عناصر الخطبة
1/ اعتناء الإسلام الكبير بالأسرة المسلمة 2/ شقاء المجتمعات والأسر البعيدة عن تعاليم الإسلام 3/ تحذير المسلمين من استهداف الأعداء للأسرة المسلمة 4/ مؤتمر بكين ومقرراته الهادفة لتفكيك الأسرة المسلمة 5/ واجب المسلم للحفاظ على أسرته من أعدائهااقتباس
إنني أذكر لكم هذا -عباد الله- لأن الأسرة المسلمة التي هي أسرتي وأسرتك، مستهدفة اليوم من أعداء الإسلام، الذين يسهرون الليالي ويقضون الأيام من أجل إفساد الأسر المسلمة، وفكها من قيدها، ويعنون بالقيد هذا -قاتلهم الله- الدين القويم، يريدون أن تلاقي الأسرة المسلمة ما لاقته الأسرة الكافرة من التفكك والضياع، والحرية المطلقة التي لا خطام لها ولا عنان.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلق الخليقة وبرأها، أحمده -سبحانه- وأشكره أعطي كل نفس هداها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ألهم كل نفس فجورها وتقواها، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أفضل الخليفة وأزكاها، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أفضل الأمة بعد نبيها وأهداها، وعلى من اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واستغفروه، وتوبوا إليه قبل الممات وراقبوه، واستعدوا ليوم عظيم لا نسب فيه ولا خلة ولا شفاعة، قال -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) [الحج:1].
عباد الله: قال أحد السلف: أوقات ثلاثة هي أشد ما تكون على الإنسان، فإنه ينتقل في كل منها، من عالم إلى عالم آخر، فيفقد الأول بعد أن كان ألفه وعرفه، ويصير إلى الآخر، ولا يدري ما بين يديه، ولهذه يستهل صارخاً إذا خرج من بين الأحشاء وفارق لينها وضمها، وينتقل إلى هذه الدار الدنيا، ليكابد همومها وغمومها.
وكذلك إذا فارق هذه الدار، وانتقل إلى عالم البرزخ بينها وبين دار القرار، وصار بعد الدور والقصور إلى عرصة الأموات سكان القبور، وانتظر هناك النفخة في الصور ليوم البعث والنشور، فمن مسرور ومحبور، ومن محزون ومثبور، وما بين جبير وكسير، وفريق في الجنة وفريق في السعير.
ولقد أحسن بعض الشعراء حيث يقول:
ولدتك أمك باكيا مستصرخا *** والناس حولك يضحكون سرورا
فاحرص لنفسك أن تكون إذا بكوا *** في يوم موتك ضاحكا مسرورا
نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا جميعا من الذين يبشرون عند موتهم بألّا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون.
عباد الله: ... قال -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6]، وقال عن نبيه إسماعيل -عليه السلام-: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم:55].
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "وكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "كفي بالمرء إثما أن يضيع من يقوت"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار".
عناية عظيمة بالأسرة المسلمة من زوجة وأولاد وإخوة وأخوات، لا يوجد لها نظير في غير هذا الدين القويم، الذي أكمله رب العالمين -جل في علاه- لعباده، وأتمه، ورضي لهم الإسلام ديناً.
فوالله! لن تجد البشرية في غيره عدلا وإنصافا، وإحسانا وإكراما، هذه الأمور التي تفقد في قوانين بشرية ناقصة وقاصرة، وأنظمة بشرية يعتريها الظلم تارة، والجور تارة، والقسوة تارة، أو تحتوي الظلم والجور والقسوة والضياع كلها، لأنها من وضع بشر، الخطأ والجهل والظلم من صفاتهم، إلا من عصم الله، كما قال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب:72].
ألقوا نظرة إلى المجتمعات التي ارتضت تلك القوانين منهجاً لها في حياتها، وأعرضت عن دين الله القويم، كيف لحقها العناء والشقاء، وأصابها الجهد والبلاء، وعانت منها الويل والثبور، والحسرة والشرور، ضياع في الأخلاق، وفساد في المعاملات، وتفكك في الأسر والقرابات، وقلق في القلوب، واضطراب في النفوس، وخوف على الأعراض والأموال والأبدان.
إنني أذكر لكم هذا -عباد الله- لأن الأسرة المسلمة التي هي أسرتي وأسرتك، مستهدفة اليوم من أعداء الإسلام، الذين يسهرون الليالي ويقضون الأيام من أجل إفساد الأسر المسلمة، وفكها من قيدها، ويعنون بالقيد هذا -قاتلهم الله- الدين القويم، يريدون أن تلاقي الأسرة المسلمة ما لاقته الأسرة الكافرة من التفكك والضياع، والحرية المطلقة التي لا خطام لها ولا عنان.
الواجب على المسلم أن يحافظ على أسرته من الفساد والتفكك والضياع، وأن يكون على حذر من أعداء الإسلام، وأن يعلم أن أعداء الإسلام والمسلمين لا يريدون الخير والرشاد للمسلمين أبداً مهما تظاهروا به من إرادة الخير للمسلمين، وتباكوا عليهم بدموع كاذبة مارقة، فقد قال الله عنهم في كتابه الكريم: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة:105]، وقال عنهم أيضا: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء:89].
إنهم -عباد الله- لم يكفهم ما أصيبت به المجتمعات الإسلامية اليوم، من بلاء وفتنة، ومن شر ومحنة، في ما يعرض في هذه القنوات الفضائية من شر وخبث، وفساد وجرم، عقائد منحرفة، وأفكار زائغة، وشهوات متنوعة، ومناظر فاتنة، ومشاهد خليعة، ولهو ولعب؛ وما يسطر في كثير من الصحف والمجلات، من عقائد منحرفة، وصور فاتنة، ومقالات وأخبار هي -في الحقيقة- من الضريع الذي لا يسمن ولا يغني من جوع؛ لم يكفهم هذا -عباد الله-، مع أنه قد أثر تأثيراً واضحا في شباب المسلمين وشاباتهم؛ لكنهم يريدون أن يحصل التفسخ الكامل، والانحلال الكلي في الأخلاق والعقيدة والمعاملة في أمة الإسلام.
ولكي تدركوا -عباد الله- هذا الأمر، فإنه قد عقد في دولة من دول شرق أسيا، منذ وقت قريب جدا، مؤتمر حول الأسرة، ومَن هي هذه الأسرة التي عقد المؤتمر من أجلها؟ أهي الأسرة الغربية المنحلة المتفككة؟ كلا عباد الله! بل هي الأسرة المسلمة التي تعيش تحت ظل شريعتها الإسلامية الحنيفة الغراء، عيشة سعيدة مستقرة، لا تفكك ولا انحلال ولا ضياع ولا فساد.
قطب رحُي هذا المؤتمر وصيده ومبتغاه، هو الأسرة المسلمة، التي هي أسرتي وأسرتك، وهدفه وغايته الوصول إلى ما يجعل الأسرة المسلمة تتحرر من دينها وتعاليمه الجليلة، وتصاب بالتفكك والتسيب، فلا قوامة ولا رعاية ولا ولاية على الأسرة!.
الابن له مطلق الحرية في نفسه، والبنت لها مطلق الحرية في نفسها، لا حق للأب أن يسأل ابنه أين يذهب وماذا يفعل، وليس له أن يعترض على ما يفعل ولو كان منكراً من القول وزوراً، وليس له أن يعترض على ابنته في ما تعلم ولو كان خبثاً وجرماً، ولا يسألها، رعايته مقصورة على تأمين الغذاء والكساء والسكن لأولاده، وكأنه يقوم على حيوانات لا آدميين، نعوذ بالله من الشر وأهله! ونعوذ بالله من الفساد وأهله!.
هذا ما يخطط له أعداء الدين وأعداء الإنسانية جمعاء، فأنتم -عباد الله- في هذه البلاد، مستهدفون منهم بالدرجة الأولى، ويسوءنا ويحزننا، أن نسمع ونرى من يُعين أعداء الإسلام على فساد نفسه أو أسرته، فيسمح لآلات الخبث والفساد ومصادر الفكر الدخيل والعقيدة الباطلة والأخلاق الرذيلة، أن تدخل بيته وسكنه ومحله ومقره، وتتسلل إلى عقله وقلبه، ويمكّن أسرته من النظر إليها والقراءة فيها، ويلهو عن أسرته بدنياه، بماله وتجارته، أو وظيفته ومنصبه، أو سهراته وسفراته، فلا يقوم بالرعاية كما أمر وأرشد من ربه -عز وجل-، ونبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فيدب الخراب إلى أسرته، وهو السبب في ذلك، فيكون كمثل الذين قال الله فيهم: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ) [الحشر:2].
وقد قيل: إن الشيطان مع الدنيا، ومكره مع المال، وتزيينه مع الهوى، واستمكانه عند الشهوات، فليترفع المسلم أن يكون على هذه الصفة المقيتة، ويسأل ربه الثبات على الدين والممات عليه، والفقه في دينه والعمل بما فيه.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة.
الخطبة الثانية:
... عباد الله، يجب علينا أن نحصن أنفسنا وأسرنا من الأعداء وكيدهم ومكرهم، فنراقب الله -سبحانه وتعالى- ونتقيه، ونفعل الأوامر ما استطعنا، ونجتنب النواهي.
كما يجب علينا أن نمنع كل وسيلة شر أن تدخل بيوتنا وعقولنا وقلوبنا، فمن كان منا سالما منها فليجعل بينه وبينها وقاية بمنعها من دخول بيته، وإن لم يكن سالماً منها، فليبادر في أسرع وقت بإخراجها من بيته وإتلافها، قبل أن يسري سمُّها في عقول الأولاد وقلوبهم، قبل أن تحرق نار الشهوة والشبهة الخلق الفاضل والعقيدة الصحيحة.
وأن يربي أولاده وزوجه على العقيدة الصحيحة والعبادة والخلق الفاضل، وأن يختار لأولاده الجلساء الصالحين، والرفقة الخيرة، وأن يكون على علم بأحوالهم، وأن يكون قريباً منهم، معظم وقته عندهم وبينهم، ويحاول -ما استطاع- أن يلحق أولاده بمدارس القرآن الكريم وحلقاته المباركة، فإن لها أثراً عظيماً وبالغاً على الولد ذكراً أو أنثى.
عباد الله: لإخوانكم الشيشان حق عليكم، وذلك بالوقوف معهم في محنتهم الراهنة التي لاقوها على أيدي الروس الملحدين، فقد اجتمع عليهم لهيب الحرب والتشريد والقتل، وبرد الشتاء القارس، وهم بحاجة ماسة إلى فراش يفترشونه، وغطاء يلتحفون به، وطعام يقتاتونه، فواسوهم -عباد الله- بما تطيب به نفوسكم من أموالكم، ولا تؤثروا الحياة الدنيا على طاعة ربكم والإنفاق في سبيله، فإن من قدم شيئاً على طاعة الله والإنفاق في سبيله عُذب به، وربما سلب منه، معاملة له بنقيض قصده.
وسوف تجدون على الأبواب من يقبض منكم نفقاتكم، ويحملون صناديق مخصصة لذلك فنسأله -سبحانه- أن يعطي منفقاً خلفاً، وأن يجزل له المثوبة والعطاء...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم