اتخذ الأسباب وتوكل على الله

عبدالله بن عياش هاشم

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/دروس من السيرة النبوية في الأخذ بالأسباب 2/أهمية ألأخذ بالأسباب 3/ضوابط الأخذ بالأسباب 4/وجوب التوكل على الله والاعتماد عليه 5/فضائل عشر ذي الحجة والعمل الصالح فيها.

اقتباس

وإنَّ بعضَ الناسِ في هذه الأيامِ ومع هذه الجائحة التي أصابت العالَمَ، قد رَكَنوا إلى الأسباب المادِّيَّةِ، والاحْتِرَازاتِ العَمَلِيَّةِ، وغَفِلُوا عَنْ أَهَمِّ أَسبَاب رَفْعِ البَلاءِ ودَفْعِ الدَّاء، ألا وهو التَّوَكُّل على اللهِ، والتَّضَرُّعِ إلَيه، ودُعائِه أنْ يَكْشِفَ عنَّا الوَبَاء...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فإنَّ اللهَ -تعالى- لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، فقد أَسرَى بِعَبْدِهِ محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المسجد الحرام بمكة إلى بيتِ المقْدِسِ بالشَّامِ، وعَرَجَ الله برسولِهِ محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الأَرْضِ إلى ما فَوْقَ السَّماءِ السَّابِعَةِ، كلُّ ذلكَ في لَيْلَةٍ وَجِيزَةِ ثم رَجَعَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى مكةَ فأَصْبَح فيها بين النَّاسِ يُحَدِّثُهم.

 

لكنَّ الله لما أمَرَ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالهِجْرَةِ، جَعَلَهُ يَتَّخِذُ كُلَّ الأَسْبَابِ المعينَةِ له لِضَمانِ سَلامَتِهِ في هِجْرَتِه، فتَكَتَّمَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الخَبَرِ، فلم يُخْبِر أَحَدًا إلا مَنِ احتاجَ الأمْرُ إليه، وخَرَجَ لَيْلاً خائفًا، واختَبَأَ في الغار وهو يخشى أَن يُدْرِكَهُ النَّاس، وهو في كل ذلك لا ينقطع عن الدعاء والذِّكْرِ والالتجاء والضراعة إلى الله، (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا)[التوبة:٤٠]؛ فالنَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْلَمُ أنَّ الله لو أرادَ لَحَمَلَهُ إلى المدينَةِ آمِنًا مُطْمَئِنًا كما حَمَلَهُ إلى بَيْتِ المقْدِسِ.

 

وفي غَزْوَةِ بَدْرٍ يَصُفُّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَه لِلْقِتَالِ، ثم يقف -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَضَرِّعًا إلى رَبِّه ويَسْتَغِيثُ به أنْ يَنْصُرَ جُنْدَه، وهو على يقينٍ أنْ لو يشاءُ الله لانتصر لجُنْدِه دون إراقَةِ قَطْرَة دمٍ منهم، (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ)[محمد:٤].

 

وفي أُحُدٍ يَضَعُ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خِطَطَه المحْكَمَةِ لِلنَّصرِ، لكنَّ المخَالَفةِ لأمْرِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانَت سَبَبًا في تَحَوُّلِ النَّصرِ إلى هزِيمَةٍ، وتصيبُ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جراحات، ويُقتلُ عَدَدٌ مِن الصحابَةِ -رضي الله عنهم- ويُمثَّلُ بهم، منهم عمُّه حمزة -رضي الله عنه-، (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى: ٣٠].

 

وأحداث السيرة مليئة بأمثال لذلك، لنَعْلَمَ أَهَمِّيَّةَ الأَخْذِ بالأسْبابِ المادِّيَّة مَعَ عدمِ الاعتمادِ عليها والركُون لها، وإنَّما يتَوَكَّلُ العَبدُ على اللهِ، يجْعَلُ الالتجاءَ إلى اللهِ -تعالى- والاستعانةِ به هِيَ المعتمدُ، (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[التوبة:٥١].

 

وإنَّ بعضَ الناسِ في هذه الأيامِ ومع هذه الجائحة التي أصابت العالَمَ، قد رَكَنوا إلى الأسباب المادِّيَّةِ، والاحْتِرَازاتِ العَمَلِيَّةِ، وغَفِلُوا عَنْ أَهَمِّ أَسبَاب رَفْعِ البَلاءِ ودَفْعِ الدَّاء، ألا وهو التَّوَكُّل على اللهِ، والتَّضَرُّعِ إلَيه، ودُعائِه أنْ يَكْشِفَ عنَّا الوَبَاء، (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأنعام:٤٢-٤٣].

 

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنَّ أقْدَارَ اللهِ لا تُدْفَعُ إلَّا بالإقبالِ عليه والتَّوْبَةِ والإِنابَةِ والاضطرار إليه، والخضوعِ والتَّذَلُّلِ بينَ يدَيْهِ -جلَّ وعلا-: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)[النمل:٦٢].

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تعالى- وَأَطِيعُوهُ، واعلموا أنه تُقْبِلُ علينا قريبًا أيامٌ قال عنها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر"(رواه البزار وصححه الألباني).

 

والعمل الصالح فيه أحبُّ إلى الله -تعالى-، روى البخاري في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟" قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: "وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ".

 

ومن أعظم الأعمال فيها: التكبير والتهليل والتحميد في كلِّ وقْتٍ، وكلِّ مكان، قال -تعالى-: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)[الحج:٢٨]، وفي صحيح البخاري: "قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) أَيَّامُ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ"، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهم- يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا.

 

ومما سنَّه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه الأيام الفاضلة ما جاء في صحيح مسلم وغيره من حديث أم سلمة قالت: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ".

 

اللَّهُمَّ اكشِف عن خلْقِك هذا البلاء، وارفَعْ عنْهم الدَّاءَ، واشفي المرضى، وارحم الموتى، وارحمنا برحمَتِك يا رحمن السموات والأرض ورحيمهما.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، واحْفَظْ بِلادَنَا ورجال أمننا وجُنْدَنَا المرَابِطِينَ في الثُّغُورِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَتَنًا ووُلَاةَ أَمْورِنا، واجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ واتَّقَاكَ واتَّبَعَ رِضَاكَ يا رَبَّ العَالَمِين.

 

الَّلهُمَّ إنا نعوذ بك من الفِتَنِ وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللهم إنا نعوذ بك من البلاء والغلاء والربا والزنا، وسيء الأدواء.

 

الَّلهُمَّ اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

المرفقات

اتخذ الأسباب وتوكل على الله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات