الأنانية والتحذير منها

خالد بن عبدالله الشايع

2023-08-04 - 1445/01/17 2023-08-10 - 1445/01/23
عناصر الخطبة
1/خطورة الأنانية وحب الذات 2/من صفات أهل الأنانية في القرآن 3/قصة جرير بن عبد الله رضي الله عنه 4/من الأمور المعينة على التخلص من الأنانية 5/صور الأنانية وحب الذات.

اقتباس

البعض من الناس يعيش في الحياة لذاته، لا ينظر للآخرين، إلا أنهم مجرد أدوات لخدمته، وسُلّم يصعد عليه لرغباته، وهذا الخُلُق قد حذَّر منه الشرع أيما تحذير، إنه خُلُق الأنانية، وحُبّ الذات...

الخُطْبَة الأُولَى:

 

أما بعد: فيا أيها الناس: لقد خلق الله الخلق، وأمرهم أن يتعاونوا مع بعضهم البعض، وأن يتواضعوا لبعض، ليتعايش الجميع بالعدل والسوية، وحذَّر من الجشع وخلق الأنانية؛ لأنه يتنافى مع الأخلاق الكريمة، ويزرع البُغض والكُره بين الناس.

 

عباد الله: البعض من الناس يعيش في الحياة لذاته، لا ينظر للآخرين، إلا أنهم مجرد أدوات لخدمته، وسُلّم يصعد عليه لرغباته، وهذا الخُلُق قد حذَّر منه الشرع أيما تحذير، إنه خُلُق الأنانية، وحُبّ الذات.

 

وقد عرَّف معجم اللغة العربية المعاصرة الأنانية بقوله: "مصدرٌ صناعيّ من أنا: أثرة ٌوحبٌّ للذات مع عدم التفكير في الآخرين، وهي ضدّ الإيثار. الأنانيّة تتنافى والتعاون مع الآخرين".

 

فهذه الخصلة تجعل المرء عاجزًا عن تقييم العالم بموضوعية، بل ينظر إليه أساسًا من زاوية مصالحه الخاصة ومنافعه الشخصية.

 

ولقد قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا الخُلُق بما أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أنس قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه"، وفي السنن زيادة "من الخير".

 

فنفى الإيمان، والنفي هنا نفيٌ لكمال الإيمان الواجب، عن من لم يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه، فهدم عرش الأنانية وإيثار الذات، ليكون المسلمون إخوة كما أراد الله.

 

ولقد ذكر الله لنا في كتابه بعضًا من شخصيات الأنانية وكيف كان مصيرهم ليحذر العبد أن يتشبه بهم، أولهم ورئيسهم، إبليس اللعين الذين أسَّس لمقولة الشر (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ)[ص: 76].

 

ثم فرعون الذي تضخّمت عنده أنانيته لدرجة التأله على الخلق (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)[النازعات: 24]، ثم  قارون الذي أُعجب بكسبه ومهارته، وأنكر فضل الله عليه (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)[القصص: 78].

 

ثم النمرود الذي طغا وتأله وأعطى لنفسه الخسيسة سلطة الحياة والموت: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)[البقرة:258]، ثم الظالم لنفسه صاحب الجنتين الذي التفت إلى ما في يده وأعرض عن ربه: (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا)[الكهف: 34].

 

معاشر المسلمين: لنحذر من هذا الخلق الذي حذّر منه الشرع ونفّر منه، فلا نتصف به، ولا نصحب من اتصف به، ويحاول المسلم في مجاهدة هذا الخُلُق قدر استطاعته، فلقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبايع الصحابة على النصح لكل مسلم، وهذه الصفة تخرج الأنانية من قلب العبد.

 

فهذا الصحابي الجليل جرير بن عبد الله البجلي أمر مولاه أن يشتري له فرسًا، فاشترى له فرسًا بثلاثمائة درهم، وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس: فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال: ذلك إليك يا أبا عبدالله، فقال: فرسك خير من ذلك، أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة وصاحبه يرضى، وجرير يقول: فرسك خير، إلى أن بلغ ثمانمائة درهم، فاشتراه بها. فلما عُوتِبَ في ذلك وقالوا له: قد باعك ورضي بالبيع، فقال جرير: "إني بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على النصح لكل مسلم، فالنصح لكل مسلم يقضي على خُلُق الأنانية.

 

ولا يذهب فكرك بعيدًا، فلقد ضرب لنا الأنصار أروع الأمثلة في حب الخير للغير، والإيثار على النفس، لما جاءهم المهاجرون وهم قد تركوا ديارهم وأموالهم، وهاجروا لله، استقبلهم الأنصار، فكانوا نعم الجيران، آثروهم على أنفسهم بكل شيء، حتى تقاسموا الأموال والدور، فأنزل الله فيهم قرآنًا يُتلى فيه الثناء عليهم فقال: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)[الحشر: 9].

 

هكذا يكون الحب، وإذا علمت خيرًا فأخبر به إخوانك؛ لأنك تحب لهم من الخير ما تحب لنفسك، فكم من حديث قرأناه، يقول فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابي: "والله إني لأحبك"، ثم يوصيه بوصية جامعة. وهكذا يكون الإنسان معطاء بخُلقه وفعله وقوله، محبًّا للخير للجميع، ناشرًا له.

 

اللهم طَهِّر قلوبنا من الحسد والغل يا رب العالمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد فيا أيها الناس: إن صُور الأنانية وحب الذات كثيرة ومنتشرة للأسف بين الناس، نراها في الطرقات وفي أماكن العمل، بل حتى في المساجد، والواجب على الجميع توعية الناس لنبذ هذا الخُلُق المشين، واستبداله بحبّ الخير وهو الإيثار؛ لأن ديننا يدعو إلى ذلك.

 

ولعلنا نَمُرّ سريعًا على بعض الصور التي طبّق فيها أصحابها خُلُق الأنانية بحذافيره، وانطبق عليهم المثل الذي يقول: "أنا ومن بعدي الطوفان".

 

فمن ذلك الاستئثار بالمال، فتجد البعض ممن أنعم الله عليه؛ يحب المال، ولا يبذله للآخرين، يحب أن يكون هو الغني والناس فقراء، يحب أن يستمتع بالمال، وغيره ينظر إليه فقط، فتجده لا يساعد المحتاج ولو كان أقرب الناس له، ولا يتصدق إلا بما يستغني عنه، ويكره أن يرى غيره أغنى منه، أو أن يرى غيره ينفق ويساعد الآخرين.

 

ومن صور الأنانية: ما نراه في قيادة بعض الناس للسيارة، عندما يخالف الأنظمة، ويعطل الآخرين عند الإشارات وفي وسط الطريق، كل ذلك من أجل أن يكون هو الأول، أو يكون مستعجلاً فيعطّل الناس من أجل عجلته، أو تراه يرفع على أصوات الموسيقى ويسير ببطء ويعطّل الناس، أو تراه يرفع الأنوار العالية في وجوه الناس، ليرى هو، وغيره يتضرر.

 

ومن صور الأنانية والقذارة أيضًا: عندما يقوم البعض بتنظيف سيارته من قاذوراته، فيرميها في الشارع، وينصرف، والبعض لا يروق له تنظيف السيارة إلا بجوار المسجد، والعياذ بالله.

 

ومن الأمثلة على الأنانية: أن يأتي الأناني، ويتخطى طابور الانتظار، متعاميًا هؤلاء الذين سبقوه، كأنه يقول أنا أنا. واعدد بعد ذلك من صور الأنانية في العمل مثلاً بين الموظفين، في الترقية، والإجازات، وغيرها الكثير.

 

عباد الله: إن الأنانية تصل بالمرء إلى جريمة القتل، كما حصل بين هابيل وقابيل ابني آدم؛ فقتل أخاه من أجل أن يستأثر بالأخت الجميلة، ثم أصبح من النادمين.

 

إن هذه الأخلاق أرزاق من الله، وهي تُتَعلم ويَتَطّبع بها الحُرّ، ويطبع عليها ذريته ومن تحت يده.

 

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت....

 

المرفقات

الأنانية والتحذير منها.pdf

الأنانية والتحذير منها.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
08-09-2023

نفع الله بك

رائعة واعتمدتها خطبة هذا اليوم