عناصر الخطبة
1/عظم الأمانة 2/الأمر بحفظ الأمانة وأدائها 3/فضل الأمانة وخسة الخيانة 4/مفاسد ضياع الأمانة 5/أبرز صور الخيانةاقتباس
الخيانة دليل على سوء البطانة، دليل على ذهاب الإيمان بالله -جل جلاله- أي كماله، فالإنسان إذا كمل إيمانه كملت أمانته، وأداها على أتم الوجوه، وخاف من الله -جل جلاله-، من تبعتها ومسئوليتها. إذا ضاعت الأمانة سفكت الدماء، وانتهكت الأعراض، وأكلت أموال المسلمين بالباطل. إذا ضاعت الأمانة، وتفشت الخيانة؛ فباطن الأرض خير من ظهرها. إذا ضاعت الأمانة؛ ضاعت الحياة الطيبة السعيدة، وأصبح الإنسان لا يأمن حتى على...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)[الأحزاب: 72-73].
إنها الأمانات التي عرضت على الأرض والسموات فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً، حملتها على ظهرك ووضعتها أمانة في عنقك؛ لكي ترهن بها بين يدي الله ربك.
إنها الأمانات التي وصى الله بها من فوق سبع سموات: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)[النساء: 58].
أمرنا بحفظها ورعايتها، والقيام بها، وأدائها إلى أصحابها، وأخبر سبحانه وتعالى أن القيام بها، والعناية بها شيمة من شيم المؤمنين، وخصلة من خصال الأخيار الصالحين، فقال في كتابه المبين وهو يُثني على عباده المفلحين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[المؤمنون: 8].
إذا رأيت الرجل يحفظ الأمانة، ورأيته يؤديها إلى أصحابها على أتم الوجوه وأكملها، فاعلم أن وراء ذلك قلبًا يخاف الله -جل جلاله- ويتقيه، وأن هذا العبد يعلمُ عِلمَ اليقين أن الله محاسبُهُ وسائِلُه ومجازيه.
الأمانة -عباد الله-: التي عظم الله أمرها حتى أخبرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يؤتى يوم القيامة بجهنم والناس في عرصاتها -أي في عرصات يوم القيامة- حفاة عراة غرلاً في ذلك الموقف العظيم يؤتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك، فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه، ثم يضرب الصراط على متن جهنم، وينادي الله -جل جلاله- بأن يسير العبادُ عليه، وعندها تكون دعوة الأنبياء: "اللهم سلم سلم".
فإذا ضُرب الصراط على متن جهنم، قال صلى الله عليه وسلم؛ كما في الصحيح: "قامت الأمانة والرحم على جنبتي الصراط" أما الأمانة فإنها تكبكب في نار جهنم كل من خانها، وأما الرحم فإنها تزل قدم من قطعها وظلمها.
إنها الأمانة -عباد الله-: التي أقضت مضاجع الصالحين، وهان على الإنسان أن يُسفك دمه، ولا يخون أمانتهُ، وهان على العبد الصالح أن يَلقى شدائد الدنيا، ولا يخون الأمانة.
إنها الأمانة -عباد الله- التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أداءها، والقيام بها إيمان، وأن تضييعَها والاستهتار بها وخيانتها نفاق وعصيان، قال :"لا إيمان لمن لا أمانة له".
فمن حرم الأمانة، فقد حرم كمَال الإيمان، ومن تلبس بالخيانة فبئسَ –والله- البطانة؛ فإن فيه خصلة من خصال المنافقين، قال صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان".
الخيانة دليل على سوء البطانة، دليل على ذهاب الإيمان بالله -جل جلاله- أي كماله، فالإنسان إذا كمل إيمانه كملت أمانته، وأداها على أتم الوجوه، وخاف من الله -جل جلاله-، من تبعتها ومسئوليتها.
إذا ضاعت الأمانة سفكت الدماء، وانتهكت الأعراض، وأكلت أموال المسلمين بالباطل.
إذا ضاعت الأمانة، وتفشت الخيانة؛ فباطن الأرض خير من ظهرها.
إذا ضاعت الأمانة؛ ضاعت الحياة الطيبة السعيدة، وأصبح الإنسان لا يأمن حتى على نفسه التي بين جنبيه.
أعظم ما تكون به خيانة الأمانات: إذا كانت خيانة لله والرسول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)[الأنفال: 27].
نزلت في أبي لبابة -رضي الله عنه وأرضاه- وقف والنبي -صلى الله عليه وسلم- محاصرًا لبني قريظة فأشار إليهم أنهم يُقتلون.
فبهذه الإشارة عَظُم ذنبه، وأنزل الله فيه من فوق سبع سموات قرآنًا يُتلى فبقي في المسجد، وحبس نفسه يبكي حتى أخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- بتوبة الله عليه.
أعظم ما تكون الخيانة: إذا كانت لله والرسول، بالكذب على الله والكذب على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
الكذب على الله بتحليل الحرام، وتحريم الحلال والفتوى في الشريعة والأحكام دون حُجة من الله -جل جلاله-.
أعظم ما تكون الخيانة: إذا كانت بالكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والتحديث بالأحاديث الباطلة المكذوبة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أعظم ما تكون الخيانة: إذا كان فيها ظلم للقرابات؛ كالأبناء والبنات، تضييع حقوقهم، والاستهتار في واجباتهم خيانة للأمانة.
تركُ الأبناء والبنات والحبل على الغارب يسهرون ويعبثون دون حسيب ولا رقيب خيانة للأمانة.
ترك تربيتهم وتوجيههم وتعليمهم وإرشادهم خيانة للأمانة، والله يوقفك بين يديه ويسألك عن أمانتهم إذا تركتهم نائمين والصلاة ينادى بها منادي الله فقد ضيعت الأمانة، إن لم توقظهم، وليتعلقن بك الصغيرة والكبيرة بين يدي الله، إذا كان الصغير ممن يؤمر بالصلاة فيقول: يا رب سل أبي رآني نائمًا ولم يوقظني للصلاة!.
تضييع الأمانات -عباد الله-: خسارة وحسرة يوم القيامة وندامة.
أعظم ما تكون به الخيانة: إذا كانت ظلمًا للقرابات، وأذية لهم في أعراضهم، وكذلك أموالهم.
كذلك -عباد الله-: أعظم ما تكون الخيانة: إذا كانت بالكذب والزور والشهادات والمستندات والعبث فيها، قال صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟" قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "الشرك بالله، وعقوق الوالدين" وكان متكئًا فجلس، فقال: "ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور" فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.
كررها؛ لأن شهادة الزور من أعظم الخيانات بها تسفك الدماء البريئة، وبها تُنتهك أعراض المسلمين بدون حق، وبها تؤكل أموالهم بالباطل، فشاهد الزور خان الله ورسوله وعباده المؤمنين خان القاضي حينما ائتَمَنَه أن يكون صادقًا في شهادته فكان من الكاذبين، وخان من شهد له؛ لأنه أدخل عليه المال الحرام، وأدخل عليه السحت والآثام، وخان المظلوم الذي شهد عليه حينما أضره وآذاه وتسبب في البلية التي كانت بسبب شهادته بالعبث.
أعظم ما تكون الخيانات: إذا كانت بالعبث بالمستندات ونحوها من الشهادات، إذا أؤتمن الإنسان على السجلات ونحوها أمانة عليك أن تتقي الله، وأن تؤديها كما أخذتها، دون زيادة أو نقص فيها بدون حق، أن تتقي الله -جل جلاله-: في كل ما يوضع بين يديك من السجلات والوثائق والشهادات، تخاف الله -جل جلاله- وتجعله نصب عينيك دون محاباة للقريب أو الحبيب، إن فعلت ذلك كنت من الأمناء، وإن غيَّرت أو بدلت غير الله عليك وبدل.
أعظم ما تكون الخيانات -عباد الله-: إذا كانت بهتك عورات المسلمين، وتتبع ما فيهم من العيوب ونشرها بين الناس، وأشد ما يكون ذلك بين الأرحام.
نعم ولنأخذ مثالاً على ذلك الزوجين.
الزوجان بينهما أسرار وعيوب كثيرة لا يعلمها إلا الله -جل جلاله-، ثم الزوج إذا أخذ امرأةً فإنه يطلع على عيوبها وعيوب أهلها وقرابتها، والزوجة كذلك تطلع على عيوب زوجها وعيوب أقربائه.
إفشاء هذه الأسرار خيانة للمؤمنين والمؤمنات، واعتداء على حدود الله -جل جلاله-، خاصة إذا وقعت الخصومات والنزاعات، فيذهب الزوج إلى قرابته يُحدثهم بما يكون من زوجته ولربما حدثهم عن أدق الأمور وأخفاها.
كذلك الزوجة لا تخاف الله -جل جلاله- فبمجرد أن تكون الخطيئة من زوجها تذهب إلى أهلها وقرابتها؛ لكي تخون الله في أماناتها فتهتك العورات، وتكشف السوءات، دون خوف من الله -جل جلاله-.
الأمانات حقوق وواجبات ومسئوليات، وتَبِعَات شَمِلَت الصغير والكبير، والجليل والحقير، ولن يضيع فيها مثال حبة من خردل أو قطمير، فاتقوا الله -يا عباد الله-: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281].
اللهم سلمنا وسلم منا، وخذ بنواصينا إلى ما يُرضيك عنا.
اللهم وفقنا لأداء الأمانات، وحفظ الحدود والمحارم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو أرحم الراحمين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلى الله عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى جميع أصحابه ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-.
عباد الله: من أعظم ما تكون عليه الخيانة: الجار، فخيانة الجار -يا عباد الله-: عظيمة، قال عبد الله وأرضاه: سألت النبي –صلى الله عليه وسلم-:أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندًا وهو خلقك" قلت: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك" قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك".
الزنى بحليلة الجار من أعظم الخيانات، وأشدها عند الله -جل جلاله-.
الزنى بزوجته، أو ببنته، أو بأخته، أو بشيء من عرضه وقرابته؛ فتلك حدود الله فلا تعتدوها: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)[الطلاق: 1].
اشتد غضب الله على من هتك ستر جاره، فالجار له حقوق على جاره تَعلم أخباره تعلم مدخله ومخرجه، وصدقه وكذبه، وما يكون منه من الأمور فاتق الله -جل جلاله-.
واعلموا -عباد الله-: أن الأمانة كل شيء رأته عيناك، أو سمعته أذناك، من عورات المسلمين، فإنه أمانة في عنقك، فاتق الله -جل جلاله-، ومن ستر مسلمًا ستره الله، ومن تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه في الدنيا والآخرة.
ألا، وصلوا وسلموا على خير الأنبياء، وإمام الأتقياء، فقد أمركم الله بذلك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم