عناصر الخطبة
1/ حاجة البشر كلهم لمنهج الله الذي ارتضاه لهم 2/ على المسلمين واجبات وتبعات تجاه دينهم الإسلامي 3/ هناك مصدران إلحاديان منهما ظهر كثير من الشر والفساد 4/ على كل فرد تبعة وواجب 5/ خطورة مدارس الغرب ومدارس الاستشراق على شباب المسلمين 6/ الدعوة للتمسك بآداب الإسلام وشريعته في كافة مناحي الحياةاقتباس
ما أحوجنا نحن المسلمين في هذه الحقبة الزمنية من تاريخ العصر الحديث. بل ما أحوج إنسان هذا العصر من أي جنس ولون. ما أحوج خلق الله جميعهم إلى منهج الله الذي ارتضاه للناس، ما أحوجهم إلى عقيدة الإسلام وتطبيقها في حياتهم حكمًا وسلوكًا ومظهرًا. ما أحوجهم إلى الرجوع إلى الله وإلى سنة نبي الله محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. ما أحوجكم وقد استفحل شيوع الإلحاد في العالم الإسلامي، فانقلب كل فرد، بل كل مجتمع على عقبه خسر الدنيا والآخرة ..
الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه، الحمد لله الذي خلق الكون ومن عليه بالحكمة ابتداء وبالقدرة اعتلاء، وبالعمل ابتلاء، وبالعطاء فضلاً ونعمة ومنة. نحمده حمد الشاكرين له، المنقادين لحكمه، المتمثلين لأوامره المنتهين بنواهيه. ونشهد أن لا إله في الأرض ولا في السماء إلا هو. ونصلي ونسلم على من بعثه الله بالحق بشيرًا ونذيرًا، وهاديًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون: راقبوا الله في سركم وجهوكم، واتقوه ما استطعتم، فإن تقواه من أوجب العبادات، وأعظم القربات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) [آل عمران: 190، 191].
أيها المسلمون: اتلوا تلك الآية القرآنية الكريمة، ورددوا تلاوتها فلسوف تبصركم بحقيقتكم وحقيقة جهدكم على هذا الكوكب الكوني، وإن سر الخلق والإبداع يكمن في حقيقة الخالق الواحد، وإن سر هذه الحقيقة قائلة للخلق أجمعين، إنكم عباد الله وعبيده فاتقوه وحده.
عباد الله ما أحوجنا نحن المسلمين في هذه الحقبة الزمنية من تاريخ العصر الحديث. بل ما أحوج إنسان هذا العصر من أي جنس ولون. ما أحوج خلق الله جميعهم إلى منهج الله الذي ارتضاه للناس، ما أحوجهم إلى عقيدة الإسلام وتطبيقها في حياتهم حكمًا وسلوكًا ومظهرًا. ما أحوجهم إلى الرجوع إلى الله وإلى سنة نبي الله محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. ما أحوجكم وقد استفحل شيوع الإلحاد في العالم الإسلامي، فانقلب كل فرد، بل كل مجتمع على عقبه خسر الدنيا والآخرة.
عباد الله: فكروا في هذا المصير المؤلم للأمة الإسلامية، فلم تعد شعوبها بمنجاة من تيار الغزو الفكري الإلحادي، بل تردت فيه إلى الحضيض إلا من شاء الله منهم، وهؤلاء هم المستمسكون بدين الله، المعتصمون بحبله المتين، الحاكمون بشريعته.
عباد الله: إن على المسلمين من الواجبات والتبعات تجاه دينهم الإسلامي أن يفكروا ويبحثوا عن أسباب هذه الموجة الإلحادية العارمة التي يريد أصحابها ارتداد المسلمين عن دينهم، وأن يبحثوا عن مصادر هذا التيار الإلحادي ليشخّصوا الداء، ويضعوا له الدواء من مفهوم عقيدتهم الإسلامية التي بها يسعد الناس أجمعون.
أيها المسلمون: هناك مصدران إلحاديان منهما ظهر الشر والفساد.
أولهما: تيار النهضة العلمية الحديثة التي بدأت في الشرق الإسلامي مجلبة بخيلها ورجلها، فتسببت في سريان الإلحاد في نفوس المسلمين ممن تتلمذوا على أساتذة غربيين يؤمنون بتأثير الفكر الغربي المادي الوجودي.
وثاني المصدرين: الفكر الاستشراقي الذي كان قوامه الهجوم على الإسلام، وإضعاف ثقة أهله به وصد انتشاره في الأرض، ولقد نجح كثير من رجالات هذه المبادئ الإلحادية في تضليل الكثيرين من شباب الإسلام وتشكيكهم في دينهم، لأن الشباب هو محور القضية التي يفتل ذروتها أولئك المغرضون. ويتبين ذلك في أمرين خطيرين: أولها فشل أولئك الملحدين في محو العقيدة واقتلاعها من النفوس، فآبوا إلى الجانب الفكري والأخلاقي، وما أرحب ميداني هذين الأمرين في نفوس الشباب.
وثانيهما: تجسيد بعض الآراء والأفكار الخبيثة تجسدها في صورة واقعية ملموسة الغرض من إلقائها وزرعها في أذهان الشباب هو الكذب والافتراء، وذلك من مثل ما يعبرون عنه بالكتب، أي أن الشريعة الإسلامية في نظرهم كبت لحرية الفرد والجماعة عن ممارسة ما يحبه الإنسان، ويألفه بوحي من فطرته الإنسانية، وفي هذا الفكر الغوغائي يجد الشاب المسلم متنفسًا يلتذ بالحديث عنه، فيتفرع إلى الجدل العقيم، والاستهزاء بالشعائر الدينية وجرّ الرفاق والزملاء إلى الانزلاق.
سبحان الله متى كان شرع الله حياة الكبت والضغط النفسي والإلزام الحكمي، وجميعنا يعلم الكثير من الأحكام، وإن فيها ما هو واجب ومندوب، ومتى كان شرع الله دين التقصير والقعود والله سبحانه وتعالى يخاطب المسلمين ويخاطب غيرهم بقوله: اعلموا، وامشوا، وسيروا، وأنفقوا، وابتغوا، ولا تهنوا ولا تقنطوا، ولا تيأسوا، ويقابل هذه الأوامر والنواهي الربانية ما يغري به أولئك الملحدون من مثل: الجدل العقيم، والشك، والاستهزاء، والإنكار والجحود، ويكفي في الحرية التي منحها الإسلام لأهله أن جعل كل فرد تبعة وواجبا، يقول صلوات الله وسلامه عليه: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم وهم على من سواهم». وفي حديث المسئولية والتبعة: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته». الحديث.
أيها المسلمون: ما الذي أفادته المدرسة الإسلامية من مدارس الغرب ومدارس الاستشراق.
حين رجع شباب الإسلام إلى أوطانهم بعد تخرجهم في تلك المدارس الغربية، والمدارس الاستشراقية رجع كل منهم صفر اليدين من ثقافته الإسلامية وتقاليد أمته أحكام دينه إلا من شاء الله منهم. نرى الكثير من شباب الإسلام في كثير من بلاد الإسلام يتنكر للعرف والعادات الحميدة، بل يتنكر لفكر الأمة ودينها.
يربي الحيوانات النجسة الخبيثة، ويسبل الثياب، ويرخي الشعر، ويسخر من المجتمع المسلم ولغته وفكره، وليس معه من الأفكار التي درسها سوى القشور دون اللباب.
أيها المسلمون: الله الله أن يؤتى الإسلام من قِبَلكم. عودوا إلى الله وتوبوا إليه توبة نصوحًا، يقول الحق تبارك وتعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) [الجاثية: 18، 19].
بارك الله لي ولكم في القران العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأتباعه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله ما استطعتم، وحافظوا على قدسية هذا الشرع الحنيف الذي ارتضاه الله لكم، فإنه والله دين الخير والعدل والفضيلة، قبله لم تكونوا شيئًا مذكورًا، قبله كان أسلافكم أمة جاهلية لا حظ لهم من تمدن أو رقي حتى آذن الله بشمس الإسلام تشع من جزيرة العرب هداية لهم وللناس أجمعين.
أيها الإخوة المؤمنون: إلى متى والواعظ فيكم والداعية والخطيب والكاتب والشاعر كلهم يحثكم على التمسك بهذا الدين، وكأنكم لا تسمعون فتتعظون. صحيح أننا نقيم الصلاة ونؤديها كاملة غير منقوصة مع الجماعة في المساجد.
ونقوم بأداء بقية الأركان الأخرى، ولكننا مقصرون في أداء ما فرض علينا من الواجبات الأخرى كالتناصح بيننا، والنصيحة لكتاب الله وملائكته ورسله ولعامة المسلمين. إننا نردد آيات القرآن في مدارسنا ومعاهدنا ومساجدنا، ولكنه ترديد للآيات فقط. أما العمل والتطبيق فيكاد يكون معدومًا إلا من شاء الله منا وهداه.
ولذلك نرى كثير منا يستعذب الكذب على أخيه، ويستمرئ الغش في المعاملات، ويرخص عنده اليمين في الخصومات، ويؤذي المسلمين المؤمنين بغير ما اكتسبوا.
ونرى كثيرا منا - يا عباد الله- يقصر في الحضور إلى صلاة الجمعة. فلا يجيء إلا بعد الأذان الثاني، أو لا يجيء إلا والإمام يخطب. وتلك علامة نقص الإيمان والاستسلام لهوى الشيطان. وعلامة على الكسل الذي هو شأن المنافقين الذين قال الله عنهم: (وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) [التوبة: 54].
وترى الكثيرين منا لا يهتمون ولا يبالون بحضور الذكر والاجتماع لسماع المحاضرات والندوات الإسلامية، وإذا كان هناك من رأي أو قول يسمع عن مستشرق أو محاضرة يلقيها عبر إحدى الإذاعات من خارج بلادنا أحد علماء الغرب رأيت الكثير من الشبان والكهول يتسابقون إلى تلقف ما يأتيهم من ثقافة الحضارة الغربية وزخرفها الكاذب. ولا يسيرهم إلى استحسان ما يسمعون إلا الشعور بالنقص والتنكر للقيم الإسلامية الرفيعة التي بنت عليها أوروبا حضارتها المعاصرة. وخاطبت المسلمين من وراء ستار متين بأنكم معشر المسلمين لا زلتم أمة بدوية، لا حظ لها من التحضر والرقي.
كيف ذلك والله سبحانه وتعالى يقول: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110].
كيف ذلك والله يقول: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97]، (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33].
عباد الله: ها هو كتاب الله بين ظهرانيكم يخاطبكم بالعمل مقرونًا بالصلاح والفلاح في كل حركة وسكون.
وإن أرقى ألوان المدنية المتحضرة أن يكون أساسها مبنيًّا على هدى سماوي من عند الله، وحسبنا بكتاب الله أن يكون مصدر حكمنا ومنبع ثقافتنا وأساس حضارتنا.
حضارتنا الآيات نبني بهديها *** منابر علم فيضه الدهر مورد
أول بيت في البناء نشيده *** على إثر توحيد المهيمن مسجد
ومشع في الآفاق نور محمد *** ونحن به في العالمين نمجد
أيها المؤمنون: لا حاجة لنا بعد هذين المصدرين العظيمين: كتاب الله وسنة رسوله إلى ما تزركشه أقلام المتفرنجين، ويغري به المستشرقون ومفكرو الغرب.
فاللهم يا ذا العزة ويا ذا القوة المتين أعزنا بإسلامنا وأعزه بنا، وردنا إلى منهجك ردًّا جميلاً. اللهم انصر دينك وأعل كلمتك، وانصر اللهم المجاهدين في سبيلك الداعين إليك، وانصر اللهم قادتنا وولاة أمورنا، وأرهم الحق حقًّا وأرزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، وخذ بأيديهم إلى ما فيه خير أمة الإسلام؛ إنك ولي ذلك والقادر عليه.
عباد الله: صلوا وسلموا على أكرم نبي وأشرف هاد، واذكروا الله العلي العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم. ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم