عناصر الخطبة
1/الأمانة ومعناها العام وتسخير الله الكون للإنسان لأجل حملها 2/الأمانة مسؤولية في الدنيا وسؤال في الآخرةاقتباس
الإنسانُ هو المخلوق الأول، هو المخلوق المكرَّم الذي سخَّر الله له ما في السموات والأرض، لماذا سخر له ما في السموات والأرض؟ لأنه حمل الأمانة، ورضي أن تكون نفسُه وهي أثمنُ ما يملك عنده أمانة، فإن عرَّفها بربها...
الخطبة الأولى:
أما بعد فيا أيها الناس: لقد خلق الله الخلق لأمر جليل، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[المؤمنون: 115]، وقد وعد الله المحسنين بالحسنى والمسيئين بالجزاء العادل، ولا يظلم ربك أحد.
لقد خلق الله الخلق، وسن لهم شرائع يسيرون عليها ويعملون بها، وأرسل لهم رسلا تبين لهم شرائعه، وسهل لهم إقامة الدين وسخر لهم ما في الأرض جميعا، وكلفهم بما يطيقون، وهذا ما يسمى بالأمانة التي تحملها الإنسان، كما قال سبحانه: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[الأحزاب: 72]؛ فحملهم الأمانة وميزهم عن سائر الخلق بالقدرة والاختيار، وفضلهم بهذا التكليف على سائر الخلق.
قال الواحدي: والأمانة في هذه الآية في قول جميعهم: الطاعة والفرائض التي يتعلق بأدائها الثواب وبتضييعها العقاب.." انتهى.
وقال السعدي في تفسيره (ص 674): "يعظم تعالى شأن الأمانة، التي ائتمن الله عليها المكلفين، التي هي امتثال الأوامر، واجتناب المحارم، في حال السر والخفية، كحال العلانية، وأنه -تعالى- عرضها على المخلوقات العظيمة، السماوات والأرض والجبال، عرض تخيير لا تحتيم، وأنكِ إن قمت بها وأدَّيتِهَا على وجهها، فلك الثواب، وإن لم تقومي بها، ولم تؤديها فعليك العقاب.
فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا أي: خوفًا أن لا يقمن بما حُمِّلْنَ، لا عصيانًا لربهن، ولا زهدًا في ثوابه، وعرضها الله على الإنسان، على ذلك الشرط المذكور، فقبلها، وحملها مع ظلمه وجهله، وحمل هذا الحمل الثقيل. فانقسم الناس -بحسب قيامهم بها وعدمه- إلى ثلاثة أقسام: منافقون، أظهروا أنهم قاموا بها ظاهرًا لا باطنًا، ومشركون، تركوها ظاهرًا وباطنًا، ومؤمنون، قائمون بها ظاهرًا وباطنًا.
فذكر الله -تعالى- أعمال هؤلاء الأقسام الثلاثة، وما لهم من الثواب والعقاب فقال: "لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا".
فله الحمد -تعالى-، حيث ختم هذه الآية بهذين الاسمين الكريمين، الدالين على تمام مغفرة الله، وسعة رحمته، وعموم جوده، مع أن المحكوم عليهم، كثير منهم، لم يستحق المغفرة والرحمة، لنفاقه وشركه" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "المراد بالأمانة هنا: كل ما كلف به الإنسان من العبادات والمعاملات فإنها أمانة، لأنه مؤتمن عليها وواجب عليه أداؤها، فالصلاة من الأمانة، والزكاة من الأمانة، والصيام من الأمانة، والحج من الأمانة، والجهاد من الأمانة، وبر الوالدين من الأمانة، والوفاء بالعقود من الأمانة، وهكذا جميع ما كلف به الإنسان فهو داخل في الأمانة".
معاشر المؤمنين: لقد حملنا أمانة عظيمة وسنسأل عنها يوم القيامة، هل أدينا الأمانة على وجهها أم ضيعنا؟
هذا سؤال يجب أن يسأل كل منا نفسه، ويحاسبها عليه، لأن العباد إنما خلقوا لأجله، فما هو حالك مع فرائض الله، من توحيده، والصلاة والصيام والزكاة والحج؟
وكيف أنت في حفظ لسانك وجوارحك؟
وكيف أنت في تعاملك مع الناس؟
وكيف أنت في كسبك؟
وكيف تقضي وقتك؟
كل هذا سنسأل عنه يوم القيامة، فمن أحسن فليبشر الخير، ومن أساء فلا يلومن إلا نفسه.
اللهم أعنا على أداء الأمانة على الوجه المطلوب منا يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله....
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها الناس: الإنسانُ هو المخلوق الأول، هو المخلوق المكرَّم الذي سخَّر الله له ما في السموات والأرض، لماذا سخر له ما في السموات والأرض؟ لأنه حمل الأمانة، ورضي أن تكون نفسُه وهي أثمنُ ما يملك عنده أمانة، فإن عرَّفها بربها، وحملها على طاعته، وجعلها تتقرَّب إليه فقد زكَّاها، وإن زكاها أسعدها إلى أبد الآبدين، وإن أبقاها جاهلةً سمح لها أن تخالف منهج الله -عز وجل-، أساءت إلى الخلق، وإن دسَّاها شقيت، وشقي بها إلى أبد الآبدين، هذه أخطر أمانة، بل هي الأمانة الوحيدة ذات العلاقة المصيرية، إن أدَّيتها، وحفظتها سعدت بها إلى الأبد، وإن حِدتَ عن طريق الله عز وجل، ودسَّيتها شقيت بها إلى الأبد.
من خان أمانة نفسه كان ظلوماً جهولاً، ظلوماً لها وسبب ظلمه لها جهلُه، إذًا يتَّضح من هذه الآية أن أعدى أعداء الإنسان على الإطلاق من دون استثناء جهلُه، وأن الطريق الوحيدة إلى الله -عز وجل- هي العلم، بالجهل نشقى، بالجهل نهلك، وبالعلم نرقى، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معًا فعليك بالعلم.
عباد الله: إن هذه الدنيا لم تخلق عبثا، وإن هذا التمكين والتسخير من ورائه السؤال والحساب، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، ألا ترون الراحلين كل يوم نودعهم ولا يعودون، لو رجعوا وسئلوا عما شاهدوا، لحدثوا عن أهوال عظيمة مروا بها في طريقهم للدار الآخرة، من خروج الروح وسكرات الموت وسؤال القبر وما فيه من مشاهد الآخرة، فخذوا حذركم، وجدوا في العمل الصالح الذي يخفف هذه الأهوال، ويثبت الإنسان فيها، فعما قليل نحن مغادرون، ولما نسمع معاينون.
اللهم اغفر لنا خطأنا وعمدنا....
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم