لعبيده".

 

حكمة بالغة!.

 

معاشر الموحدين: لما كانت العقيدة بهذه المثابة، كان لزاما على كل مسلم أن يحافظ عليها، ويناظل في سبيلها، وأن يحذر مما يخدشها، أو  ينقص من قدرها، فما خلق الله الخلق، وما هيئت الجنة والنار، وما سلت سيوف الجهاد إلا من أجل العقيدة، وهي توحيد الله بالعبادة، يقول ابن القيم في "الجواب الكافي": ''إن الله أرسل رسله، وأنزل كتبه، وخلق السموات والأرض، ليُعْرَفَ ويُعْبَدَ ويُوَحَّد, ويكون الدين كله لله، والطاعة كلها له'' أ. ه.

 

فهذه قاعدة عظيمة، هذا الذي من أجله خلق الله -تبارك وتعالى- الثقلين, وأنزل كتبه, وأرسل رسله، والذي كثير من المسلمين قد يتكلم في كل شيء إلا هنا، قال: ''ويكون الدين كله له, والطاعة كلها له, والدعوة له وإليه، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].

 

وقال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقّ) [الحجر: 85].

 

وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) [الطلاق:12].

 

فالمقصود: أن يَعلم الناس صفات رب العالمين، فيتعرفوا على الله، فيخلصوا له العبادة، ويجردوا التوحيد له، كما قال سبحانه: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء) [البينة: 5].

 

وأعداء التوحيد يتهاونون في الأسماء والصفات, ولا يريدون أن يُعَرِّفوا الناس بالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ولا أن يحببوا رب العالمين إلى العالمين.

 

ولكن أهل السنة والجماعة من عقيدتهم: أن أعظم شيء في هذا الدين أن يعرف الناس رب العالمين ويوحدوه، والاستدلال على ذلك جلي في كتاب الله؛ فأعظم سورة في كتاب الله، هي: الفاتحة, وهي تعريف بالله، وأعظم آية في كتاب الله: آية الكرسي؛ وهي أيضاً تعريف بالله وبصفاته، كما قال تعالى: (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ) [المائدة: 97].

 

فعلل مرة أخرى: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المائدة: 97].

 

فالذي لا يعلم ذلك لا خير فيه، ولا في عبادته، وإنما شرعت هذه الشرائع, وفرضت هذه الفرائض؛ ليُعْرَفَ الله -تبارك وتعالى-, ويعبد وحده لا شريك له، قال: ''فأخبر سبحانه أن القصد بالخلق والأمر، كما قال تعالى: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف: 54].

 

أي القصد والغرض والحكمة من خلق العباد، ومن الأمر -من أمرهم ونهيهم-؛ لأن الله -تعالى- لم يتركهم سدى.

 

ومعنى: "سدى" لا يُؤمرون ولا يُنهون، بل إنما خلقهم ليأمرهم وينهاهم، فيقول: إن القصد من ذلك: أن يُعرف بأسمائه وصفاته، ويُعبد وحده لا يُشرك به، وأن يقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، كما قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد: 25].

 

فأخبر سبحانه أنه أرسل رسله, وأنزل كتبه؛ ليقوم الناس بالقسط وهو العدل، ومن أعظم القسط: التوحيد، وهو رأس العدل وقِوامه، كما أن الشرك هو أعظم الظلم، كما في قول العبد الصالح لقمان الحكيم: (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: 13].

 

فأعظم أنواع الظلم هو: الشرك، كما أن أعظم أنواع الأمر بالمعروف الأمر بالتوحيد، لما قال الله -تبارك وتعالى-: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) [الحج: 41].

 

فأعظم ما يؤمر به، هو: توحيد الله -عز وجل-، وأعظم منكر يجب أن ينهى عنه، هو: الشرك بالله -عز وجل- : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) [النحل:90].

 

فأعظم العدل توحيد الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

 

اللهم إنا نسألك توحيدا لا يخالطه شرك.

 

أقول قولي هذا ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

فيا أيها الناس: إن من عظيم قدر العقيدة: أن الله لا يقبل من العبد إلا التوحيد الخالص، وكل ديانات الناس في هذا الزمن مبنية على الشرك، بدأ باليهودية والنصرانية، لهذا حكم العلماء عليهم بالكفر، في صحيح مسلم (153) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار".

 

قال الإمام النووي -رحمه الله-: " َأَمَّا الْحَدِيثُ فَفِيهِ نَسْخُ الْمِلَلِ كُلِّهَا بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ" أَيْ مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَكُلُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ.

 

وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَهُمْ كِتَابٌ؛ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا، فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-" انتهى.

عباد الله: أقول هذا لما نرى من خنوع الناس للباطل، وتمييع أمر التوحيد في قلوب العامة عندما يقولون بما يسمى وحدة الأديان، أو تقارب الأديان.

 

يريدون أن يبدلوا كلام الله.

 

فالله -سبحانه- يقول: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].

 

ويقول: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ) [المائدة: 72].

 

وإن مما يحز في النفس: تسارع الدول الإسلامية في إقامة وبناء الكنائس، والبيع، في بلدانهم، وإقرارهم بالشرك.

 

وقد سمعتم مؤخرا ببناء معبدا للبوذيين في بعض دول الخليج، وهذه محادة لله، ومحاربة لدينه، ونشر للشرك.

 

وإن مما يحز في النفس أيضا: كتابات بعض اللبراليين في نصرة ما فعلته هذه الدولة، وقذف كل من نهى عن ذلك، وكأنهم يحاربون الإسلام، وينصرون من خالفه، جهلا منهم بشنيع صنعهم، فلو كانوا في زمن عمر لاستتابهم ثلاثا، ثم ضرب أعناق من أصر على ذلك.

 

فوحدة الأديان أو تقارب الأديان من الشرك بالله، فنيينا محمد -صلى الله عليه وسلم- دعا الكفار بجميع مللهم، ولم يقبل إلا الإسلام، ومن أبى قاتله.

 

ولم يمكنهم من بناء دور العبادة الخاصة بهم، بيانا لبطلان دينهم، وهكذا يجب أن يكون أتباعه، فمن دعا إلى وحدة الأديان، فقد خالف هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، ودعا إلى هدم الإسلام.

 

وإن مما يثنى به على هذه الدولة المباركة وحكامها: أنها قامت على التوحيد، وحمت جنابه من الشرك، فلم تمكن أحدا أن يقيم كنيسة أو معبدا في أرض الجزيرة.

 

اللهم أحيي في قلوبنا توحيدك، واجعلنا من عبادك الموحدين.

 

اللهم وفقنا لهداك ...

 

 

المرفقات

من الشرك ووحدة الأديان

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات