الإسلام هذا الدين العظيم (1)

عبد العزيز بن عبد الله السويدان

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الفكر والثقافة
عناصر الخطبة
1/لماذا يهاجمون الإسلام؟ 2/عظمة الإسلام 3/حقارة الإنسان بلا إسلام 4/سفاهة وحقارة الساخرين بالإسلام 5/شقاوة من اتخذ الإسلام خصما له 6/الكبر داء عضال منع الكثير من الدخول في الإسلام 7/قيامه بذاته 8/أقسام الناس تجاه الصحوة الإسلامية 9/لم تأت الصحوة بدين جديد

اقتباس

مع توالي الزمان انقسمت قلوب الناس تجاه الصحوة إلى ثلاث فرق: قلوب أقبلت، وقلوب أحجمت، وقلوب سوداء مظلمة اشمأزت، وكشرت عن أنيابها، وناصبت للصحوة العداوة والبغضاء والكيد. وقال قائلهم في مقابلة معه في أحد المناسبات التعليمية في المملكة يقول: " مع الأسف الشديد كل التركيز يتم على العلوم الدينية". مع الأسف الشديد يقول: نعم؛ لأنه لا يرفع للدين رأسا، ولا يعتز بالتدين منهجا، بل...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

جاء هذا الخبر في وكالات الأنباء وبعض الصحف الأوروبية: فشل الأطباء في مشفى ألماني يوم الخميس الثاني من شهر نوفمبر، أي منذ أسبوعين تقريباً، في إنقاذ حياة رجل دين مسيحي أضرم النيران في نفسه، احتجاجا على الانتشار الواسع الذي يحرزه الإسلام في العواصم والمدن الأوروبية، وكان رجل الدين المتقاعد "رولاند فيسلبيرغ" وعمره ثلاث وسبعون عاما قد صب النفط على ثيابه، وأضرم فيها النار في ساحة دير، مدينة ايربورت، وسط ألمانيا، يوم الأربعاء الأول من شهر نوفمبر، وذلك في اليوم الذي يصادف احتفال بعض مسيحي ألمان بالإصلاحات التي أدخلتها الكنيسة البروتستانتية على المسيحية، بترجمة الإنجيل من اللاتينية إلى الألمانية، في القرن السادس عشر.

 

وقال "أوفلر بورت" المتحدث باسم جمعية الكنسية الانجليكانية: "أن أرملة "رولاند فيسلبيرغ" أخبرت أسقف مدينة "ايربورت" أن زوجها ترك رسالة قبيل انتحاره، عبر فيها عن قلقه تجاه انتشار الإسلام في ألمانيا، وتراخي موقف الكنيسة تجاه هذا الأمر.

 

عندما قرأت هذا الخبر، وتذكرت معه قدوم "بابا الفتاكان" الألماني الكالثوكي، وبالتالي اجتمع عداء الإسلام عند كلا المذهبين البروستانتي والكثوليكي، وقبله الدنمرك، ورسومها الساخرة بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وبعدها الصحافة الفرنسية، وقبلها عدد من كبار القسيسين الأمريكان، وبعدها استراليا، قلت: سبحان الله، يا لعظمة الإسلام..

 

لماذا لا تهاجم النصرانية هذا الهجوم من قبل المسلمين، أو غيرهم من أصحاب الملل الأخرى؟ لماذا لا تهاجم اليهودية بمن سواها؟ لماذا لا تهاجم البوذية الوثنية، أو الهندوسية، أو غيرها من الأديان؟!

 

إنه ليس دين على الأرض اليوم يهاجم هجوما كاسرا شرسا، مستمرا على جميع الأصعدة: الفكرية والتعليمية، والصحفية، والسياسية، والعسكرية، علنا وسرا، كما يهاجم الإسلام.

 

يهاجم من أعدائه الصالحين بالخارج، ومن قبل وكلائهم المندسين في الداخل، بالرغم من ضعف أهله، وقلة حيلتهم، وفرقتهم، وضحالة بذلهم في الدعوة إلى الإسلام، وتسلط الكفار عليهم من كل جانب، بالرغم من كل هذا إلا أن الهجوم عليهم، أو على الإسلام لا ينقطع نفسه، ولا يقف دولابه عن الدوران أبداً، ولا يخف ولا يرتخي، ولا حتى يفتر.

 

ومع هذا المكر الهائل والكيد العظيم كله إلا أن الإسلام يبقى الدين الأكثر انتشارا على سطح الأرض بلا منافس، لماذا يا ترى؟!

 

أتراه يمتلك إمكانات خارقة فوق حدود الطبيعة؟ كلا، وإنما لأنه بكل بساطة الدين المنزل من عند الله، الدين الحق، الدين الذي يخاطب الفطر السليمة، والقلوب الطيبة، والعقول الناضجة.

 

يا سبحان الله، إنه الإسلام هذا الدين العظيم، لو أحس به أهله تمام الإحساس لو أدركوا مكانته وعظمته، لو شعروا بحقيقة علاقته بهم وعلاقتهم به، لو أحسوا بعمق تلك العلاقة، لو أحسوا بأنها العلاقة التي تربطهم بربهم وخالقهم وإلههم، الإسلام هذا الدين العظيم.

 

لو أحسوا بأنه ليس مجرد هوية، ولا مجرد طقوس يؤدونها بين الحين والآخر، بل هو عالم من القيم والمشاعر والمعتقدات، يولدون ويعيشون فيه، ويستنشقون عبقه، وينظرون من خلاله، ويستطعمون الحياة بارتباطهم به، ويستشرفون به الآخرة، ويجعلونه على رأس اهتماماتهم، وقمة أولوياتهم، فهو الذي يحدد مصيرهم، وهو السبيل إلى سعادتهم بلا انقطاع، لا، بل هو السبب في خلقهم ووجودهم، الإسلام هذا الدين العظيم.

 

لو أحسوا بأنه مصدر عزهم، وعنوان كرامتهم، لو أحسوا حقيقة بكل هذه الأحاسيس، هل لأحد منهم بد إلا أن يعتز بانتمائه إليه؟ هل لأحد منهم أن يتصرف بمعزل عنه؟ هل لأحد منهم أن يتجاهل دينه، يتجاهل عقيدته، يتجاهل كلام ربه، وكلام نبيه، هذا الدين العظيم الذي أكمله الله لنا، وأتم به النعمة، هل لأحد من أهله بد إلا أن يجعله ميزانا للحكم على الأشياء، ومقياسا للأفضلية، هل لأحد منهم أن يفضل الكافر به على المؤمن به، أو يفضل أهل المنكر على أهل المعروف، أو يقدم العصاة وأهل الافساد على المصلحين الصالحين، هل لأحد منهم أن يفضل المنكر على المعروف؟ هل له أن يفعل ذلك وهو يحب دينه وأحباب دينه؟ هل له أن يفعل ذلك وهو يعلم أن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله؟ هل له أن يفعل ذلك وهو يعلم علم اليقين أن سلوكه ومشاعره وأخلاقه، وألفاظه وأفعاله، بل وعزائم قلبه، كل أولئك مسجل عليه، ومكتوب في صحيفته، ومحاسب عليه، عاجلا أو أجلا.

 

كيف يغيب عنه اعتبار دينه، والله يقول: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [يونس: 61].

 

ويقول جل وعلا: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 36].

 

يا لتفاهة الإنسان بلا إسلام، يا لضياعه، يا لجهله، يا لعماه وبكمه، وأضيع من هذا كله من رضي بأن يكون عدوا لله ودينه، حمقا وسفاهة، وجهل في مخلوق أضعف من الضعف ذاته.

 

إن الإنسان في مقابل كون الله الفسيح أصغر من ذرة، فكيف له أن يتحدى خالق الكون كله؟ الشمس تعدل حجم الأرض مليون مرة، والمسافة بينهما أكثر من مئة وخمسين مليون كيلو متر في الفضاء، فكيف بالكون الفسيح كله؟ كيف بالشموس الأخرى، والمجرات العظيمة الأخرى التي تسبح في كون الله الفسيح، والتي لبعدها لا تدركها عين الإنسان، ولم تسعفه في معرفتها، أو رؤيتها كلها أجهزة رصد الفلكية العملاقة: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ).

 

هل يرضى هذا القدم الذي لا يرى بالعين المجردة إزاء هذا الكون العظيم أن يحابي إله الكون الذي هو أعظم وأكبر من الكون كله؟ هل يرضى من لا يملك خلقه ولا ولادته، ولا نسبه، ولا صحته ولا مرضه، ولا موته ولا قدره، هل يرضى أن يتكبر على رب العالمين؟ هل يرضى من سفه فاختار أن يكون صادا عن سبيل الله، ساخرا به وبدينه، وساخرا بعباده الصالحين أن يقول يوم ما: (.. يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) [الزمر: 56].

 

حينئذ لن ينفعه عقله الذي تباهى به، ولا شهادته التي علقها على جدار بيته، ويزداد الإثم إثما فوق إثم، عندما يكون هذا السفيه الساخر المستهتر معدود على المسلمين، ومن أبوين مسلمين، أي وقاحة أعظم بعد ذلك؟! أي وقاحة أعظم من إصرار بعد تحذير؟ وأي قبح أعظم من كبر وعناد بعد علم؟ ولكن كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت".

 

إذا رزق الفتى وجها وقحا *** تقلب في الأمور كما يشاء

 

إن الشقي من اتخذ خصما لا طاقة له به، إن الشقي من رضي بأن يكون رب العالمين خصمه وعدوه.

 

قد يذنب الإنسان وفي قلبه خوف من الله، قد يذنب وبه ضجر من نفسه العاصية، قد يذنب وهو مقر بذنبه معترف بخطئه، كل ذلك معقول متصور، لكن أن يذنب وهو مغرور بذنبه، شامخ بأنفه، جراء فعلته، رافع باسمه عقيرته، بل ومنشرح ومسرور، ومستمتع بصرخات آلآف المسلمين، رجال ونساء، وكتاباتهم وبرقياتهم المنكرة لفعلته..

 

هذا لا يعقل إلا من الشقي، فأي إسلام ينتمي إليه من أصر على إشهار عداوته لصالحه؟ وأي دين ينسب إليه من استهزئ بهم وبتدينهم؟ وأي رأي بقي لمن تكبر وانتفخ وقدس عقله على حساب دينه؟!

 

إن الفضائيات والأفلام والمسلسلات، والمواقع الالكترونية، والأقلام الصحفية التي تنتهج نهج العداء السافر للإسلام وللملتزمين لدين الله، وتفرح بارتدائها رداء الخصومة والبغضاء لهم، إنما تنطح صخرة صلبة بقرن هشة ضعيفة، والنتيجة واضحة.

 

ألست منتهياً عن نحت أثلتنا؟ *** ولست ضائرها ما أطت الإبل

كناطح صخرة يوماً ليفلقها *** فلم يَضِرْها وأوهى قرْنه الوَعِل

يا ناطح الجبل العالي ليكلّمه ***أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل

 

ما أعظم دين الإسلام وما أذل وأحقر أعدائه في الدنيا والآخرة؟!

 

لقد كان الصحابة يتعجبون من انكفاء أبي جهل عمرو بن هشام على عدائه السافر للإسلام بالرغم من رجاحة عقله التي عرف بها، فهو المكنى بأبي الحكم كني بذلك من فرط حكمته، كانوا يتعجبون كيف لا يؤمن مثل هذا الرجل والحق ساطع أمامه أوضح من نور الشمس في رابعة النهار.

 

لكن الأمر الواقع في كل زمان أن قوة عقل الإنسان قد تكون نعمة عليه تدله على الحق وقد تكون نقمة عليه تصده عنه -والعياذ بالله-.

 

وكل ذلك راجع إلى القلب لا العقل فهناك داء قاتل إذا استقر في القلب فودع صاحبه، وتولى عنه ألا وهو: داء الكبر.

 

إن من أعرف الخلق بالله إبليس عرف الله فعبده، وصار من المقربين، ولكنه لما امتحن بالتواضع لأمر الله فشل؛ لأن داء الكبر لم ينفك عنه، واعتداده بعقله ومنطقه صده عن الإذعان، والخضوع لأمر الله، فطرد من رحمة الله.

 

ولذا نجد العديد من الآيات تندد بكبره: (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) [ص: 73- 74].

 

(قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) [الأعراف: 13].

 

(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) [ص: 75].

 

(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 34].

 

فالكبر داء عضال يصد عن الحق، ولو كان المستكبر أكاديمي جامعي، أو مثقف، أو أديب، يشار إليه بالبنان.

 

وإذا اجتمع مع الكبر هزيمة نفسية وانبهار واعجاب لكل ما هو غربي فكيف يعتز صاحب هذه النفسية بدينه؟ كيف يحترم أقوال علماء الشريعة وآرائهم؟ كيف يقبل بالحق ولو خالف ذوقه وهواه؟

 

ووالله ما ضر دين الله إعراضه ولا كبره، وامتعاضه ولا كيده، ولا مكره، ولا عدائه، ولكن ضر نفسه الخاطئة: (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [البقرة: 57].

 

أسأل الله أن يرد كيد أعداء الإسلام في نحورهم، وأن يحفظنا من شرورهم.

 

أقول هذا، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه غفور رحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى أله وصحبه ومن والاه.

 

أما بعد:

 

فهذا الدين العظيم الإسلام بالرغم من كثرة أعدائه داخليا وخارجيا، إلا أنه قائم بذاته، شامخا قويا، صامد لا يضر ولا قيد أنملة، فقبل ما يقرب الثلاثين عاما بينما المسلمون يغطون في سبات عميق، والأعداء مبتهجون بغفلة المسلمين، والشيطان يسرح ويمرح، ويتنقل يمينا وشمالا، وطولا وعرضا، ولا ترغيب ولا ترهيب، ولا أشرطة دينية، ولا مكتبات إسلامية، ولا مقدمات، ولا شيء من ذلك، إذ بالصحوة المباركة تجتاح شباب الأمة، الواحد تلو الآخر، من حيث لا يحتسب الشيطان وأعوانه.

 

وإذ بالقلوب النائمة تستيقظ من جديد، ويشع فيها نور الإيمان، فتمتلئ المساجد بالشباب الصالح، بعد أن كانت مهجورة لا يغشاها، سوى كبار السن، وإذ بالجامعات ترى فيها الشباب بمختلف التخصصات الطبيبة، والهندسية والاجتماعية، وجوههم مسفرة بالإيمان، ندية من أثر الوضوء.

 

يا سبحان الله، من أيقظ القلوب من أغاث النفوس؟ من نشر النور؟ من أحي الأرض بعد موتها؟ إنه الله الواحد الأحد: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[الحديد: 17].

 

كم رحمة نزلت من ربهم لهم *** ما قد تداركهم من بعدما جهلوا

 

 يُحْيِي الْبِلاد بِها مِنْ بَعْدِ مَوْتتِها *** ويخرج النور منها والثرى ثأد

 

ومع توالي الزمان انقسمت قلوب الناس تجاه الصحوة إلى ثلاث فرق: قلوب أقبلت، وقلوب أحجمت، وقلوب سوداء مظلمة اشمأزت، وكشرت عن أنيابها، وناصبت للصحوة العداوة والبغضاء والكيد.

 

وقال قائلهم في مقابلة معه في أحد المناسبات التعليمية في المملكة يقول: " مع الأسف الشديد كل التركيز يتم على العلوم الدينية".

 

 مع الأسف الشديد يقول: نعم؛ لأنه لا يرفع للدين رأسا، ولا يعتز بالتدين منهجا، بل ويأسى من كون الدين أصبح هاجس في المملكة، منذ ربع قرن كما يعبر، ويعتبر الدين إذا اتسع دوره أصبح حاجزا دون التقدم.

 

طيب: ألا تنظر حولك؟ كم من الدول العربية والإسلامية التي ليس للدين أثر واضح على معالم حياتها اليومية اليوم ولا حتى قبل ربع قرن، بل لا تكاد تجد للدين فيها أثراً إلا في المساجد، هل تقدمت حضاريا لسبب حصرها للدين في المسجد؟ أم هي هي كما كانت منذ عشرات السنين؟!

 

فحجة النزاع الوهمي بين التدين والتمسك بالإسلام من جهة، والتقدم الحضاري من جهة أخرى، والذي يحاول ان يروج له هؤلاء حجة واهية، يكذبها الواقع والمشاهد.

 

ولكن كما قيل: خسارة المتمني الخيبة واليائس يتمسك بقشة.

 

إن من الخطأ أن يقول القائل: كنا نعيش إسلاما سهلا من قبل، يقصد بذلك ما قبل الصحوة، وكنا نفعل كذا، ولا أحد ينكر، وكان الأمر كذا وكذا، وليس من حرج، فما بال الحال اليوم اختلف؟!

 

أهو دين جديد أم هو التشدد؟!

 

لا، إن الحال اليوم على ما فيه من نقص وأخطاء أفضل بكثير من حال مضى، كان الدين فيه بالوراثة، ينبغي أن نحمد الله على صحوة راشدة، أحيت علوم الشرع من جديد، وكشفت لنا أخطائنا، ونبهتنا من غفلتنا، وبصرت قلوبنا بحقائق الإيمان، وأرشدتنا إلى ما غاب عنا من الخير.

 

لا، إن التشدد لا يقاس بالذوق ولا بالهوى، فرب سنة كنا عنها غافلين، فأرشدنا إليها، ورب بدعة كنا في بفعلها مغرورين، فحذرنا منها.

 

والمرجع في الحكم في ذلك إلى العلم لا إلى الجهل.

 

أسأل الله أن يبصرنا بالحق، وأن يثبتنا عليه، وللحديث صلة -إن شاء الله-.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين...

 

 

 

 

المرفقات

هذا الدين العظيم (1)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات