عناصر الخطبة
1/ فضل التبكير لصلاة الجمعة 2/ مفهوم الجمعة في الإسلام 3/ بعض مفسدات الجمعة 4/ تربية الأبناء على احترام المسجداقتباس
حق لمن قرأ هذا الحديث الشريف أن ينكس الرأس؛ خجلاً من الله، وحياء من الملائكة الكرام، وشفقة على عباد الله، وخوفًا عليهم؛ إذ يفرط الكثير منا في هذا الخير الكثير والأجر الكبير، فشتَّان بين مَن يتصدق بِبَدَنَةٍ وبين من يتصدق ببيضة! وشتان بين من يتصدق ببقرة وبين من يتصدق بدجاجة ..
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قَرَّبَ بَدَنَةً، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة؛ فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون".
حق لمن قرأ هذا الحديث الشريف أن ينكس الرأس؛ خجلاً من الله، وحياء من الملائكة الكرام، وشفقة على عباد الله، وخوفًا عليهم؛ إذ يفرط الكثير منا في هذا الخير الكثير والأجر الكبير، فشتَّان بين مَن يتصدق بِبَدَنَةٍ وبين من يتصدق ببيضة! وشتان بين من يتصدق ببقرة وبين من يتصدق بدجاجة!.
فكم من أناس تمر عليهم الجمعة تلو الجمعة ربما لا يحصلون فيهن إلا على البيضة، وربما حتى البيضة لا يحصلون عليها، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
إنها الغفلة عن الثواب، والزهد في الأجر والفضل، وكأنهم لم يبلغهم قول الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة:9]، وقوله -سبحانه وتعالى-: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) [الواقعة:10-14].
كم من أناس يذهبون ليلة الجمعة يتنزهون ويسمرون! وربما يكون هذا السهر في لهو وغفلة وطرب، إلى غير ذلك من المعاصي التي يخجل الإنسان من ذكرها فضلاً عن ارتكابها وفعلها، ثم ينامون في وقت متأخر من الليل، وفي النهاية يضيعون صلاة الفجر، وينامون عنها، ويتأخرون عن صلاة الجمعة ولا يبكرون إليها.
عباد الله: إنَّ أقواماً لازالوا يتأخَّرون حتَّى يؤخِّرَهم الله، وإن أقواماً لازالوا يتقدَّمون حتَّى يقدِّمَهم الله؛ فأين المـُسارعون؟ أين المـُبَكِّرون؟ أين المتسابقون؟ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن توضَّأَ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاسْتَمَعَ وأنْصَتَ؛ غُفِر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام" رواه مسلم.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَن غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ؛ كان له بكل خطوة عمَلُ سَنَةٍ، أجر صيامها وقيامها" رواه أحمد وصححه الألباني.
فلا تكن -يا عبد الله- ممن لا يعرف عن الجمعة إلا أنه يوم الراحة الأسبوعية، يوم التنزه والفراغ، يوم سهر الليل ونوم النهار، ولم يعلم أن يوم الجمعة يوم الطاعة، يوم العبادة، يوم التبكير إلى المساجد، يوم قراءة سورة الكهف؛ يومٌ صلاة الفجر فيه في جماعة أعظم عند الله من سائر الصلوات، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " أفضل الصلوات عند الله صلاة الفجر يوم الجمعة في جماعة".
هذا هو مفهوم الجمعة في الإسلام؛ فمَن يفهم أن يوم الجمعة يوم الراحة والدعة فليصحح مفهومه، وليغير تصوره، ثم يغير بعد ذلك سلوكه نحو الجمعة.
وأعظم من هذا من يأتي إلى الجمعة فيعمل شيئا من المفسدات التي تفسد عليه أجر الجمعة وتضيع عليه فضلها، فيخرج من الجمعة وقد فقد ثوابها وخسر أجرها، والتغت جمعته وحسبت له ظهراً مثل سائر الأيام.
وأعظم ما يفسد الجمعة ويلغيها الحديث أثناء الخطبة، والكلام مع الآخرين بأي نوع من أنواع الكلام، حتى لو كان ردَّ سلامٍ أو تشميت عاطس أو نصح شخص أو تغيير منكر، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : "إذا قلت لصاحبك انصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت".
يقول ابن قدامة -رحمه الله-: ويجب الإنصات من حين يأخذ الإمام في الخطبة، فلا يجوز الكلام لأحد من الحاضرين، ونهى عن ذلك عثمان، وابن عمر؛ وقال ابن مسعود: إذا رأيته يتكلم والإمام يخطب فأقرع رأسه بالعصا.
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا، والذي يقول له أَنْصِتْ ليست له جمعة". ومعنى "ليست له جمعة" أي: لا ينال أجر الجمعة.
يقول أبو ذر إنه قال: دخلت المسجد يوم الجمعة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فجلستُ قريباً من أُبيّ بن كعب ، فقرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- سورة (براءة)، فقلت لأُبيّ: متى نزلت هذه السورة؟ قال: فتجهَّمني، ولم يكلمني، ثم مكثت ساعةً، ثم سألتُه؟ فتجهمني ولم يكلمني. ثم مكثتُ ساعة، ثم سألته؟ فتجهمني، ولم يكلمني.
فلما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قلت لأُبيٍّ: سألتك فتجهمتني ولم تكلمني؟ قال أُبَي: مالَكَ من صلاتك إلا ما لغوتَ! فذهبتُ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا نبي الله! كنت بجنب أُبيّ وأنت تقرأ (براءة) فسألته: متى نزلت هذه السورة؟ فتجهَّمني ولم يكلمني، ثم قال: مالك من صلاتك إلا ما لغوت! قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "صدق أُبيّ".
فكيف ياعباد الله بالنوم والإمام يخطب؟ فإنه مخالف للإنصات الذي أمر به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومَن غَلَبَهُ النوم فعليه أن يتحول من مكانه الذي هو فيه إلى مكان آخر.
وأعظم من النوم الفوضى والتشويش ورفع الصوت بالكلام أثناء الخطبة، فهذا فعلٌ شنيعٌ، ومُنْكَرٌ فظيعٌ، يفعله كثير من أبنائنا وشبابنا حيث يجلسون في مؤخرة المسجد يتحدثون ويضحكون.
أبناء لا يُعلمهم آباؤهم آداب المسجد، ولا يعرِّفونهم بحقوق المساجد، ولا يهمهم أصَلَّى أبناؤهم أم لم يصلوا، أدخلوا المسجد أم لم يدخلوا! وإذا دخلوا المسجد لم يراقبوهم، ولم يتحسسوا منهم ألَزِموا الهدوء والسكينة فيها أم عبثوا بها ولعبوا فيها؟ يقول الله -سبحانه وتعالى-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور:36-37].
فيجب على الآباء أن يغرسوا في نفوس أبنائهم تعظيم المسجد، والعناية به، وتنظيفه، واحترامه، والهدوء فيه؛ وأن يحذروهم من اللعب داخله، أو العبث بمقدراته وأثاثه، وأن يمنعوهم من رفع الصوت فيه، أو التشويش على رواده ومصليه؛ فإن المساجد لم تُبْنَ إلا لعبادة الله، وإقامة شعائر الله، قال تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة:18].
الخطبة الثانية:
إن هذه الظاهرة السيئة التي نراها يوم الجمعة في كثير من المساجد -ومنها مسجدنا هذا- حيث يجلس كثير من هؤلاء الأطفال في آخِر المسجد أو في بعض زوايا المسجد يثيرون الفوضى والضوضاء، ويزعجون المصلين والمستمعين، ويعبثون بالماء، ويتراشقون بالأحذية، ويتضاربون ويترافسون في الصلاة، ويحولون المسجد إلى روضة أطفال أو دار حضانة، والله المستعان!.
يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- عندما سئل هذا السؤال: يحضر بعض المصلين إلى المسجد ومعهم صبيانهم الذين لم يبلغوا سن التمييز، وهم لا يحسنون الصلاة، ويصفُّون مع المصلين في الصف، وبعضهم يعبث ويزعج من حوله؛ فما حكم ذلك؟ وما توجيهكم لأولياء أمور أولئك الصبيان؟ فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أن إحضار الصبيان الذين يشوشون على المصلين لا يجوز؛ لأن في ذلك أذية للمسلمين الذين يؤدون فريضة من فرائض الله... فنصيحتي لأولياء أمور هؤلاء الصبيان أن لا يحضروهم إلى المسجد، وأن يسترشدوا بما أرشد إليه النبي -صلي الله عليه وسلم- حيث قال: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر..." إلخ كلامه رحمه الله.
بل إن هؤلاء الأطفال لم تقتصر أذيتهم على الفوضى والتشويش على المصلين؛ بل تطاولت أنفسهم في العبث بالمصاحف الموجودة في المسجد بتمزيقها، والكتابة عليها، وقص بعض الآيات والسور منها، إلى غير ذلك من الأفعال الكبيرة التي لا يمكن أبداً قبولها أو السكوت عليها.
إنا نأسف حقيقة من وجود "شُلل" داخل المسجد جعلوا المسجد مسرحاً للعبهم المنافي لعظمة المسجد وقداسته، يرفعون أصواتهم في مكان الوضوء، ويتزاحمون عنده، ويعبثون بالماء وبأبواب الحمامات، ثم يأتون إلى المسجد وقد فاتتهم بعض الركعات فيتكلمون ويضحكون، ويلعبون وهم يصلون، ويتلفتون في الصلاة وكأن الصلاة عندهم مسخرة ولعب، ثم يكملون الضوضاء والصراخ بعد الصلاة، ويشوشرون على الناس وهم يسبحون ويركعون النافلة.
فيجب على الجميع من آباء وعقلاء ومدرسي حلقات ووجهاء أن يقوموا بدورهم، وأن يوقفوا هؤلاء عند حدهم قبل أن تنتهي وتتلاشى عظمة المسجد من قلوبهم، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32]، ويقول: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج:30]، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذه المساجد لاتصلح لشيء من هذا البول والقذر؛ إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن"، أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم