الاستشفاء بالصدقة

محمد بن عبدالله السحيم

2022-08-12 - 1444/01/14 2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: حكم التشريع
عناصر الخطبة
1/عظم شأن الصدقة عند الله 2/آثار الصدقة في الشفاء من المرض 3/آداب الصدقة المؤثرة في الشفاء من المرض

اقتباس

المتصدقُ كلما تصدَّقَ بصدقةٍ انشرحَ لها قلبُه، وانفسحَ بها صدرُه، فهو بمنزلةِ اتساعِ تلك الجُبَّةِ عليه، فكلما تصدقَ اتَّسعَ، وانفسحَ، وانشرحَ، وقويَ فرحُه، وعَظُمَ سرورُه، ولو لم يكن في الصدقةِ إلا هذه الفائدةُ وحدَها لكان العبدُ حقيقاً بالاستكثارِ منها، و...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ بارئِ النَّسَمِ، وشافي السقمِ، عَمَّ خيرُه الأممَ، ووسعَ عفوُه الكبائرَ واللَّمَمَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ الواحدُ الحَكَمُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى آله وصحبِه ذويْ المكارمِ والشِّيَمِ.

 

أما بعدُ: فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ)[البقرة: 278].

 

أيها المؤمنون: إنّ للصدقةِ عند اللهِ شأناً عليّاً أنْ كانت موضعَ تقبُّلِه بيمينه، وتنميتِه إياها لصاحبِها حتى غدتْ من وزنِ تمرةٍ مفردةٍ إلى حجمِ الجبلِ الأشمِّ من الحسناتِ، يقولُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَل"(رواه البخاريُّ ومسلمٌ).

 

هذا وإن من عجيبِ شأنِها أنْ جعلَها اللهُ من أسبابِ شفاءِ الأسقامِ، وبلسمَ تخفيفِ الآلامِ، ورحابةَ آفاقِ أملٍ وتنديةِ حالٍ لمَن مسَّه الضُرُّ. وذاك ما وردَ به عمومُ الدليلِ وخصوصُه، وجرَتْ عليه سنةُ اللهِ في الخليقةِ، وأدركَه أهلُ البلاءِ بالتَّجرُبةِ، يقولُ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم-: "داوُوا مرضاكم بالصدقةِ"(رواه أبو الشيخِ وحسَّنه الألبانيُّ والمناويُّ بشواهدِه).

قال الفقيهُ ابنُ مفلحٍ: "وجماعةٌ من أصحابِنا وغيرِهم يفعلون هذا، وهو حسنٌ، ومعناه صحيحٌ".

 

والصدقةُ من صنائعِ المعروفِ التي يَصْرِفُ اللهُ بها البلاءَ قبل وقوعِه، ويرفعُه بها إنْ وقعَ، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "صنائعُ المعروفِ تَقِي مَصارِعَ السوءِ، والآفاتِ، والهلكاتِ"(رواه الحاكمُ وصححه الألبانيُّ).

 

وإذا كان تأثيرُ الصدقةِ بالغاً في رفعِ البلاءِ الكونيِّ العامِّ، كالكسوفِ والخسوفِ وما في حكمها من الأوبئةِ والزلازلِ؛ فكيف لا يكونُ له أثرٌ في داءٍ أنزلَه اللهُ على جسدِ آدميٍّ، يقول رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ آيَاتِ اللهِ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَكَبِّرُوا، وَادْعُوا اللهَ، وَصَلُّوا، وَتَصَدَّقُوا"(رواه مسلمٌ).

قال الصنعانيُّ: "الصدقةُ تدفعُ البلاءَ، والأمراضُ منها؛ فالصدقةٌ دافعةٌ لها، وهي أنفعُ الأدويةِ".

 

والصدقةُ إحسانٌ تتحققُ به معيةُ اللهِ للمحسنين التي لا يَصمُدُ أمامَها رهقٌ ولا شدةٌ؛ كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[النحل: 128].

 

وجزاءُ صدقةِ المرضِ من جنسِ عملِها؛ إذ كانت من المريضِ رحمةً، وتفريجَ كربةٍ، وإدخالاً للسرورِ على نفْس مَنْ تصدَّقَ عليه؛ فكان جزاؤها رحمةً من اللهِ تَنْزِلُ على دائه، وتفريجاً لكربتِه، وإذهاباً لتَرَحِه وإبدالَه فرحاً؛ كِفاءَ إحسانِه؛ إذ ليس للإحسانِ عند اللهِ جزاءٌ إلا الإحسانَ؛ كما قال سبحانه: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[الرحمن: 60].

 

وعلى ذلك بَنَى بعضُ العلماءِ فِقْهَ قولِه صلى الله عليه وسلم في الحُمّى -فيما رواه البخاريُّ ومسلمٌ-: "الحُمَّى من فَيْحِ جهنمَ؛ فأبْرِدُوها بالماءِ".

وأنّ مِن وحي دلالتِها استحبابَ الصدقةِ بالماءِ عن المريضِ المحمومِ، وفي معناه كلُّ مريضٍ.

وغدَتْ رؤيةُ الصدقةِ في المنامِ رمزاً لعَبْرِها بشفاءِ السقمِ وذهابِ البأسِ، كما قال علماءُ التعبيرِ.

 

وطَفَحَتْ بتصديقِ أثرِ الصدقةِ في زوالِ البأسِ أو تخفيفِه تجاربُ أهلِ البلاءِ، قال ابنُ القيمِ: "فإنّ للصدقةِ تأثيراً عجيباً في دفعِ أنواعِ البلاءِ، ولو كانت من فاجرٍ أو من ظالمٍ، بل من كافرٍ! فإنّ اللهَ –تعالى- يدفعُ بها عنه أنواعاً من البلاءِ، وهذا أمرٌ معلومٌ عند الناسِ خاصِّتِهم وعامَّتِهم، وأهلُ الأرضِ كلُّهم مُقِرُّونَ به؛ لأنهم جرَّبوه".

 

وقال المناويُّ: "فأَمَرَ (النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-) بمداواةِ المرضى بالصدقةِ، ونبّه بها على بقيةِ أخواتِها من القُرَبِ كإغاثةِ ملهوفٍ وإغاثةِ مكروبٍ، وقد جرّبَ ذلك الموفَّقون؛ فوجدوا الأدويةَ الروحانيةَ تفعلُ ما لا تفعلُه الأدويةُ الحسيةُ، ولا يُنْكِرُ ذلك إلا مَن كَثَفَ حجابُه".

 

أيها المسلمون: إنّ تأثيرَ الصدقةِ في مداوةِ الأوصابِ يأخذُ صوراً متنوعةً وِفْقَ ما تقتضيه حكمةُ اللهِ وقدَرُه المُبْرَمُ؛ فقد تكونُ سبباً في البُرْءِ التامِّ وحلولِ العافيةِ السابغةِ، قال بعضُ أهلِ العلمِ: "الصدقةُ أمامَ الحاجةِ سنةٌ مطلوبةٌ مؤكَّدَةٌ، والخَوَاصُّ يقدِّمونَها أمامَ حاجاتِهم إلى اللهِ؛ كحاجتِهم إلى شفاءِ مريضِهم، لكنْ على قدْرِ البليَّةِ في عِظَمِها وخِفَّتِها، حتى أنهم إذا أرادوا كشفَ غامضٍ بذلوا شيئاً لا يطَّلعُ عليه أحدٌ، وكان ذوو الفهمِ عن اللهِ إذا كان لهم حاجةُ يريدون سرعةَ حصولِها كشفاءِ مريضٍ يأمرون باصطناعِ طعامٍ حسنٍ بلحمِ كبشٍ كاملٍ، ثم يدعون له ذوي القلوبِ المنكسرةِ قاصدين فداءَ رأسٍ برأسٍ، وكان بعضُهم يرى أنْ يُخْرِجَ من أعزِّ ما يملكُه، فإذا مرِضَ له مَن يَعِزُّ عليه تصدقَ بأعزِّ ما يملكُه من نحوِ جاريةٍ أو عبدٍ أو فرسٍ؛ يتصدقُ بثمنِه على الفقراءِ من أهلِ العفافِ".

 

قال أبو بَكْرٍ الْخَبَّازِيُّ: "مَرِضْتُ مَرَضًا خَطِرًا، فَرَآنِي جَارٌ لِي صَالِحٌ فَقَالَ: اسْتَعْمِلْ قَوْلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ"، وَكَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا فَاشْتَرَيْتُ بِطِّيخًا كَثِيرًا، وَاجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَأَكَلُوا، وَرَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَدَعَوْا لِي بِالشِّفَاءِ؛ فَوَاللَّهِ مَا أَصْبَحْتُ إِلَّا وَأَنَا فِي كُلِّ عَافِيَةٍ مِنَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-".

 

وسَأَلَ رَجُلٌ الإمامَ عبدَالله بنَ المباركِ فقال: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ قُرْحَةٌ خَرَجَتْ فِي رُكْبَتِي مُنْذُ سَبْعِ سِنِينَ، وَقَدْ عَالَجْتُ بِأَنْواعِ الْعِلَاجِ، وَسَأَلْتُ الْأَطِبَّاءَ فَلَمْ أَنْتَفِعُ بِهِ؟ قَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَوْضِعًا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى الْمَاءِ فاحْفُرْ هُنَاكَ بِئْرًا؛ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَنْبُعَ هُنَاكَ عَيْنٌ، وَيُمْسِكُ عَنْكَ الدَّمُ، فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرِئَ.

 

وقال ابنُ الحاجِّ: "وَقَدْ وَقَعَ لِي مَعَ بَعْضِ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ كَانَ يَتَرَدَّدُ إلَيَّ فِي مَرَضٍ كَانَ بِي وَيَصِفُ أَشْرِبَةً وَأَدْوِيَةً يُنْفَقُ فِيهَا نَفَقَةٌ جَيِّدَةٌ، فَطَالَ الْأَمْرُ عَلَيَّ، فَقَطَعْته، وَعَوَّضْتُ مَوْضِعَ تِلْكَ النَّفَقَةِ خُبْزًا أَتَصَدَّقُ بِهِ بِنِيَّةِ امْتِثَالِ السُّنَّةِ فِي دَفْعِ ذَلِكَ الْمَرَضِ؛ فَمَا كَانَ إلَّا قَلِيلٌ وَفَرَّجَ اللَّهُ عَنِّي، وَحَصَلَتْ الْعَافِيَةُ".

 

وقد يكونُ أثرُ صدقةِ المرضِ في إجابةِ الدعاءِ؛ حين يجتمعُ سببُ الاضطرارِ مع سببِ إحسانِ التصدقِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: "وَفِي هَذَا الْمَعْنَى حِكَايَةُ قُرْحَةِ شَيْخِنَا الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللهِ -رَحِمَهُ اللهُ-، فَإِنَّهُ قَرِحَ وَجْهُهُ وَعَالَجَهُ بِأَنْواعِ الْمُعَالَجَةِ فَلَمْ يَذْهَبْ وَبَقِيَ فِيهِ قَرِيبًا مِنْ سَنَةٍ، فَسَأَلَ الْأُسْتاذَ الْإِمَامَ أَبَا عُثْمَانَ الصَّابُونِيَّ أَنْ يَدْعُو لَهُ فِي مَجْلِسِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَدَعَا لَهُ، وَأَكْثَرَ النَّاسُ في التَّأْمِينِ، فَلَمَّا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْأُخْرَى أَلْقَتِ امْرَأَةٌ فِي الْمَجْلِسِ رُقْعَةً بِأَنَّهَا عَادَتْ إِلَى بَيْتِهَا، وَاجْتَهَدَتْ فِي الدُّعَاءِ لِلْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِاللهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَرَأَتْ فِي مَنَامِهَا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَأَنَّهُ يَقُولُ لَهَا: قُولُوا لِأَبِي عَبْدِاللهِ: يُوسِّعُ الْمَاءَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَجِئْتُ بالرُّقْعَةِ إِلَى الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِاللهِ، فَأَمَرَ بِسِقَايَةِ الْمَاءِ بُنِيَتْ عَلَى بَابِ دَارِهِ، وَحِينَ فَرَغُوا مِنَ الْبِنَاءِ أَمَرَ بِصَبِّ الْمَاءِ فِيهَا وَطُرِحَ الْجَمَدَ (الثلج) فِي الْمَاءِ، وَأَخَذَ النَّاسُ فِي الشُّرْبِ، فَمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُسْبُوعٌ حَتَّى ظَهَرَ الشِّفَاءُ، وَزَالَتْ تِلْكَ الْقُرُوحُ، وَعَادَ وَجْهُهُ إِلَى أَحْسَنِ مَا كَانَ، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ سِنِين".

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ...

أما بعدُ: فاعلموا أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ...

 

أيها المؤمنون: وقد يكونُ أثرُ صدقةِ المرضِ في انشراحِ صدرِ المريضِ، وتقويةِ قلبِه بالتوكلِ، وإشراقِ نفسِه بنورِ حسنِ الظنِّ باللهِ –تعالى-، والتلذذِ بمناجاتِه، والتَّرَوُّحِ بانتظارِ فرجهِ، والسلوِّ باحتسابِ أجرِ البلاءِ؛ فتُذْهِبُ حلاوةُ الرضا والأملِ مرارةَ الألمِ وإنْ وقَعَ الرَّهَقُ، وذاك من شأنِ الصدقةِ، وهو مقصودُ العافيةِ، قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ البَخِيلِ وَالمُنْفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا المُنْفِقُ فَلاَ يُنْفِقُ إِلَّا سَبَغَتْ أَوْ وَفَرَتْ عَلَى جِلْدِهِ، حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَأَمَّا البَخِيلُ فَلاَ يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إِلَّا لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا، فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلاَ تَتَّسِعُ"(رواه البخاريُّ).

 

قال ابنُ القيمِ: "والمتصدقُ كلما تصدَّقَ بصدقةٍ انشرحَ لها قلبُه، وانفسحَ بها صدرُه، فهو بمنزلةِ اتساعِ تلك الجُبَّةِ عليه، فكلما تصدقَ اتَّسعَ، وانفسحَ، وانشرحَ، وقويَ فرحُه، وعَظُمَ سرورُه، ولو لم يكن في الصدقةِ إلا هذه الفائدةُ وحدَها لكان العبدُ حقيقاً بالاستكثارِ منها، والمبادرةِ إليها".

 

وذكرَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ: "أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَرْضَى أَوْ أَكْثَرُ الْمَرْضَى يَشْفُونَ بِلَا تَدَاوٍ، لَا سِيَّمَا فِي أَهْلِ الْوَبَرِ وَالْقُرَى وَالسَّاكِنِينَ فِي نَوَاحِي الْأَرْضِ؛ يَشْفِيهِمْ اللَّهُ بِمَا خَلَقَ فِيهِمْ مِنْ الْقُوَى الْمَطْبُوعَةِ فِي أَبْدَانِهِمْ الرَّافِعَةِ لِلْمَرَضِ، وَفِيمَا يُيَسِّرُهُ لَهُمْ مِنْ نَوْعِ حَرَكَةٍ وَعَمَلٍ أَوْ دَعْوَةٍ مُسْتَجَابَةٍ أَوْ رُقْيَةٍ نَافِعَةٍ أَوْ قُوَّةٍ لِلْقَلْبِ وَحُسْنِ التَّوَكُّلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْكَثِيرَةِ غَيْرِ الدَّوَاءِ".

 

يا مَن بُلِيتَ مِن الرحمنِ بالسَّقَمِ *** وبِتَّ ليلَك مكلوماً فلمْ تَنَمِ

قمْ وابذلِ المالَ في الخيرات محتسِباً *** وداوِ نفسَك وادعُ اللهَ ذا الكرمِ

شفاءُ سُقمِك في مالٍ تجودُ به *** فجُدْ بمالِك إنَّ اللهَ لمْ يَنَمِ

 

عبادَ اللهِ: وحتى يكونَ للصدقةِ حُسْنُ الأثرِ في الاستشفاءِ؛ فلابُدَّ من ملاحظةِ الإخلاصِ فيها واليقينِ؛ بأنْ يكونَ المُبتغى بها وجهُ اللهِ ورحمتُه التي يكونُ بها إنزالُ شفائِه وإذهابُ بأسِه، وأنْ يكونَ القلبُ مُفْعَماً بصدقِ نفعِها حين جعلَ اللهُ ذلك من خصيصتِها بما قَرَّرَتْهُ الأدلةُ، وألا يستعجلَ المرءُ رؤيةَ نفعهِا، وأنْ تكونَ من الحلالِ الطيِّبِ؛ إذ لا يَقبلُ اللهُ إلا طيباً.

 

هذا، وإنَّ من أدبِ صدقةِ المرضِ اللازمِ: أن يلتزمَ المرءُ بألا تزيدَ صدقتُه في مرضِه الذي من شأنِه أنْ يكونَ سبباً غالباً في الموتِ -وهو ما يسمِّيه العلماءُ المرضَ المَخُوفَ- عن ثلثِ مالِه، وألا تكونَ لوارثٍ، وما عداه من المرضِ فالأمرُ فيه أسهلُ شريطةَ ألا يترتبَ عليها تضييعُ مَن تلزمُه نفقتُه، أو يقعُ منه حيفٌ على من يلزمُه العدلُ في عطائه.

 

عبادَ اللهِ: إذا كان هذا علوَّ قدْرِ الصدقةِ حالَ المرضِ فكيف إذاً يكونُ قدْرُها حالَ الصحةِ؟! جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلاَن"(رواه البخاري ومسلم).

المرفقات

الاستشفاء بالصدقة.pdf

الاستشفاء بالصدقة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات