استقبال شهر رمضان المبارك

محمد بن سليمان المهوس

2021-04-02 - 1442/08/20 2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: رمضان
عناصر الخطبة
1/من خصائص مواسم الخيرات 2/من فضائل شهر رمضان وبركاته 3/كيف نستقبل رمضان؟

اقتباس

وَاعْقِدُوا الْعَزْمَ عَلَى تَفْرِيغِ النَّفْسِ لِلطَّاعَةِ، وَتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ، وَتَطْهِيرِ الْقَلْبِ مِنَ الضَّغِينَةِ؛ فَإِنَّ رَمَضَانَ أَيَّامٌ تَمُرُّ وَتَمْضِي، وَاعْتَبِرُوا بِمَنْ فَارَقُونَا، وَكَانُوا رَمَضَانَ السَّالِفَ مَعَنَا، كَانُوا فِينَا يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ، ثُمَّ صَارُوا تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى قَدْ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي اخْتَصَّ شَهْرَ رَمَضَانَ بِمَزِيدٍ مِنَ الْفَضْلِ وَالإِكْرَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْمَلِكُ الْعَلاَّمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الأَنَامِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْكِرَامِ, أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70، 71 ].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ الْوَافِرَةِ، وَمِنَنِهِ الْمُتَكَاثِرَةِ، مَا حَبَاهُ اللهُ -تَعَالَى- هَذِهِ الأُمَّةَ مِنْ مَوَاسِمِ الْخَيْرِ الْمُبَارَكَةِ؛ وَالَّتِي تَكْثُرُ فِيهَا الطَّاعَاتُ، وَتُقَالُ فِيهَا الْعَثَرَاتُ، وَتُغْفَرُ فِيهَا السَّيِّئَاتُ، وَتُضَاعَفُ فِيهَا الْحَسَنَاتُ، وَتَتَنَزَّلُ فِيهَا الرَّحَمَاتُ، وَتَعْظُمُ فِيهَا الْهِبَاتُ, وَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ هَذِهِ الْمَوَاسِمِ وَأَكْرَمِهَا شَهْرَ رَمَضَانَ الْمُبَارَكَ، الَّذِي قَرُبَ قُدُومُ شَذَاهُ الْعَاطِرِ، وَثَمَرِهِ الْوَارِفِ؛ (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)[البقرة: 185].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:  قَرُبَ مَجِيءُ الْوَافِدِ الْحَبِيبِ، وَالضَّيْفِ الْكَرِيمِ، وَالَّذِي يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ الْعَطَايَا وَالْهِبَاتِ، وَالْهَدَايَا وَالْكَرَامَاتِ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ: صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ؛ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ؛ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ, وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ"(حَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).

 

فِي رَمَضَانَ وَاحَاتُ الْبِرِّ تَتَدَفَّقُ، وَبَسَاتِينُ الْخَيْرِ تُنَمَّقُ، وَجَنْيُ ثِمَارِهَا لِلْمُخْلِصِينَ تَتَحَقَّقُ؛ تَهَجُّدٌ وَتَرَاوِيحُ، وَذِكْرٌ وَتَسْبِيحٌ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى - فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ:  "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ؛ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ؛ فليَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ"(متفق عليه).

 

فِي رَمَضَانَ تِلاَوَةٌ وَصَلَوَاتٌ، وَجُودٌ وَصَدَقَاتٌ، وَأَذْكَارٌ وَدَعَوَاتٌ، وَضَرَاعَةٌ وَدَمَعَاتٌ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"(متفق عليه).

 

رَمَضَانُ فُرْصَةٌ لِلْمُذْنِبِينَ، وَمِنْحَةٌ لِلْمُفَرِّطِينَ؛ لِيُعْلِنُوا التَّوْبَةَ، وَيُجَدِّدُوا الصَّفْحَةَ؛ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ؛ أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ"(رواه مسلم).

 

شَهْرُ رَمَضَانَ رِسَالَةٌ لِلْمُوسِرِينَ أَنْ يَتَذَكَّرُوا الْمُحْتَاجِينَ، وَيَشْعُرُوا بِجُوعِ الْجَائِعِينَ، مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: "كَانَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضَانَ، فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ؛ فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ"(متفق عليه).

 

اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ، وَأَعِنَّا فِيهِ عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ, أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا, أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَاسْتَقْبِلُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِتَوْبَةٍ صَادِقَةٍ، وَعَزِيمَةٍ جَادَّةٍ بِاغْتِنَامِ أَيَّامِهِ وَلَيَالِيهِ بِالطَّاعَاتِ, وَالْبُعْدِ عَنِ الْمُخَالَفَاتِ؛ فَلَيْسَ الصِّيَامُ مُجَرَّدَ الإِمْسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؛ فَالصَّوْمُ صَوْمُ اللِّسَانِ عَنِ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْبُهْتَانِ، وَصَوْمُ الْجَوَارِحِ عَنِ الذُّنُوبِ وَالْعِصْيَانِ, قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ؛ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"(رواه البخاري).

 

فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَاعْقِدُوا الْعَزْمَ عَلَى تَفْرِيغِ النَّفْسِ لِلطَّاعَةِ، وَتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ، وَتَطْهِيرِ الْقَلْبِ مِنَ الضَّغِينَةِ؛ فَإِنَّ رَمَضَانَ أَيَّامٌ تَمُرُّ وَتَمْضِي، وَاعْتَبِرُوا بِمَنْ فَارَقُونَا، وَكَانُوا رَمَضَانَ السَّالِفَ مَعَنَا، كَانُوا فِينَا يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ، ثُمَّ صَارُوا تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى قَدْ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ, فَلْنَعْمَلْ لِذَلِكَ الْمَصِيرِ؛ فَإِنَّ الْعُمْرَ قَصِيرٌ، وَالنَّاقِدَ بَصِيرٌ؛ (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)‏[‏النور‏:‏ 31‏]‏.

 

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم؛ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ -‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

 

المرفقات

استقبال شهر رمضان المبارك.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات