البراءة من الكفار

ناصر بن محمد الأحمد

2012-05-06 - 1433/06/15
عناصر الخطبة
1/ التحذير من الولاء للكافرين 2/ تاريخ الكفار مليء بالعداوة الصريحة للمسلمين في كل زمان ومكان 3/ الولاء والبراء شرط من شروط الإيمان 4/ موقف المسلم من الكفر وأهله 5/ استعلاء المسلم بإيمانه 6/ ثمرات تحقيق عقيدة الولاء والبراء

اقتباس

تعيش الأمة الإسلامية اليوم في وقت تكالب عليها قوى الشر من كل جهة، وصاروا صفاً واحداً في تغيير خارطة العالم الإسلامي، وما كان المسلمون في وقت من الأوقات أحوج إلى بغض الكفار ومنابذتهم من هذا الوقت، إذ لا ينفك المسلمون يلْقون منهم العنت والمحادة في كل قطر من الأقطار، ومِصْر من الأمصار، وبكل وسيلة يغزون بها شبابنا ونساءنا وأفكارنا وأراضينا !

 

 

 

 

إن الحمد لله..

أما بعد:

أيها المسلمون: تعيش الأمة الإسلامية اليوم في وقت تكالب عليها قوى الشر من كل جهة، وصاروا صفاً واحداً في تغيير خارطة العالم الإسلامي. والعجيب في الأمر أن مع هذا الوضوح الصارخ في تصريحات الغرب الأخيرة فيما تنويه تجاه المسلمين، فإنه ما يزال هناك من يثق بالغرب الكافر، بل هناك من يخدش توحيده في أصل أصيل من ديننا وهي قضية الولاء والبراء.

أيها المسلمون: لقد حذرنا الله سبحانه وتعالى أشد التحذير من أن نتخذ الكفار أولياء في آيات كثيرة لا تدع مجالاً للشك في أن هذا الأمر من أساسات الإيمان.

استمع إلى قول الله تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) [آل عمران: 28]. إن الأمر كله لله، والقوة كلها لله، والتدبير كله لله، والرزق كله بيد الله، فما ولاء المؤمن إذن لأعداء الله؟ إنه لا يجتمع في قلب واحد حقيقة الإيمان بالله وموالاة أعدائه.

ومن ثم جاء هذا التحذير الشديد (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) وهذا التقرير الحاسم بخروج المسلم من إسلامه إذا هو والى أعداء الله، سواء كانت الموالاة بمودة القلب، أو بنصر أعداء الله، أو باستنصار أعداء الله، أو بالمحبة أو بالميل أو بالمشاركة في الأفراح والأتراح (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) هكذا ليس من الله في شيء، لا في صلة ولا نسب، ولا دين ولا عقيدة، ولا رابطة ولا ولاية، فهو بعيد عن الله، منقطع الصلة تماما.

أيها المسلمون: إن الله جل وتعالى قد قسم الناس إلى فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، فريق مطيع لله وفريق عاص لله، فريق يعمل فيما يرضي الله وفريق يسعى فيما يغضب الله. فريقان على طرفي نقيض لا يمكن أن يلتقيان أبداً، هؤلاء في جانب ، وهؤلاء في جانب آخر. جبهتان متقابلتان وصراع دائم لا ينتهي (الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء: 76].

ينقسم الناس إلى فريقين اثنين، تحت رايتين متميزتين : (الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ).

(الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) لإعلاء كلمة الله، لتحقيق منهج الله، لإقرار شريعة الله، لنصرة دين الله، ولطرد أعداء الله من أراضيهم، ولإقامة العدل بين الناس باسم الله. لا يقاتلون لأي شيء آخر. اعترافاً بأن الله وحده هو الإله ومن ثم فهو الحاكم وهو المطاع. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) لتحقيق مناهج شتى غير منهج الله، وإقرار شرائع شتى غير شريعة الله، وإقامة قيم شتى غير التي أذن بها الله، ونصبِ موازين شتى غير ميزان الله ! يقف الذين آمنوا مستندين إلى ولاية الله وحمايته ورعايته ونصره. ويقف الذين كفروا مستندين إلى ولاية الشيطان بشتى راياتهم، وشتى مناهجهم، وشتى شرائعهم، وشتى طرائقهم، وشتى قيمهم، وشتى موازينهم.. فكلهم أولياء الشيطان. (فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء: 76].

هكذا يقف المسلمون على أرض صلبة، مسندين ظهورهم إلى ركن شديد مقتنعين بأنهم يخوضون المعركة لله، ليس لأنفسهم، ولا لذواتهم، ولا لقومهم ولا لجنسهم، ولا لقرابتهم وعشيرتهم، إنما هي لله وحده، ولدينه وشريعته.

هذا هو الموقف بين المؤمن والكافر، لا معاونة ولا مناصرة ولا مداهنة ولا مجاملة، ولا تعاون ولا تمازج ولا تميع ولا تطبيع ولا صداقة ولا تداخل ولا شراكة ولا حتى مشابهة.

أيها المسلمون: إلى أولئك الذين ما زالوا يثقون بالكفار وأنهم فعلاً قد يراعون ما يسمونه بالدول الصديقة اسمع ما يقوله الله جل وتعالى عنهم ولا ينبئك مثل خبير، فهذا العليم الخبير ينبئك بصفاتهم وسلوكهم تجاهك أيها المسلم : (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ) [آل عمران: 119]، (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة: 2] (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة: 105] (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة: 109] (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً) [النساء: 102] (وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) [آل عمران: 69] (وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران: 118]، (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء: 89]، (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة: 8] (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [التوبة: 10]، هؤلاء هم الكفار وهذه هي صفاتهم سواء علينا صادقناهم وطلبنا ودهم أم عاديناهم ، فالنتيجة واحدة والصفات متأصلة داخل نفوسهم، عداوة وحقد وبغضاء وحسد وكيد.

فما هو موقفك أيها المسلم؟ ما هو موقفك تجاه من يكرهك؟ ما هو موقفك تجاه من يعاديك ويحقد عليك؟ ما هو موقفك أيها المسلم تجاه من يضمر لك الكيد ويحمل لك الحسد؟ (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) [النساء: 138- 139] سبب هذا العذاب الأليم هو ولايتهم للكافرين دون المؤمنين، وسوء ظنهم بالله، وسوء تصورهم لمصدر العزة والقوة.

لِمَ يتخذون الكافرين أولياء وهم يزعمون الإيمان؟ لم يضعون أنفسهم هذا الموضع ويتخذون لأنفسهم هذا الموقف؟ أهم يطلبون العزة والقوة عند الكافرين؟ لقد استأثر الله عز وجل بالعزة فلا يجدها إلا من يتولاه ويطلبها عنده ويرتكن إلى حماه.

إنها نصوص الوحي لا تختلف باختلاف الزمان، ولا تتغير بتغير الأسماء والألوان فما كان منها عن الكفار فهو شامل لجميعهم، أما تغير الوجوه والأسماء واختلاف الدول والممالك وتقادم العهد فلا يغير من أمر الله شيئاً.

وإن التاريخ ليشهد بذلك والواقع شهيد عليه فقل لي بالله عليك من كان يجالد المسلمين بالسيوف يوم بدر يريد ذلة الإسلام وأهله؟ أليس المشركون؟ ومن كسر رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم وشق وجنته يوم أحد؟ أليس المشركون؟ ومن حاصر المسلمين في المدينة حتى زاغت أبصارهم وبلغت قلوبهم الحناجر وزلزلوا زلزالاً شديدا؟

ومن صادم المسلمين في القادسية واليرموك ليصدهم عن نشر دين الله والتمكين له ودعوة الناس إليه؟ أوليس المشركون؟! وما أخرج التتار من الشرق وساق الصليبيين من الغرب ليحطموا المسلمين ويستبيحوا بيضتهم؟ أليس الشرك بالله وعداوة عباده المؤمنين؟ وما دفع المستعمر الأوربي الحاقد أن يفسد بلاد المسلمين ثم يمكّن فيها للمفسدين والمنحرفين؟ أليس عداوتهم لله ولعباده المؤمنين؟ ومن الذي مكّن لليهود في أرض فلسطين وما يزال منذ أكثر من خمسين سنة وهو كل يوم يقتل في الأبرياء والنساء والأطفال؟ أليسوا النصارى المشركون؟ ومن الذي ضرب بالطائرات والصواريخ المدنيين الآمنين العزّل في لبنان والعراق وأفغانستان والبوسنة وغيرها من بلاد الله؟ أليسوا النصارى المشركون؟ بلى والله ! تلك شهادة التاريخ فبأي شيء يشهد الواقع؟

هل يخفى عليك أيها الفطن ما يلاقي المسلمون هذه الأيام من صنوف الأذى في مشارق الأرض ومغاربها على أيدي أعدائهم؟ أما أنا فلا أظن ذلك خافياً على مثلك أليسوا يقدمون لنا كل يوم دليل عداوتهم وبغضهم لنا وحقدهم علينا بالاغتصاب والسلب والنهب والتقتيل والتشريد؟! إنهم لا يقدمون ذلك في خطابات شديدة اللهجة ولا في خطبهم ومحاضراتهم بل (يُرْضُونَكُم بِأَفْواهِهِمْ) [التوبة: 8] ولكنهم يقدمونه بقطع رءوس الرجال وبقر بطون الحوامل وافتضاض الأبكار من بنيات المسلمين أمام ذويهن.

لمثل هذا يذوب القلب من كمد *** إن كان في القلب إسلام وإيمان

ثم نجد من المسلمين من يؤويهم ويمكن لهم ويثني عليهم ويدافع عنهم فإلى الله المشتكى. هذا ما يقدمونه بالفعل، أما القول فربما تسمع من بعضهم كلاماً يرضي السذج من المسلمين، وما يكفي ليكون مادة للاستهلاك الإعلامي لتغرير شعوب مسلمة بأكملها لكن أصدق القائلين يقول : (يُرْضُونَكُم بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة: 8] وربما لم يسعهم أن يرضونا بأفواههم فتغشى أحقادهم مرونة اللسان وتغلبه فينفث مما في صدره (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْواهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) [التوبة: 8].

عباد الله: ما كان المسلمون في وقت من الأوقات أحوج إلى بغض الكفار ومنابذتهم من هذا الوقت، إذ لا ينفك المسلمون يلْقون منهم العنت والمحادة في كل قطر من الأقطار، ومِصْر من الأمصار، وبكل وسيلة يغزون بها شبابنا ونساءنا وأفكارنا وأراضينا !

إنك ملزم ببغضهم والبراءة منهم، وعدم موالاتهم لو كان أباً لك أو أخاً، فكيف وليس كذلك؟! أما قال الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [التوبة: 23] أما قال الله لنبيه نوح عن ولده :(إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)؟ [هود: 46].

إن الولاء والبراء يا أخي الحبيب من الإيمان، بل هو شرط من الإيمان، كما قال سبحانه: (تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * ولَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والنَّبِيِّ ومَا أُنزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ولَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [المائدة: 80- 81].

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على تحقيق هذا الأصل العظيم فقد قال عليه الصلاة والسلام: "أبايعك على أن تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين وتفارق المشركين" رواه النسائي وأحمد.

وتأمل معي هذه العبارة الرائعة التي سطرها أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله عندما قال: "إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة".

إن الكفار هم أعداؤنا قديماً وحديثاً سواء كانوا كفاراً أصليين كاليهود والنصارى أو مرتدين قال الله تعالى: (لا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة) [آل عمران: 28] فهذه حقيقة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، وهي أن الكفار دائماً وأبداً هم أعداؤنا وخصومنا، فيجب علينا بغضهم ديناً وعدم بدئهم بالسلام وعدم التذلل لهم أو الإعجاب بهم، والحذر من التشبه بهم، وتحقيق مخالفتهم شرعاً وجهادهم بالمال واللسان والسنان، والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام وغير ذلك من مقتضيات البراءة منهم.

إن موقف المسلم من الكفر وأهله يجب أن ينطلق من ثلاث قواعد : القاعدة الأولى: استعلاء المسلم بإيمانه كما قال سبحانه: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [محمد: 35] وقال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139].

إن استعلاء المسلم بإيمانه نابع من أنه على الدين الحق والآخرون على الباطل فإنه لا يوجد دين يمكن أن يقبله الله تعالى غير هذا الإسلام الذي بعث الله به الرسل وبعث به خاتمهم سيدنا محمداً : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].

القاعدة الثانية: أن على كل مسلم أن يتولى الله ورسوله والمؤمنين فإن عقيدة الولاء من أهم أركان هذا الدين إذ لا يُتصور أن يكون إيمان الإنسان بالله ورسوله وولاءه لغير الله ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: 51]، فمن والى أعداء الله فهو من أعداء الله (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) [المائدة: 55].

القاعدة الثالثة: هي معاداة الكافرين فإنه من مقتضى الولاء لله ورسوله. لكن أعداء المسلمين في هذا العصر حريصون على أن يلبّسوا على المسلمين هذه العقيدة الهامة وأن يشوشوها في نفوسهم، وما أكثر الشعارات التي رُفعت اليوم تنادي بالأواصر والروابط المختلفة تنادي بالروابط الإنسانية والإخاء الإنساني بمحبة البشر للبشر، شعارات مزيفة براقة رفعها أعداء الإسلام يريدون بذلك تخريب هذه العقيدة الهامة في نفوس المسلمين. أين كانت هذه الشعارات عندما كانت تقصف طائراتهم وقذائفهم المدنيين والآمنين.

فالواجب على كل مسلم تجاه إخوانه المسلمين أن ينصرهم وأن يعينهم وأن يدعو لهم وأن يساعدهم بكل ما يستطيع. والواجب عليه تجاه الكفار أن يعاديهم وأن يدعو عليهم وأن يحاربهم بكل ما يستطيع. ألا ترون معاشر الأحبة إلى ولاء الكفار بعضهم لبعض، يتفقون ويتعاهدون في محاربة أي مجتمع أو دولة فيقاطعونها ويضيقون عليها وصدق الله العظيم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [الأنفال: 73] فعجباً لموالاة الكفار بعضهم بعضاً.

أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً... بارك الله...

 

الخطبة الثانية:

إن الحمد لله..

أما بعد: إن تحقيق عقيدة الولاء والبراء له ثمرات عظيمة من ذلك وحسبك به يا عبدالله: تحقيق أوثق عرى الإيمان، والفوز بمرضاة الله الغفور الرحيم، والنجاة من سخط الجبار جل جلاله، كما قال سبحانه: (تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * ولَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والنَّبِيِّ ومَا أُنزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ولَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [المائدة: 80- 81].

ومن الثمرات: السلامة من الفتن قال الله تعالى: (والَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال: 73] أي إن تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين وإلا وقعت فتنة في الناس وهو التباس واختلاط المؤمنين بالكافرين، فيقع بين الناس فساد منتشر عريض طويل.

ومن ثمرات تحقيق هذا الأصل: حصول النعم والخيرات في الدنيا والثناء الحسن في الدارين، تأمل قول الله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ ومَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وهَبْنَا لَهُ إسْحَاقَ ويَعْقُوبَ وكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِياً * ووَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِياً) [مريم: 49- 50] فهذا ظاهر أن اعتزال الكفار سبب لهذه النعم كلها ولهذا الثناء الجميل. ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: (ولا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ومَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ) [هود: 113].

وهذا أمر مشاهد معلوم، فأعلام هذه الأمة ممن حققوا هذا الأصل قولاً وعملاً، لا زلنا نترحم عليهم، ونذكرهم بالخير، ولا يزال لهم لسان صدق في العالمين فضلاً عن نصر الله تعالى لهم والعاقبة لهم فانظر مثلاً إلى موقف الصديق رضي الله عنه من المرتدين ومانعي الزكاة عندما حقق هذا الأصل فيهم فنصره الله عليهم وأظهر الله تعالى بسببه الدين.

وهذا إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يقف موقفاً شجاعاً أمام المبتدعة في فتنة القول بخلق القرآن فلا يداهن ولا يتنازل فنصر الله به مذهب أهل السنة وأخزى المخالفين وهذا صلاح الدين الأيوبي رحمه الله يجاهد الصليبيين تحقيقاً لهذا الأصل فينصره الله تعالى عليهم ويكبت القوم الكافرين والأمثلة كثيرة.

فيجب على الدعاة إلى الله تعالى أن يحققوا هذا الأصل في أنفسهم اعتقاداً وقولاً وعملاً، وأن تقدم البرامج الجادة من أجل تحقيق عقيدة الولاء والبراء ولوازمهما وذلك من خلال ربط الأمة بكتاب الله تعالى، والسيرة النبوية، وقراءة كتب التاريخ، واستعراض تاريخ الصراع بين أهل الإيمان والكفر القديم والحديث، والكشف عن مكائد الأعداء ومكرهم المنظم في سبيل القضاء على هذه الأمة ودينها، والقيام بأنشطة عملية في سبيل تحقيق الولاء والبراء كالإنفاق في سبيل الله، والتواصل واللقاء مع الدعاة من أهل السنة في مختلف الأماكن، ومتابعة أخبارهم ونحو ذلك.

أيها المسلمون: وأخيراً نحذر من بعض صور موالاة الكفار الخطيرة والتي قد تخرج صاحبها من الملة والعياذ بالله :

فمن ذلك: التشبه بهم في الملبس والكلام.

وأيضاً: إعانتهم ومناصرتهم والذب عنهم ومدحهم وتسميتهم بالدول العظمى
ومن ذلك: الاستعانة بهم والثقة بهم وتوليتهم المناصب واتخاذهم مستشارين.
ومن ذلك: استجلابهم إلى بلاد المسلمين من غير ضرورة والتأريخ بتاريخهم.
ومن ذلك: مشاركتهم في أعيادهم ومناسبات بلدانهم وحضورها.

وأيضاً: الإشادة بهم وما هم عليه من طريقة في المعيشة والحياة.

ومن ذلك: جلب عاداتهم إلى بلاد المسلمين ونشرها بينهم.

ومن مظاهر موالاة الكفار: نشر أفكارهم المسمومة وتنفيذ خططهم التي يراد منها إفساد أخلاق المسلمين وإغراق مجتمعهم بالمعاصي والمنكرات.

وفى هذه الأيام ظهرت أعناق من يوالون أفكار الكفار، فاستخدموا أقلامهم المأجورة في العديد من الصحف والمجلات وأوقدوا ناراً لحرب تعاليم الإسلام والطعن في مناهج التعليم..

فنسأل الله تعالى أن يكفينا شرهم...
 

 

 

 

 

المرفقات

من الكفار

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات