الاستجابة لله والرسول

سامي بن عبد العزيز الماجد

2012-02-19 - 1433/03/27
عناصر الخطبة
1/ نداءات القرآن فيها خير للبشر 2/المؤمنون والحياة الحقيقية 3/الرسالة المحمدية هداية ونور للخلائق 4/ بعثة النبي دعوة إلى الحياة بكل معاني الحياة 5/ تهديد وتخويف يستوجب اليقظة والحذر الدائم 6/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة شرعية

اقتباس

الرسول يدعو إلى شريعة الله؛ تحرر الإنسان من الطبقية الظالمة، وتحطم الأغلال والقيود المسلّطة على الناس بغير حق، وتجعل المسلمين متساوين في الحقوق والكرامة، فلا يتحكم فرد في شعب، ولا طبقة في أمة ، ولا جنس في جنس، ولا قوم في قوم، وكل ذلك من بركة الاستجابة لله ورسوله ..

 

 

 

 

أيها الأحبة الكرام: يقول ابن مسعود رضي الله عنه: إذا سمعت الله يقول: "يا أيها الذين آمنوا فأوعها سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شرٌ تُنهى عنه".

وهذا النداء اللطيف الذي ينبغي أن يكون له مزيدُ إصغاء ورد في كتاب الله أكثر من ثمانين مرة. وكلها تنادي المؤمنين إلى أمر ذي بال، وتُلفت أنظارهم إلى ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم. ينادي اللهُ فيها عباده بأحب صفاتهم إليه وأحبها إليهم، فيناديهم بصفة الإيمان التي استوجبتْ محبتهم له سبحانه، وكانت خيرَ ما يتحبّبون به إليه وتُدنيهم من محبته ورضاه.

يناديهم بالصفة التي تذكرهم بالصلة التي بينهم وبين ربهم جل جلاله، وتستجيشُ في نفوسهم الاستجابة والإذعان.

ونقف على آية من هذه الآيات التي استُفتحت بهذا النداء الرخيم اللطيف، وتمحّض فيها النصح والبر من أصدق القائلين، من الله سبحانه، فيقول سبحانه في سورة الأنفال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).

وفي هذا النداء تلطف منه سبحانه؛ إذ هو قادر على أن يقهر عباده على الهدى -لو أراد - وعلى الاستجابة التي يدعوهم إليها؛ ولكنه - سبحانه – أراد تكريمهم، فمنحهم مشيئة يتصرفون بها؛ ودعاهم ليستجيبوا عن طواعية يستحقون بها الأجر، وعن إرادة تعلو بها إنسانيتهم وترتفع إلى مستوى الأمانة التي ناطها الله ببني الإنسان: أمانة الهداية المختارة؛ وأمانة الخلافة في الأرض، وأمانة الإرادة المتصرفة عن قصد ومعرفة .

ومعنى الآية: استجيبوا لله وللرسول بالطاعة، إذا دعاكم الرسول لما يحييكم من الحق. وكل ما يدعو إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ففيه معنى الحياة الحقة، التي تستعلي على مجرد حياة البدن، وحياة المتعة والشهوة، إلى أوسع حياةٍ وأشرفها، إلى الحياةِ الطيبة في الدنيا، وهي وعد من الله مؤكد لا يُخلف لمن آمن به واتبع دينه، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).

ثم إلى حياة الذكر الحسن بعد الموت، وفي ذلك حياة للمرء بعد موته، فالناس من بعده يدعون له ويستغفرون، وربما تصدقوا له وأوقفوا له الأوقاف، وفي هذا معنى من معاني الحياة النافعة؛ فكأنما هو حي بين أظهرهم يناله الأجر بالأعمال الصالحة. وكان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يدعو ربه أن يحييه هذه الحياة، فكان من دعائه: (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ).

والاستجابة لله وللرسول تهدي كذلك إلى أفضل حياة وأتمها بعد البعث والنشور، فليس الأمر قاصراً على الحياة الطيبة في الدنيا، ولكنها ممتدة ببركة الاستجابة إلى الغاية الموعودة، إلى حياة الخلود في الجنان.

فمن استجاب لله وللرسول فأولئك هم الأحياء وإن ماتوا. وغيرهم أمواتٌ وإن كانوا أحياء الأبدان. ويشهد لهذا قول الحق سبحانه: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).

وكل ما يدعو إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ففيه من روح الحياة ومادتها ما يرفع النفس من الحياة الموقوتة إلى الحياة الحقة الأبدية؛ حتى وإن دعا للخروج لقتال العدو وتعريضِ النفس للقتل، فتلك دعوة إلى الحياة لا إلى الموت. وقد يكون في إزهاق الروح حياتُها؛ كما هو شأن الشهادة في سبيل الله، (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).

كما أن الأمة تحيا حياة الكرامة والعزة والاستعلاءِ على استعبادِ الآخرين لها وإذلالِهم إياها بتضحيات أبنائها في سبيل الله، فموت بعضها حياة لبقيتها، بل وحياة لأجيالها جيلاً بعد جيل.

إن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى توحيد الله وإخلاص العبودية له سبحانه، وفي ذلك حياة للقلوب والعقول، تتحرر بذلك من أغلال الجهل والخرافة ، ومن الخضوع المذل للأسباب المخلوقة، ومن العبودية لغير الله المذلة للعبد.

والرسول يدعو إلى شريعة الله؛ تحرر الإنسان من الطبقية الظالمة، وتحطم الأغلال والقيود المسلّطة على الناس بغير حق، وتجعل المسلمين متساوين في الحقوق والكرامة، فلا يتحكم فرد في شعب، ولا طبقة في أمة ، ولا جنس في جنس، ولا قوم في قوم، وكل ذلك من بركة الاستجابة لله ورسوله.

والرسول صلى الله عليه وسلم فيما يدعو به أمته يدعوهم إلى القوة والعزة والاستعلاء بعقيدتهم وبالثقة بدينهم وبربهم، ذلك مجمل ما يدعوهم إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو دعوة إلى الحياة بكل معاني الحياة.

ثم قال سبحانه: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه)، وهو إخبار فيه معنى التهديد والتخويف من تسويف الاستجابة والتباطؤ عنها. ولهذا الآية شواهد من القرآن؛ كقوله تعالى: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم)، وقوله: (فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل).

والمعنى: أنكم إن لم تستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، أو تباطأتم عن ذلك تسويفاً واغتراراً فلا تأمنوا أن يحول الله بينكم وبين قلوبكم فلا تستطيعوا إلى الهداية سبيلاً. فإياكم أن تردوا أمر اللّه أول ما يأتيكم، فيحالَ بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم، فإن اللّه يحول بين المرء وقلبه، يقلب قلبه حيث شاء، وصاحبه لا يملك منه شيئاً وهو قلبه الذي بين جنبيه!

إنه إخبار يلقي في القلوب من مهابة الله وتعظيمه ويلقي عنها الاغترار بحلمه، والأمنَ من مكره. فهو سبحانه أملك لقلوب عباده منهم، يحول بينهم وبينها إذا شاء، لا يُدركون بقلوبهم شيئًا من إيمان أو كفر، ولا يستجيبون لشيء إلا بإذنه ومشيئته، وإذا حجز جل ثناؤه بين عبد وقلبه في شيء لم يكن له إلى إدراك ما منع منه سبيلٌ.

إنه تهديد وتخويف يستوجب اليقظة والحذر الدائم، والتنبه لخلجات القلب وخفقاته ولفتاته؛ والحذر من كل هاجسة فيه وكل ميل مخافة أن يكون انزلاقاً يهوي به إلى درْكٍ من جهنم.

ولقد كان صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم يكثر من دعاء ربه : "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".

ثم قال سبحانه: (وأنه إليه تحشرون) تذكير بما هو أعظم من مجرد السيطرة على القلب وتصريفه على المشيئة الإلهية، إنه تذكير بالسيطرة التامة الكاملة على الأفئدة وأجسادها، وحياتها وموتها، فقلوبكم بين يديه. وأنتم بعد ذلك محشورون إليه . فما لكم منه مفر . لا في دنيا ولا في آخرة. وهو مع هذا يدعوكم لتستجيبوا استجابة الحر المأجور ، لا استجابة العبد المقهور.

بارك الله.

 

 

الخطبة الثانية:

أما بعد: فمما توعد الله به عباده إن لم يستجيبوا لأمره أن يسلط عليهم فتنة عامة لا تخص أهل المعاصي المباشرين لها، فقال سبحانه بعد الآية السابقة: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، واعلموا أن الله شديد العقاب).

قال ابن عباس: "أمر الله المؤمنين أن لا يقرُّوا المنكر بين أظهرهم، فيعمَّهم الله بالعذاب".

ويفسر هذا جلياً قوله صلى الله عليه وسلم : "ما من قوم يُعْمَل فيهم بالمعاصي، هم أعَزّ وأكثر ممن يعمله، ثم لم يغيروه، إلا عمهم الله بعقاب".

وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أنزل الله بقوم عذابًا أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بُعثوا على أعمالهم". أخرجه البخاري.

فهذا يدل على أن الهلاك العام منه ما يكون طهرة للمؤمنين، ومنه ما يكون نقمة للفاسقين.

فإن قيل: فقد قال الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، وهذا يوجب ألا يؤخذ أحد بذنب أحد، وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب.

فالجواب: أن الناس إذا ظهر فيهم المنكر؛ فمن الفرض على كل من رآه أن يغيره، فإذا سكتوا فكلهم عاصٍ، هذا بفعله، وهذا بسكوته عن إنكاره.

والجماعة التي تسكت لفريق منها بالظلم في صورة من صوره -وأظلم الظلم الشرك بالله ونبذ شريعته- ولا تقف في وجه الظالمين؛ ولا تأخذ الطريق على المفسدين هي ـ بحق ـ جماعة تستحق أن تؤخذ بجريرة السكوت عن الظالمين المفسدين.
 

 

 

 

المرفقات

لله والرسول

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات