عناصر الخطبة
1/ أعظم أحوال العباد في زمن الملمات والمحن 2/ فضائل تعظيم الله والتعلق به والتوكل عليه 3/ أهمية الافتقار إلى الله وإظهار الذلة والخشوع له 4/ سبل خروج الأمة من أزمتها 5/ وجوب عودة الأمة إلى ربها وشريعته 6/ فضل الاعتصام بالله والالتجاء إليه في كل حين.اقتباس
كيف ننتظر من الله فرجاً ومخرجاً وحلاً لمشاكلنا ونحن بعيدون عنه وغير متعلقين به وغير مؤملين فيه؟! كيف نرجو من الله أن يتجه إلينا ونحن لم نتجه إليه ولم نهتدِ بهديه ولم نتمسك بسنة رسوله؟! هل استعنا بالله وحده؟ وسألناه وحده؟ والتجأنا إليه وحده؟ ورفعنا شكوانا ومشاكلنا وضرائنا إليه وحده؟ يجب أن نعلم أن الله لن يغير أحوالنا، ولن يحسن أوضاعنا إلا إذا غيَّرنا نحن أحوالنا مع الله، وصدقنا معه، وعدنا إليه، وكنا فوق ذلك صادقين مع أنفسنا ومع خلقه؛ فإن لم يحدث منا التغيير ولم نبدأ نحن من أنفسنا بإصلاح أنفسنا وحالنا ومجتمعنا؛ فإن حالنا لن يتغير فيه شيء، وستتفاقم همومنا ومشاكلنا وتزداد يوماً بعد يوم...
الخطبة الأولى:
إن من أجل الأمور وأعظمها خاصة في زمن الملمات والمحن أن يكون العبد قريبًا من الله -سبحانه وتعالى- مكثراً من التعلق به، كثير الذكر له منتظراً للأمل منه.
لأنه يعلم أن له ربّاً عظيماً كريما برّاً رحيماً لا تخفى عليه خافية ولا يظلم عنده أحد، ولا يغيب عن نظره وسمعه شيء، وهو على كل شيء قدير.
فحري بالعبد أن يلوذ بمولاه، ويعتصم به ويتمسك بحبله، وينظر إليه وحده، ولا يلتفت أبداً إلى غيره وينسب كل النعم والفضائل إليه -جل جلاله- وعز كماله (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) [الأنعام: 46].
إن هذه العقيدة عقيدة تعظيم الله والتعلق به والتوكل عليه هي العقيدة السليمة الصحيحة التي يجب أن نغرسها في قلوبنا ونربّي عليها أولادنا وفتياتنا.
ونوقن كل اليقين بها حتى نلقى الله -سبحانه وتعالى- ونحن مؤمنون به موحدون له راضون عنه وهو راض عنا (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) [البينة: 7- 8].
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يغرس في قلوب أصحابه وأحبابه وأهله عقيدة الإيمان والتوحيد، فيقول لابن عباس عندما رَكِبَ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَا غُلامُ! إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فاَسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ".
فهل حفظنا الله حدود الله وأوامره حتى يحفظنا الله وينجينا ويعصمنا من مضلات الفتن والأهواء؟ أم ضيعنا حدوده وخالفنا أوامره وارتكبنا منهياته، وبارزناه بالمعاصي ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً؟ فإن الله يغار عندما تُنتهك حرماته وتضيع فروضه، وتُعصَى أوامره وحدوده (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة: 98]، (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر: 4].
كيف ننتظر من الله فرجاً ومخرجاً وحلاً لمشاكلنا ونحن بعيدون عنه وغير متعلقين به وغير مؤملين فيه؟!
كيف نريد الخير لأنفسنا ومجتمعنا وبلدنا إذا كنا نتنكب الصراط المستقيم ونعرض عن ذكر الله وشكره وعبادته؟!
كيف يرحمنا الله ويغفر لنا ويرضى عنا إذا كثر فينا الخبث والفجور والمعاصي؟!
كيف نرجو من الله أن يتجه إلينا ونحن لم نتجه إليه ولم نهتدِ بهديه ولم نتمسك بسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ألم يقل الله: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) [طه: 123- 127].
وقال: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) [السجدة: 22]
هل استعنا بالله وحده؟ وسألناه وحده؟ والتجأنا إليه وحده؟ ورفعنا شكوانا ومشاكلنا وضرائنا إليه وحده؟ فإننا نقول في كل ركعة من ركعات صلاتنا المفروضة والمسنونة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَإِذَا سَأَلْتَ فاَسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ".
يجب أن نعلم أن الله لن يغيِّر أحوالنا، ولن يحسِّن أوضاعنا إلا إذا غيَّرنا نحن أحوالنا مع الله، وصدقنا معه، وعدنا إليه، وكنا فوق ذلك صادقين مع أنفسنا ومع خلقه.
فإن لم يحدث منا التغيير ولم نبدأ نحن من أنفسنا بإصلاح أنفسنا وحالنا ومجتمعنا؛ فإن حالنا لن يتغير فيه شيء، وستتفاقم همومنا ومشاكلنا وتزداد يوماً بعد يوم (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد: 11]
إن الافتقار إلى الله وإظهار الذلة والخشوع له، وتحقيق العبودية الخالصة لوجهه هو من أعظم العبادات التي يحبها الله، ومن أجل الطاعات التي دعا الله إليها ورغب فيها؛ فإن الله يحب العبد المنيب التواب الأواه الأواب.
ويحب -سبحانه وتعالى- من عباده أن يتذللوا له وينكسروا بين يديه، ويُظهروا الخشوع والسكينة والذلة بين يديه.
يقول الله عن أنبيائه وأصفيائه وأوليائه: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90] ويقول: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) [هود: 75]، أي: كثير التأوه لله والإنابة له.
فهل افتقرنا إلى الله حق الافتقار، وأظهرنا له الحاجة والذلة والانكسار، وتطهرت قلوبنا بالخير والصفاء حتى نكون من المتقين الأبرار (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) [فاطر 15: 17].
فالله لا يعجزه شيء، ولا يرده أحد، ولا يعترض قضاءه معترض، وهو على كل شيء قدير، ولكن الله يريد من عباده أن يحققوا العبودية له، ويكون عبيداً أذلاء إليه، فإذا رأى منهم ذلك أعطاهم من النعم فوق ما يتمنون، ومنحهم من العطايا والمزايا أكثر مما يتصورون (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].
يقول الله في الحديث القدسي: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ".
قلت ما سمعتم وأستغفر..
الخطبة الثانية:
عباد الله: والله لا مخرج لنا إلا بعون الله، ولن يستطيع أحد نفعنا أو ضرنا بشيء من دون الله، وليس لكل مشاكلنا من دون الله كاشفة.
ولا حل لنا إلا بالعودة إلى الله، والتوبة إليه، ورفع أكف الضراعة بين يديه، فإن الله قريب مجيب يسمع دعوة الداعي، ويجيب حاجة المضطر (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]، (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62].
فلنقبل على الله بصدق، ولنلتفت إليه بحق وحقيقة، ولنتهيأ للتقرب منه -سبحانه وتعالى- خاصة ونحن في هذا الشهر شهر شعبان، والذي نستقبل بعده شهر الخير والتوبة والصيام شهر رمضان المبارك.
لنترك القيل والقال والهرج والمرج والإشاعات والأهواء، ولنطهر قلوبنا لنشبعها بكلام الله ونملأها بذكر الله، ونعمرها بحب الله والرغبة فيما عند الله، والطمع في ثوابه، والخشية من عقابه.
فإذا تطهرت قلوبنا، وتهيأت نظر الله إليها بعين الرحمة والإحسان، والمحبة والحنان، وامتلأت بالسكينة والطمأنينة والأمان، وزالت عنا كل المشاكل والأدران (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم التقوى هاهنا، وأشار إلى صدره".
فما أجمل أن نفتح صفحة جديدة مع الله، ونستعين به في كل أمورنا، ونتوكل عليه في جميع حاجاتنا، ونعتصم بمنهجه في كل مشاكلنا واختلافاتنا؛ فإن الله يقول: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [آل عمران: 101]، ويقول -سبحانه وتعالى-: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم