استغلال رمضان

سامي بن خالد الحمود

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: التربية رمضان
عناصر الخطبة
1/الاستبشار بقدوم رمضان 2/فضائل رمضان 3/قرآءة القرآن والجود فيه 4/قيام رمضان 5/الحفاظ على الصوم 6/ رمضان شهر العزة فهل يستفيد المسلمون منه في استرداد حقوقهم؟

اقتباس

ها هو هلال رمضان قد حلَّ، ووجه سعدِهِ قد طلَّ، رمضان هلَّ هلاله، وخيّمت ظلاله، وهَيْمَنَ جلاله، وسَطَع جماله، لقد أظلّنا موسم كريم الفضائل، عظيم الهبات والنَّوَائل، أيامه نفحاتُ الخير والإيمان، ولياليه نسائم الرحمة والرضوان، معطّرةً بالذكر والطاعة، منوّرةً بابتهالات الراغبين وحنين التائبين..

 

 

 

 

عباد الله: ها هو هلال رمضان قد حلَّ، ووجه سعدِهِ قد طلَّ، رمضان هلَّ هلاله، وخيّمت ظلاله، وهَيْمَنَ جلاله، وسَطَع جماله، لقد أظلّنا موسم كريم الفضائل، عظيم الهبات والنَّوَائل، أيامه نفحاتُ الخير والإيمان، ولياليه نسائم الرحمة والرضوان، معطّرةً بالذكر والطاعة، منوّرةً بابتهالات الراغبين وحنين التائبين.

ها نحن ورمضانُ جديد، فأيُ رمضانَ يكونُ رمضانُنا هذه السنة؟!

 

شهرٌ يَفُوقُ على الشهورِ بليلةٍ *** مِن ألفِ شهرٍ فُضّلت تَفْضِيلا

طُوبى لعبدٍ صَحَّ فيه صيامُهُ *** ودعا الْمهيمنَ بُكْرَةً وأَصِيلا

وبِلَيْلِهِ قد قامَ يَختمُ وِرْدَهُ *** مُتَبَتِّلاً لإلَهِهِ تَبْتِيلا

رمضانَ فرصةٌ من فرصِ الآخرةِ, تحمل في طَيَّاتها غفرانَ الذنوب وغسْلَ الحَوْب، وسعادةَ الإنسان الأبدية، فأين المبادرون؟! وأين المسارعون؟!.

أتى رمضانُ مزرعةُ العبادِ *** لتطهيرِ القلوبِ من الفسادِ

فأدِّ حقوقَهُ قولاً وفعلاً *** وزادكَ فاتَّخذهُ للمَعَادِ

فمن زَرَع الحبوبَ وما سَقَاها *** تأوَّهَ نادِما يومَ الحصَادِ

إن شهرًا بهذه الصفات وتلك الفضائل والمكرمات لحَريّ بالاهْتِبَال والاهتمام، فهل هيّأت نفسك أخي الصائم لاستقباله، وروَّضْتَها على اغتنامه؟!.

أخي الصائم: لقد جعل الله هذا الشهر العظيم محلاً لنزول أشرف كتبه، ونزوله فيه إيماءٌ لهذه الأمة بالإكثار من تلاوته وتدبره، وكان جبريل -عليه السلام- ينزل من السماء، ويدارسُ نبيَّنا محمدًا –صلى الله عليه وسلم- القرآن كاملاً، وفي العام الذي توفِّي فيه عرضه عليه مرتين، وكان بعض السلف يختم في رمضان في كل ثلاث ليالٍ، وبعضهم في سبعٍ، وبعضهم في عشر.

فليكن لك نصيب من القرآن تلاوة وتدبرًا وعملاً, وإذا أحسنتَ القول بالقرآن، فأحسن الفعل بالجود والإحسان، واعلم أن المال لا يذهب بالجود والصدقة، بل هو قرضٌ حسن مضمون عند الغني الكريم، (وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ) [سبأ:39]:يضاعفه في الدنيا بركةً وسعادة، ويجازيه في الآخرة نعيمًا مقيمًا، يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-:"ما من يومٍ يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا" [متفق عليه], وأخبر صلى الله عليه وسلم أن المؤمن في ظل صدقته يوم القيامة.

أخي الصائم: ليالي رمضان تاج ليالي العام، فيها تصفو الأوقات وتحلو المناجاة، وفي كل ليلة يُفتح باب الإجابة من السماء، وخزائن الوهَّاب ملأى، فسل من جود الكريم، واطلب رحمةَ الرحيم، فهذا شهر العطايا والنفحات والمنن والهبات، وأعجزُ الناس من عجز عن الدعاء, ولا تعجز أن تصليَ القيام أو التراويح مع الإمام حتى ينصرف، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: " من قام مع إمامه حتى ينصرف كُتِب له قيام ليلة " [رواه أهل السنن وهو حديث صحيح].

أيها الصائم: الأيامُ صحائف الأعمار، والسعيد من يخلِّدها بأحسن الأعمال، من بذل المعروف وتفريج الكربات وكثرة الدعاء وغيرها من العبادات.

وإياك وخوارق الصوم ومفسداته، واحفظ لسانك وسمعك وبصرك عمَّا حرم الله، واحذر الوقوع في أعراض المسلمين، يقول الإمام أحمد رحمه الله: "ينبغي للصائم أن يتعاهد صومَه من لسانه، ولا يماري في كلامه، كانوا إذا صاموا قعدوا في المساجد وقالوا: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحداً".

وفي الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه -أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "الصيام جُنَّة، فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفثْ ولا يفسقْ ولا يجهلْ، فإن سابَّه أحدٌ فليقل: إني صائم ".

وروى ابن ماجه وصححه الألباني عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر".

قال الصحابيُ الجليلُ جابرُ بنُ عبد الله: " إذا صمتَ فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك وقارٌ وسكينةٌ، ولا يكنْ يومُ صومِك ويومُ فطرِك سواءً ".

إذا لَم يكن في السمع مني تَصَاوُنٌ *** وفِي بصري غَضٌّ وفِي مَنْطِقِي صَمْتُ

فحظِّي إذًا من صومي الجوعُ والظَّمَا *** فإن قلتُ إني صمتُ يومي فما صمتُ

فيا عجبًا ممن يصومون، ثم يفطرون على ما يفسد صومهم، ويهدم أخلاقهم، ويحرمهم من روحانية الشهر الكريم, فتراهم عاكفين على القنوات الفضائية السيئة، على أفلام ومسلسلات، ملئت عهرًا وفجورًا، وتعرِّيًا وسفورًا، وتحريكً اللغرائز، وإثارةً للشبهات، واستهزاءً بالدين وأهله، وربما طعن بعض هذه البرامج في ثوابت الدين وأحكام الشرع الصريحة في الكتاب والسنة، ناهيك عن تصويرهم المستقيم على دينه المتمسك بسنة نبيه بصورة الأَبْلَه والموسوس والمتناقض، وأما ظهور النساء العاهرات الفاتنات المائلات المميلات فحدّث ولا حرج.

فيا لله، ويا ويلهم من الله، لقد هتَكوا حجابَ الفضيلة هتكًا، وسفكوا حرمَة شهرِ القرآن سفكًا.

ومن المخزِيات القواصم التي تقض المضجَع وتفضَّ المدمَع أنّه لا يزال كثير من الناسِ يشربون من ماء تلك القَنَوات الآسِن، ويتسَمَّر أفراد الأسرة على تلك الموائِدِ الوبِيئَة دونَ ارعواءٍ أو خجَل، فوا حَسرتاه أين آثارُ الصيام؟! ووا خَجَلتاه أين أنوارُ القيام؟!.

فيا من يدير الريموت على أجساد العرايا، ووجوه العاهرات، ويتقلب بين المحرمات والتفاهات، أما آن لك أن تغتسل بماء التوبة وتتخلص من هذه القاذورات- سِيّما وأنت في هذا الشهر المبارك-؟, أما يكفِي واعظًا قولُه سبحانه: (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا) [النحل:92]؟, نسأل الله أن يردنا إليه ردًا جميلاً، والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية

 

 

 

الحمد لله على إحسانه.

عباد الله: رمضان شهر العزة والكرامة، شهر الجهاد والنصر، شهر الجدية والعزيمة، فما هي أحوال أمتنا؟

هل آن للأمة أن تنفضَ عنها غبارَ التبعية؟!.

هل آن لها أن ترفعَ عن نفسها أسباب الذلة والهوان؟!.

متى تستفيد الأمة حكامًا ومحكومين من مدرسة رمضان - والأمةُ تَمِيدُ بها الأرض جرّاءَ تسلّط أعدائها في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها، وتقاسي الأمرَّين وهي توصَمُ ظلمًا وزورًا بالغلّو والتطرّف والإرهاب-؟!.

ومع هذا، فنحن نوقن تماما أن الله -سبحانه وتعالى- ناصرٌ دينه، ومهما تعرّض المسلمون للحروب وتعرّضوا للهزائم فإننا واثقون فالنصر قادم لا محالة, وقد قال الله تعالى: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران:140].

وللإسلام جولة، وستهوي معاقل الكفرة والمشركين، وستهتك أستار المنافقين، وتظهر خفايا المجرمين، وسيعلم الناس حقيقة المفسدين, إلا أن لله في تدبيره حِكَمًا، وله في تقديره علمًا، لا يحيط به الخلق.

ويبقى الواجب علينا، أن نبقى أوفياء لهذا الدين, عاملين به، مخلصين له، معتقدين بأنَّ الله ناصرنا إذا نصرنا دينه، (إن تنصروا الله ينصركم) [محمد:7]، مهما تغطرس اليهود وأعداء الإسلام ومهما تبجح حملة الصليب وأهل الشرك، نسأل الله تعالى أن يعجل بنصره، ويعز دينه إنه سميع مجيب.

 

 

 

 

المرفقات

رمضان

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات