عناصر الخطبة
1/ تتابع الفتن 2/ فتنة الهواتف الذكية ونشرها للفاحشة وألوان الفساد 3/ استغلال هذه الأجهزة في التقرب إلى الله 4/ محاسبة النفس وتفعيل مراقبتها لربها وخوفها منهاقتباس
ألا وإن مما فتن الناس به هذه الأجهزة، أجهزة الجوالات، والتي يسمونها الذكية، والتي وضعت شرور العالم بين يدي أبنائنا وبناتنا، فهم بلمسة واحدة يرون الرجل والمرأة يمارسون الفاحشة بأشكال وطرق تحرك الجماد، مع أن في هذه الأجهزة خيرًا كثيرًا، لكنها نشرت الشر، وساعدت على ظهوره، ووضعته بين يدي الإنسان وإن كان مبتعدًا عنه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الذي تمت كلمته فلا يرد حكم قاضيها، وعلت سلطنته فجَلّ تعاليها، ودامت أزليته؛ فمن ذا يضاهيها؟ توحده الكائنات ونواحيها، والسموات ودراريها، أحمده على نعمه التي هو موليها ومسديها.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مجيب دعوة المضطر وقاضيها، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المرسل إلى جميع الخلق فبلغ دانيها وقاصيها، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه والتابعين لهم بإحسان ما دامت الأنفس العاملة تعطى أمانيها.
أما بعد: فيا عباد الله، أيها المسلمون، فتن تتابع ينسي أولها آخرها، ويمهد صغيرها لكبيرها، يضيع أمامها الإيمان، ويتخلى عن المبادئ أقوام، وتنحرف عن الطريق أقدام، يزهدون في السنة، يزهدون فيها بعد أن كانوا من الحريصين عليها، ويجترئون على الحرام بأي فتوى، ويستحلونه بأدنى حيلة، حتى يصل الأمر إلى أن يصبح المؤمن المحافظ الذي يترك المتشابه ويبتعد عن كل ما قد يجرح دينه ولو كان مباحًا غريبًا بين الناس؛ مصداق ذلك في قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء!".
ثم تتوالى الفتن وتتنوع إلى أن تستحكم غربة الدين، ونصل إلى زمان القابضين على الجمر، كما قال –عليه الصلاة والسلام-: "يأتي على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر".
ألا وإن مما فتن الناس به هذه الأجهزة، أجهزة الجوالات، والتي يسمونها الذكية، والتي وضعت شرور العالم بين يدي أبنائنا وبناتنا، فهم بلمسة واحدة يرون الرجل والمرأة يمارسون الفاحشة بأشكال وطرق تحرك الجماد، مع أن في هذه الأجهزة خيرًا كثيرًا، لكنها نشرت الشر، وساعدت على ظهوره، ووضعته بين يدي الإنسان وإن كان مبتعدًا عنه، في بيته أو سوقه أو شارعه، فكم من الناس وصله مقطع دعويّ فلما فتحه إذا بالصور المحرمة تظهر أمام عينيه! وكم من الناس وهو غر آمن وصلته رسالة عن طريق الواتس فلما فتحها إذا به يرى صورا محرمة أو كلاما فاحشا!.
لقد دعت هذه الأجهزة إلى الفاحشة، وسهلت الوقوع فيها، فما عادت تلك الأجهزة التي تستقبل المكالمات والرسائل، وإنما أصبحت نافذةً إذا فتحتها رأيت العالم بخيره وشره بين يديك، والمعصوم من عصمه الله.
هذه الأجهزة، بما فيها من برامج قد لا يعرف الكثيرون من الكبار عنها شيئًا، لكن الأبناء والبنات يعرفون عنها الشيء الكثير، برامج أدخلت الشباب بيوت أقوام بينهم من المسافات الآلاف، عرفت الشباب على الفتيات والفتيات على الشباب، برامج تعرض صورًا كالأنستجرام منها ما هو نافع ومنها ما هو مباح ومنها ما محرم، برامج تجعل الشباب والفتيات يتكلمون ويتحادثون وبعضهم يتبادل الصور بينهم حتى خانت بعض النساء أزواجهن وخان بعض الأزواج نساءهم، وتعرّف بعض الشباب على عشرات الفتيات ورآهن متجملات، ومنهم من رآهن عاريات، ومنهم من مارس معهن فاحشة الزنا -عياذًا بالله- بعد أن تعرف عليها عن طريق هذه البرامج!.
واسألوا "رومات البرلنجو" تنبئكم عما يشيب له الرأس ويجرح الفؤاد ويستدر دمع العين، "رومات" أو غرف في "البرلنجو" فيها الآلاف من الشباب والشابات لهم من الأسماء ما يدعو للفاحشة، وأكرم هذا المسجد ومسامعكم عن ذكر شيء من هذه الأسماء.
لقد اعترفت بعض فتيات أنها خانت زوجها بسبب هذه "الرومات"، وقالت إحداهن إنها على علاقة بعدد من الشباب وإنها لن تتركهم بعد أن تمت خطبتها! فقد فتنت بهم –عياذًا بالله-.
والمصيبة أن هذه الأجهزة بها خاصية إخفاء البرنامج، فلو أخذت جهاز ولدك أو بنتك ثم نظرت إلى البرامج التي حملها على جهازه لم تجد هذه البرامج؛ لأنه قام بإخفائها! برامج مزقت جسد الفضيلة، برامج مزقت جسد الفضيلة وهدمت بناءها، وأفسدت الأخلاق، ودمرت الإيمان، وفتنت الكبار والصغار.
عباد الله: إنه علينا أن نقف مع أنفسنا وقفة محاسبة قبل أن نوقف للحساب في يوم تشيب له النواصي، وتنهدّ الجبال الرواسي، هذا الجهاز بما فيه من برامج، واتس وتليجرام وأنستجرام وتويتر وفيسبوك وبرلنجو وغيرها، هل ستكون حجةً لنا أو علينا يوم القيامة إذا نشر الأمواتَ للحشر ربُّنا، ونادى علينا المنادي بفلان.
أحبتي في الله: إنها ليست أوقاتًا نقضيها مع هذه البرامج ثم ينتهي الأمر، بل هي أوقات من أعمارنا ستكون شاهدةً لنا وعلينا، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه"، فما هو الجواب؟ قضيته متنقلًا بين تويتر وأنستجرام والواتس في غفلة ونسيان وهجر لكلام الله ومجالس الذكر!.
لقد صدت هذه الأجهزة أقوامًا عن ذكر وعن الصلاة، وإن من الشر الذي فيها انتشار الشائعات، ونشر البدع، والأحاديث الضعيفة والموضوعة، والفتاوى المكذوبة والمغلوطة، والاستهزاء بأشخاص وجنسيات وقبائل، ناهيك عن الغيبة والبهتان والافتراء والتضليل، فاحذر! فاحذر عبد الله! فاحذر عبد الله أن ترسل رسالةً حتى تتأكد من صحة ما فيها من معلومة دينية أو اجتماعية! واحذر أن تفتح مقطعًا أو ترسل مقطعًا يكون شاهدًا عليك يوم القيامة!.
أحبتي في الله: هذه الأجهزة إما أن تكون نعمةً أو نقمةً، إما أن تقرب إلى الله أو تبعد عن الله، إما أن تكون طريقًا للجنة أو طريقًا إلى النار، والموفق من استغلها في الخير ونفع الناس وتعليمهم ونصحهم وتذكيرهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه الأجهزة قد تكون طريقًا للجنة لمن وفقه الله، فعن طريقها يدعى الناس إلى الخير ويذكّرون بالسنن، ويبلغون بالجنائز، ويدعون للتبرع بالدم لمحتاج، فاحرصوا على أن تكون سببًا لرضا الله والجنة، واعلموا أن من شكر نعمة الله أن يستغلها العبد فيما يرضي الله ويقرب إليه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وتاب علي وعليكم إنه التواب الرحيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم؛ إنه كان غفارًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينه القويم، وهدانا صراطًا مستقيمًا، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.
وصلى الله وسلم وبارك على البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الجد والتشمير، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا معاشر المسلمين، لا يمكن أن نقول للناس: استغنوا عن هذه الأجهزة فقد عشتم زمانًا طويلًا بدونها، لكننا يجب أن نقول لأنفسنا أولًا وللناس جميعًا: تذكروا وأنتم تتعاملون مع هذه الأجهزة قول الله -تعالى-: (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [هود:123]، تذكروا قول الله: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء:36]، تذكروا أنكم إن غبتم عن أعين الناس فلن تغيبوا عن عين الله، وأنكم إن خادعتم الناس فإنكم لن تخادعوا الله، تذكروا رقابة الرقيب، واطلاع العليم الحكيم. قال الله حكايةً عن عيسى -عليه السلام- أنه قال: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة:117].
عباد الله: إني سائلكم ولا أريد الجواب منكم، لكني أجزم أن الجواب سوف يتردد في صدوركم: من منكم يقبل أن يعطيني جواله لأقرأ ما فيه من رسائل، وأطلعكم على ما فيه من صور، وأسمعكم ما فيه من مقاطع؟ أظن أن السؤال صعب، والإجابة أصعب، لكن من كان يأبى أن يعرض ما في جواله أمام ألف أو ألفين حياءً من الناس وخوفًا من الفضيحة فليعلم أن الفضيحة ستكون على ساحة القيامة، فليعلم أن الفضيحة ستكون على ساحة القيامة يوم تبلى السرائر، يوم أن يظهر الخافي والمكنون.
عباد الله: ونحن مقبلون على إجازة يختفي فيها الإنسان عن عين الرقيب من البشر، إما لأنه سافر إلى بلد لا يعرفه أحد، أو لأنه في استراحة لا يراه إلا من هم على شاكلته، أو في مكان لا يراه الناس فيه، وربما نازعته نفسه لمعصية من المعاصي، فليذكرها أن الله مطلع على العباد أينما كانوا وأينما حلوا ونزلوا، وأن كتاب الأعمال سينشر بين يدي العبد، وسيرى فيه النظرة والهمسة واللمسة، (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:49].
فالذي يسركم أن تروه غدًا فاعملوه، والذي لا يسركم اجتنبوه، واذكروا على الدوام أن الذنب لا ينسى، وأن الديان لا يموت، وأن الحساب عسير على من جعل الله أهون الناظرين إليه.
عباد الله، صلوا وسلموا على رسول الله؛ امتثالًا لأمر الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من صلى علي صلاةً واحدةً صلى الله عليه بها عشرًا".
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم