عناصر الخطبة
1/الإيمان بأسماء الله وصفاته منزلة كبرى 2/إيمان أهل السنة بالأسماء والصفات بلا تحريف ولا تكييف 3/حاجة الأمة للتضرع واللجوء للهاقتباس
فإذا حاصرتك -أيها المسلمُ- الحاجاتُ ودهمت بك الخطوبُ والتفَّت من حولك الهمومُ فالجأ إلى الأحد الصمد؛ فهو المقصود في الرخاء والشدائد، وهو –وحدَه- الذي يُقصد ويُلجأ إليه عند الكروب والرغائب، هو المستغاث به عند المصائب، والمفزوع إليه وقت النوائب...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله العلي الأعلى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، في الآخرة والأولى، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى، والرسول المجتبى، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أهل العلم والتقوى.
أما بعدُ فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطَّلَاقِ: 2-3].
أمة الإسلام: الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا أحد أقسام التوحيد، وهو من مقتضيات الإيمان بالله -جل وعلا-، العلم بها ومعرفتها، والتعبد لله -جل وعلا- بها، له منزلة عظمى ومكانة كبرى، المؤمن يُثْبِت لله -جل وعلا- ما أخبر به -سبحانه- عن نفسه، وما أخبر به عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم-، من الأسماء الحسنى والصفات العلا، يؤمن المؤمن بذلك، بلا تشبيه بصفات خلقه، ولا تكييف لها تكييف المشبهة، وبدون تحريف للكلم عن مواضعه، والمؤمن كذلك ينزه الله -جل وعلا- ويقدِّسه، تنزيها عن النقائص والعيوب، بلا تعطيل، بل نفيٌ لما نفاه عن نفسه ونفاه عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم-، النفي المتضمن لكمال صفاته، النفي المجمل المتضمن ثبوت كمال ضد الصفات المنفية، ففي قوله -تعالى-: (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ) [سَبَأٍ: 3]، نؤمن ونثبت بكمال علمه، وفي مثل قوله -تعالى-: (وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) [ق: 38]، نُثبت ونؤمن بكمال قدرته.
إيمانٌ وفقَ ما نطقت به النصوصُ الشرعيةُ، من غير تحريف ولا تكييف، ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل، فليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته ولا أفعاله، بل هو الكامل الكمال المطلق في أوصافه وأسماعه وأفعاله، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشُّورَى: 11]، قال ابن عبد البر -رحمه الله-: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن الكريم والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة، سئل مالك -رحمه الله- عن قوله -تعالى-: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: 5]: "كيف استوى؟ فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، وهو مروي عن أُمِّ سلمةَ وعن شيخه ربيعة.
أسماؤه الحسنى -جل وعلا-، وصفاته العلا هي أساس عبادته -سبحانه-، على الوجه اللائق وتنزيهه وحمده والثناء عليه، قال ربنا -جل وعلا-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) [الْأَعْرَافِ: 180]؛ أي: الدعاء الشامل لدعاء العبادة ولدعاء المسألة؛ بأن يدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب، فيقول مثلا: اللهم اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، وَتُبْ عليَّ يا توابُ، وارزقني يا رزاقُ، والطف بي يا لطيف وهكذا...
حينئذ -أيها المسلمون- فإن من أسمائه -جل وعلا- الصمد (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الْإِخْلَاصِ: 1-4]، فإذا حاصرتك -أيها المسلمُ- الحاجاتُ ودهمت بك الخطوبُ والتفَّت من حولك الهمومُ فالجأ إلى الأحد الصمد؛ فهو المقصود في الرخاء والشدائد، وهو –وحدَه- الذي يُقصد ويُلجأ إليه عند الكروب والرغائب، هو المستغاث به عند المصائب، والمفزوع إليه وقت النوائب.
يا أمة الإسلام: نحن كل لحظة في ضرورة عظمى إلى ربنا العظيم الأحد الصمد، وإلى أن نصمد إليه تعبُّدًا ودعاءً، تضرعًا ومحبةً وإخلاصًا، خوفا وطمعا، كم نحن في ضرورة قصوى إلى أن ندعوه في الرخاء والشدة، وأن نرجوه في النعماء والضراء، وأن نتضرع إليه -سبحانه-، وأن نفزع إلى جنابه، خاصة ونحن تشتد بأمتنا الكروب من كل جانب، حينئذ ننعم بالمقاصد العالية والمطالب الجزيلة في الدنيا والآخرة.
كم نحن -على مستوى الأفراد والشعوب- في حاجة ماسَّة إلى أن نُفَرِّغ قلوبَنا من غيره -سبحانه وتعالى-؛ لنلجأ إليه وحدَه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا كما قال سبحانه: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غَافِرٍ: 65] .
قال ابن تيمية -رحمه الله-: "والمقصود هنا أن الخليلين محمدا وإبراهيم -عليهما السلام- هما أكملُ خاصةِ الخاصةِ توحيدًا، وكمال توحيدهما بتحقيق إفراد الألوهية؛ وهو ألا يبقى في القلب شيء لغير الله أصلا"، انتهى هذا الكلام الدقيق.
كم يشعر الإنسان في هذه الحياة بحالات يكون فيها في خطر عظيم كما هو حالنا اليوم، فلا مفر من تلك الأخطار إلا بالحفيظ المتين الصمد العظيم، هو وحده من يحفظ مصالحنا، هو الذي بيده دفع الضرر والخطر عنا، هو الذي يحفظ أولياءه من الهلكات ويلطف بهم في جميع الحركات والسكنات، الله هو الأحد الصمد الذي يُصمد إليه في الحوائج والمسائل، ويقصده الخلائق كلها في جميع حاجاتها وأحوالها وضروراتها لما له -سبحانه- من الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
كيف يشقى المسلم؟ كيف تشقى أمة الإسلام وربها الأحد الصمد المتصف بكل كمال هو السيد الكامل في سؤدده، الكامل في جميع صفات الشرف والسؤدد والكرم، والجُود والغنى والعلم والحكمة، وسائر أوصاف العظم والكبرياء، والمجد والجلال، والعزة والقهر، والقدرة والجبروت، والرحمة والبر.
فيا أيها العبد: ارغب إلى ربك، أيتها الأَمَة: ارغبي إلى ربك، وأخلصي له الدعاء، أخلصي له العبادة والتوكل والرجاء والخوف والحب والإنابة، والإخبات والخشية والتذلل والخضوع، (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) [الشَّرْحِ: 7-8]، فحينئذ سنجد العزة والنصر في كل ما نطلب ونرغب.
يا من ضاقت عليه السبل، وصعبت عليه الحيل: اقصد باب ربك وانطرح بين يديه، فإذا ضاقت بك الأحوال يوما فثق بالواحد الفرد العَفُوّ؛ فهو -سبحانه- اللطيف بعباده، الذي أحاط علمه بالسرائر والخفايا وأدرك البواطن والخبايا، (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [الْحَجِّ: 63]، (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ) [يُوسُفَ: 100]، اللطيف الذي إذا أراد شيئا هيأ أسبابَه بكامل اللطيف وتمام الخفاء، حتى إنه ليقع ما يستحيل في العادة وقوعه، هو ذو الكرم المتناهي.
فمتى تواطأت ضدك الكروب وتكالبت عليك الأزمات فالجأ إلى الصمد الجبار الذي يجبر الكسير وينجي المكروب ويكشف الضراء والبأساء، فما من أسى إلا وهو رافعه، وما من مرض إلا وهو شافيه، وما من بلاء إلا وهو كاشفه، فهو ذو القدرة الكاملة والمشيئة الناجزة، يرفع الكروب ويكشف الخطوب، (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ) [النَّمْلِ: 62]، (قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) [الْأَنْعَامِ: 64]، فالجأ أيها المسلم إلى ربك، الذي بالقرب منه تجد أنسا وسرورا، وصلاحا وزكاء وفلاحا، ونجاحا وسكينة واستقرارا، (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النَّحْلِ: 128].
روى أهل السنن عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أنه دخل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسجد فإذا رجل يصلي يدعو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد ألا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ سَأَلَهُ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ" (صححه جمعٌ)، قال ابن حجر: "وهذا الحديث أرجحُ ما ورد في الاسم الأعظم من حيث السند.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا يليق بجلاله وجماله وعظمته، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-؛ فهي وصيته للأولين والآخرين.
أيها المسلمون: الضرورة مُلِحَّة لكل مسلم أن يتشبَّع قلبُه بتدبُّر معاني الأسماء الحسنى لربه، وما له من نعوت الجلال وصفات الكمال، حينئذ يُثمر ذلك له عجائبَ الإيمان وكمالَ اليقين، فتجده لا يُنزل حاجاتِه حينئذ إلا بالله متبرئا قلبُه من الحَوْل والقوة إلا بالله، فقلبه معلَّق بالله وبمعرفته ومحبته وإجلاله، فحياتُه كلها لله -جل وعلا- على حد قوله -تعالى-: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الْأَنْعَامِ: 162-163].
ثم إن الله -جل وعلا- أمرنا بأمر عظيم تزكو به حياتنا؛ ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا ورسولنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الآل والصحابة أجمعين، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألك بأننا نشهد ألا إله إلا أنت يا أحد يا صمد، يا فرد يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، نسألك أن تنقذ أمتنا من كربها، اللهم أنقذ أمتنا من كربها، اللهم أنقذ أمتنا من شدتها ولأوائها، اللهم فرج هموم المسلمين في كل مكان، اللهم نفس كرباتهم، اللهم نفس كرباتهم، اللهم بلغنا وإياهم رمضان والنصر حليفهم يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، اللهم من أراد وأراد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، اللهم اجعل تدميره في تدبيره، اللهم اجعل تدميره في مخططاته يا حي يا قيوم، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم بلغنا رمضان اللهم بلغنا رمضان، وأعنا فيه على الصيام والقيام، اللهم أعنا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك، اللهم وفق خادم الحرمين لما تحب وترضى، اللهم وفقه ونائبه لما تحبه وترضاه، اللهم ألبسه لباس الصحة والعافية، يا حي يا قيوم.
اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه مصالح رعاياهم اللهم وفق لما فيه صلاح رعاياهم، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والتقوى في كل مكان، اللهم يا حي يا قيوم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم إنك أنت العفو، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.
عباد الله: اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبِّحوه بكرة وأصيلا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم