الإيمان بالأنبياء عليهم السلام

خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني

2024-09-27 - 1446/03/24 2024-10-06 - 1446/04/03
عناصر الخطبة
1/حكم الإيمان بالرسل 2/عدد الأنبياء والرسل في القرآن 3/رفعة مكانة الرسل والأنبياء 4/مهام الرسل والأنبياء 5/أصل دعوة الأنبياء واحدة 6/أفضل الأنبياء والرسل 7/خصائص الرسل الجسدية والبشرية.

اقتباس

وليس للأنبياء من خَصائصِ الرُّبوبيَّةِ أو الأُلوهِيَّةِ شيءٌ؛ لأن الربوبيةَ والألوهيةَ من صفاتِ اللهِ -تعالى- لا يجوزُ وصفُ أحدٍ من الخلقِ بهما، وإن بلغَ مرتبةً عظيمةً، لذلك كانَ الرسلُ يتبرَّؤونَ من الحولِ والقوةِ، ولا يدَّعونَ شيئًا مِنْ صفاتِ اللهِ -تعالى-...

الخُطْبَة الأُولَى:

 

إن الحمدَ لله؛ نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله -تعالى-، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ.

 

وبعدُ: حَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عن الأصل الرابع من أصول الإيمان وهو: "الإيمان بالأنبياء -عليهم السلام-"، واللهَ أسألُ أن يجعلنا مِمَّنْ يستمعونَ القولَ، فَيتبعونَ أَحسنَهُ، أُولئك الذينَ هداهمُ اللهُ، وأولئك هم أُولو الألبابِ.

 

اعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أن الإيمانَ بالرسلِ ركنٌ من أركانِ الإيمانِ، وأصلٌ من أصولِه؛ قَالَ -تعالى-: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)[البقرة: 285].

 

وقَالَ -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[النساء: 152]، ورَوَى مُسْلِمٌ عنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ".

 

ولا يصحُّ إيمانُ عبدٍ حتى يؤمنَ بجميعِ الأنبياءِ والمرسلينَ؛ لقَولِهِ -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا)[النساء: 150].

 

ويجب الإيمانُ بمنْ سمَّى اللهُ -تعالى- في كتابِه، وبمن ذكَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-في سنَّتهِ منهم إيمانًا مفصَّلًا على نحو ما جاءتْ به النصوصُ من ذكرِ أسمائِهم، وأخبارِهم، وفضائِلهم، وخصائِصهم، والإقرارُ لكلِّ واحدٍ منهم بالنُّبوةِ أو الرسالةِ على ما أخبرَ اللهُ -جل جلاله-، ورسولُه -صلى الله عليه وسلم- عنْهم.

 

والمذكورونُ من الأنبياءِ والرسلِ في القرآنِ خمسةٌ وعشرونَ، ذكرَ اللهُ منهم ثمانيةَ عشرَ فِي قَولِهِ -تعالى-: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ)[الأنعام: 83 - 86].

 

ووَردَ ذكرُ الباقينَ في مواضعَ أُخرى مِن القرآنِ؛ قَالَ -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)[آل عمران: 33]، وقَالَ -تعالى-: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ)[الأعراف: 65]، وقَالَ -تعالى-: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا)[الأعراف: 73]، وقَالَ -تعالى-: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا)[الأعراف: 85]، وقَالَ -تعالى-: (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ)[الأنبياء: 85]، وقَالَ -تعالى-: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)[الفتح: 29].

 

ويجب التصديقُ الجازمُ بأنَّ اللهَ -تعالى- بعثَ في كلِّ أمةٍ رسولًا يدعُوهم إلى عبادةِ الله وحدَه لا شريكَ لهُ، والكفرِ بما يُعبد من دونِ اللهِ؛ قَالَ -تعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[النحل: 36].

 

ويجب التصديقُ بأن جميعَ الأنبياء صادقونَ، بارُّونَ، راشدُونَ، كرامٌ بررةٌ، أتقياءُ أمناءُ، هداةٌ مهتَدون؛ قَالَ -تعالى-: (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)[يس: 52].

 

وقالَ -تعالى- بعدَ أنْ ذكرَ طائفةً كبيرةً من الأنبياءِ والرُّسلِ: (وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأنعام: 87، 88].

 

ويجب التصديقُ بأنَّ جميعَ الأنبياء كانوا على الحقِّ المبينِ، والهدَى المُستبينِ، جاءوا بالبيناتِ منْ ربِّهم إلى أقوامِهم؛ قالَ -تعالى- عن أهلِ الجنةِ: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ)[الأعراف: 43].

 

وقَالَ -تعالى-: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحديد: 25].

 

ويجب التصديقُ بأنَّ الرسلَ قد بلَّغوا جميعَ ما أُرسلوا به البلاغَ المبينَ، فقامتْ بذلك الحجةُ على الخلقِ؛ قَالَ -تعالى-: (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا)[الجن: 28]؛ وقَالَ -تعالى-: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)[النساء: 165].

 

ويجب اعتقادُ أنَّ الأنبياءَ مَنصورونَ مؤيَّدونَ منَ اللهِ، وأن العاقبةَ لهم، ولأتباعِهم؛ قَالَ -تعالى-: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[غافر: 51].

 

ويجب التصديقُ بأنَّ أصلَ دعوةِ الأنبياء واحدةٌ وهي الدعوةُ إلى توحيدِ اللهِ، وأمَّا شرائِعهُم فمختلفَة؛ قَالَ -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 25].

 

ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ أَبي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ"؛ يعني بذلكَ التوحيدَ الَّذِي بعثَ اللهُ به كل رسولٍ أرسلَه، وضمَّنَه كلَّ كتابٍ أنزلَه. وأمَّا الشرائعُ فمختلفةٌ في الأوامرِ والنواهي، فقد يكونُ الشيءُ في شريعة حرامًا، ثم يكون حلالاً في الشريعةِ الأخرى، وبالعكسِ، أو يكون في شريعة خفيفًا ثم يكون شديدًا في الشريعةِ الأخرى.

 

ومن ذلك: أن الغنائم التي يغنمها المجاهدون في المعارك كانت مُحرَّمة في الشرائع السابقة يجب عليهم أن يحرقوها، فإن احترقت دلَّ على أن الله تقبَّلها منهم، وإن لم تحترق دلَّ على أن الله لم يتقبلها منهم؛ لأجل وجود الغلول، والسرقة فيها. أما في شريعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالغنائم مباحة للمجاهدين تقسَّم عليهم.

 

ومن ذلك أيضًا: أن التوبة في الشرائع السابقة كانت تحتِّم على التائب أن يقتلَ نفسه؛ ليتوب الله عليه، وهذا شديدٌ على النفس. أما في شريعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالتوبة خفيفة، وتكون بالإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم فعله بعد ذلك.

 

قَالَ -تعالى-: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ)[المائدة: 48]؛ فهَذا إخبارٌ عن الأممِ المختلفةِ الأديانِ باعتبارِ ما بعثَ اللهُ به رسلَهُ الكرامَ من الشرائعِ المختلفةِ في الأحكامِ المتفقَةِ في التوحيدِ.

 

وليس الأنبياء في درجةٍ واحدةٍ في الفضل، بل فضَّلَ اللهُ بعضَهم على بعضٍ؛ قَالَ -تعالى-: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)[الإسراء: 55]؛ وقَالَ -تعالى-: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)[البقرة: 253].

 

وأفضلُ الأنبياءِ أولو العَزمِ، وهم ذُوو الحزمِ والصبرِ، وهم خمسةٌ: نوحٌ، وإبراهيمُ، وموسى، وعيسى، ومحمدٌ -صلى الله عليهم وسلم-؛ قَالَ -تعالى-: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)[الأحقاف: 35]، قَالَ -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)[الأحزاب: 7].

 

وقَالَ -تعالى-: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)[الشورى: 13].

 

وأفضلُ الأنبياءِ والرسلِ هو نبينا -صلى الله عليه وسلم-؛ رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ"، وفي روايةٍ لمسلمٍ: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

 

أقولُ قولي هذا، وأَستغفرُ اللهَ لي، ولكُم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله وكفى، وصلاةً وَسَلامًا على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا.

 

أما بعد: فاعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أنه يجب التصديقُ بأنَّ الرسلَ بَشرٌ مَخلُوقونَ ليسوا بملائكةٍ، ولا آلهةٍ؛ قَالَ -تعالى-: (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[إبراهيم: 11]، وَقَالَ -تعالى-: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ)[الأنعام: 8].

 

والرسالةُ والنبوةُ منْحَةٌ إلهيةٌ أكرمَ اللهُ -جل جلاله- بها أنبياءَه -عليهم السلام-؛ قَالَ -تعالى-: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)[مريم: 58].

 

وقالَ -تعالى- حاكيًا عما قالَهُ يعقوبُ -عليه السلام- لابنِهِ يوسفَ -عليه السلام-: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[يوسف: 6]، وقالَ -تعالى- لموسى -عليه السلام-: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[الأعراف: 144].

 

وليس للأنبياء من خَصائصِ الرُّبوبيَّةِ أو الأُلوهِيَّةِ شيءٌ؛ لأن الربوبيةَ والألوهيةَ من صفاتِ اللهِ -تعالى- لا يجوزُ وصفُ أحدٍ من الخلقِ بهما، وإن بلغَ مرتبةً عظيمةً، لذلك كانَ الرسلُ يتبرَّؤونَ من الحولِ والقوةِ، ولا يدَّعونَ شيئًا مِنْ صفاتِ اللهِ -تعالى-.

 

قَال -تعالى- مبيِّنًا براءةَ عيسى -عليه السلام- مما نُسِبَ إِليه: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[المائدة: 116، 117].

 

وقَالَ -تعالى-: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[المائدة: 72].

 

وقال -تعالى- عنْ نوحٍ: (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ)[هود: 31].

 

وقالَ-تعالى- آمرًا نبينَا محمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- أنْ يقولَ لقومِه: (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ)[الأنعام: 50].

 

فهذا عبادَ الله هو الأصل الرابع من أصول الإيمان، قد منَّ الله علينا به، فيجب أن نؤمن بجميع الرسل، ولا نفرقُ بينهم، نسأل الله أن يحشرنا معهم يوم القيامة.

 

اللهم ثبِّت قلوبَنا على الإيمان... اللهم لا تُزغْ قلوبَنا بعد إذ هديتنا... اللهم ألِّفْ بين قلوبِنا.

 

اللهم ارزقنا العمل بكتابك، وسنة نبيك، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها، وما بطن.

 

اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

 

أقول قولي هذا، وأقم الصلاة.

 

المرفقات

الإيمان بالأنبياء عليهم السلام.doc

الإيمان بالأنبياء عليهم السلام.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات