عناصر الخطبة
1/الدين الصحيح والمقبول عند الله تعالى 2/ من محاسن الإسلام وفضائله 3/حقيقة الإسلام وأركانه 4/آداب الإسلام وقيمه 5/من نواقض الإسلام ومبطلاته.اقتباس
السلامة والسعادة والفوز بالجنة والنجاة من النار ليست هي بمجرد الانتساب إلى الإسلام؛ بل لا بد أن تظهر آثار تعاليم الإسلام من الأقوال والأفعال على المنتسب في أحرج ساعات الضيق، وفي أوقات رفاهية النفس وسرورها، ولا تبعده تقلبات العيش عن ربه وصدقه مع ربه.
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي خلق فقدَّر وشرع فيسَّر، وكل ذلك عن حكمة وعلم، فسبحانه من إله عظيم، خلق فسوَّى وقدَّر فهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الغني عما سواه، وكل الخلائق محتاجون إليه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إمام المرسلين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: فإن الله جعل الإسلام دينًا وأمنًا وسعادة ونجاة يوم القيامة؛ قال -تعالى-: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[سورة آل عمران:19]؛ فلا يقبل منا دينًا سواه، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[سورة آل عمران:85].
عباد الله: إن الإسلام دين المحامد والفضائل، ودين الهدى والنور، ودين العصمة والنجاة، ودين العزة والكرامة، به يجزي الله العباد، وعنه يسألهم، وعليه مدار الثواب والعقاب.
والإسلام: هو الاستسلام الظاهرُ والباطن لله -تعالى- وحده، والانقياد الكامل لطاعته، فمقصوده القيامُ بحق الله -تعالى- وحق عباده، والبراءة من الشرك وأهله؛ وروحه الإخلاص لله -تعالى-، وصدق المتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا خير ولا فلاح ولا هدى إلا دلَّ عليه، ولا شر ولا ضرر ولا فساد إلا حذَّر منه، وكل من دانَ بغير الإسلام فعمله مردود، وهو في الآخرة من الخاسرين.
أيها المستمعون: ليعلم كل من انتسب إلى الإسلام أن السلامة والسعادة والفوز بالجنة والنجاة من النار ليست هي بمجرد الانتساب إلى الإسلام؛ بل لا بد أن تظهر آثار تعاليم الإسلام من الأقوال والأفعال على المنتسب في أحرج ساعات الضيق، وفي أوقات رفاهية النفس وسرورها، ولا تبعده تقلبات العيش عن ربه وصدقه مع ربه.
قال -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)[سورة محمد:31]؛ أي: لنختبركم بالأوامر والنواهي، ومن ذلك الأمر بالجهاد، حتى يظهر الممتثل لما أمر به، الصابر على دينه ومشاق ما كلف به، ونبلو أخباركم بكشفها امتحانًا ليظهر للناس من أطاع أمره ومن عصاه.
وكما أن الاختبار والابتلاء يقع على المسلم ليبين حقيقة إسلامه وصدقه مع ربه، كذلك يقع تطهيرًا له من ذنوبه، روى الإمام أحمد وغيره عن مصعب بن سعد عن أبيه -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاء؟ قال: "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقَّةً ابتلاه على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة".
عباد الله: وإذا كان بين المسلمين من يتظاهرون بالإسلام وهم لا يطيعون أمره، وينتسبون إليه وهم لا يجيبون دعوته، بل يهدمون شعائر الدين ويعطلون أركان الإسلام، فإنما هم ضحايا هذه الفتن، استحوذ عليهم الشيطان فأضلهم وأنساهم ذكر الله -عز وجل-، ففسدت قلوبهم، وسفلت هممهم، وعميت أبصارهم وبصائرهم، فهم في ريبهم يترددون، أعينهم في اللهو واللذات ساهرة، وقلوبهم عن ذكر الله -تعالى- وشكره غافلة، وعزائمهم في طلب الدنيا وحطامها وزخرفها ثائرة، وقواهم لحي على الصلاة حي على الفلاح خائرة، قد قنعوا من الدين بالاسم، ومن الإسلام بالقول دون العلم والعمل، إنهم حقًّا قد ضلوا عن الإسلام، فصاروا ضحايا هذه الفتن، وأضلوا من اقتدى بهم في ذلك.
فالإسلام لا يقوم ولا ينعقد ولا يتم إلا على المباني الخمس التي حدَّدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، في حديثه الثابت المشهور "بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت"، فمن أتى بهذه المباني الخمس فقد تم إسلامه الواجب.
وكما أن البيت يتم بأركانه، كذلك الإسلام الواجب يتم بأركانه، فهو معنوي شُبِّه بالبناء الحسي، والغرض منه أن البناء الحسي إذا انهدم بعض أركانه لم يقم، فكذلك البناء المعنوي، بل إن الصلاة عماد الدين وقد ضيّعها من قنع من الدين بالاسم ومن الإسلام بالقول، دون العلم والعمل، فالإسلام بأركانه -يا عباد الله- بناء تام متماسك، وكل أجزائه قد شُرعت ليتم بعضها بعضًا، ويشد بعضها بعضًا، فليس شيء منه لا حاجة إليه، وليس هناك نقص في شيء منه؛ قال -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[سورة المائدة:3]، وقال -تعالى-: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)[سورة الأنعام:38].
وكما أننا مطالبون بأركان الإسلام، فكذلك نحن مطالبون بآدابه، ومن أعظمها: بر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبعد عن الحرمات، والمسارعة إلى الخيرات، وكل ذلك داخل تحت قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[سورة آل عمران:102]، فإن حقيقة التقوى تكون بامتثال الأوامر واجتناب النواهي بقدر المستطاع؛ قال -تعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا)[سورة التغابن:16].
فلنتق الله -تعالى- يا عباد الله، ولنستقم على طاعته، لكي تدوم لنا هذه النعم وتزداد، ولنأمن من الخوف والحزن عند الاحتضار، ولكي تحصل لنا البشرى بالجنة، فقد أخبرنا الله -تعالى- بذلك، وهو أصدق القائلين بصيغة مؤكدة؛ قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)[سورة فصلت:30].
اللهم ارزقنا الاستقامة على طاعتك، ووفَّقنا لما يرضيك، إنك ولي ذلك والقادر عليه، نفعني الله وإياكم بهدي كتابه الكريم، وسنة ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، هذا وأستغفر الله من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله موفق من شاء لعبادته وطاعته، فقلوب العباد بين إصبعين من أصابعه، يقلبها كيف يشاء، فسبحانه من إله عظيم عليم حكيم، يخفض ويرفع، ويعز ويذل، يمهل الظالم ولا يهمل، فحين كذَّب فرعون وقومه بآياته كلها أخذهم أخذ عزيز مقتدر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الحي القيوم الذي لم يشبع أولياؤه من محبته، بل كل ما ازدادت معرفتهم له ازداد حبهم للقائه، البر الرحيم، يتجاوز عن المسيء، ويضاعف الحسنات للمطيع، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المختار للرفيق الأعلى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا معشر المسلمين: اتقوا الله -تعالى- حق تقواه، امتثلوا أوامره رغبةً في ثوابه وخشيةً من عقابه، وشكرًا لنعمائه، استعينوا على ذلك بتذكر عظمته وكمال علمه واطلاعه، وبفرحه بتوبة عبده ومحبته للمحسنين.
أيها المسلمون: احذروا من نواقض الإسلام ومبطلاته التي منها: أن مَن أبغض شيئًا مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولو عمل به كفر، وكذا من استهزأ بشيء من دينه أو ثوابه أو عقابه، لقوله -تعالى-: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)[سورة التوبة:65-66].
ومن نواقض الإسلام: الإعراض عن دين الله؛ حيث لا يتعلمه ولا يعمل به؛ لقوله -تعالى-: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ)[سورة السجدة:22]، فاتقوا الله عباد الله، واستجيبوا لنداء ربكم، حيث يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)[سورة محمد:33].
اللهم إنا نتوب إليك من قسوة في قلوبنا، وتقصيرًا في أعمالنا فاجْلُ عنا سواد قلوبنا، ومُدّنا بعونك على طاعتك، يا أرحم الراحمين.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم