إن هذه أمتكم أمة واحدة

د عبدالعزيز التويجري

2024-06-07 - 1445/12/01 2024-06-09 - 1445/12/03
عناصر الخطبة
1/من ثمرات تحقيق التوحيد 2/الأخوة الإيمانية بين المؤمنين 3/شدة عداء اليهود للمسلمين 4/إجرام الصهاينة في غزة 5/الإحساس بالجسد الواحد 5/من وسائل نصرة المستضعفين في غزة.

اقتباس

بلغوا من الاعتداءِ مُنْتهاه، وحقَّقوا من الإجرامِ والطغيانِ أقصاه؛ دماءٌ تُرَاق، وأرواحٌ تُحْصَد، ومستشفياتٌ تُبَاد بمرضاها وجرْحاها، ومخيمات تُحرق بأهلها وأطفالها... اليهود لن يتوقفوا أو يكفوا عن شنِّ الغاراتِ والحروبِ لإبادةِ...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله إيماناً بكماله وجلاله، ويقيناً بعلمه وحكمته، ورضاً وطُمأنينةً بعدله ورحمته، أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبدُ الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً مزيداً.

 

أما بعد: فاتقوا الله ربكم، واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون.

 

التوحيدُ يوحد الأمة ويجمع الكلمة؛ (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[المؤمنون: 92]، وأول عمل بدأ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته إلى المدينة تحقيق التوحيد بالولاء والبراء، يتجلى ذلك بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، أخوةٌ تُبنَى على العقيدةِ والإيمان، ويُؤصِّل معانيها ومبانيها القرآن؛ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الفتح: 29].

 

 توحيدٌ لا يجتمع أبداً ولا يتفق مطلقاً مع مَن يشركوا مع الله أحداً؛ (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)[الممتحنة: 4]، واليهود والنصارى مشركون بالله قد ضلوا ضلالاً بعيداً (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ)[التوبة: 30].

 

التوحيدُ هو دينُ الله -عز وجل- الذي لا يقبل غيره؛ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[آل عمران: 19]، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85]. والقرآنُ العظيم يُقرِّر أنه لا يجتمعُ ولا يتَّفق الموحدون من أهل الإسلامِ مع المشركين من اليهودِ والنصارى؛ (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120]، وأنهم أشدُّ أهلِ الأرضِ عداوةً للمؤمنين؛ (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)[المائدة: 82].

 

وخبرٌ ربانيٌ، وحقائقُ تاريخيةٌ، وأحداثٌ حيةٌ، تؤكدُ أنّ اليهود لن يتوقفوا أو يكفوا عن شنِّ الغاراتِ والحروبِ لإبادةِ المسلمين، وسيظلُ هذا شأْنهم باستهدافِ كلِّ طفلٍ بريء أو امرأةٍ ضعيفةٍ أو جريحٍ يأنّ؛ (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)[البقرة: 217].

 

دمُ المصلين في المحرابِ ينهمرُ *** والمستغيثون لا رجعُ ولا أثرُ

وأهلُ غزةَ باتوا بالعرا جثثا *** دماؤهم في ثراها بعدُ تسْتعرُ

يا أمةَ الحقِ إنّ الجرحَ مُتَّسِعُ *** فهل ترى من نزيفِ الجرحِ نعْتبرُ

 

فواجعُ تَقْرعُ الأسماعَ، ومشاهدُ تُدمعُ العيونَ، ومجازرُ تُدمي القلوبَ، يرتكبُها دهاقنةُ الصهاينةِ ضِدَّ المسلمين والمستضعفين في أرضِ المقدسِ بمددٍ من أئمةِ الكفر؛ (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ)[التوبة: 10].

 

لم يفعل غازٍ أو محتلّ مثلما يفعلُه اليهودُ اليومَ في غزةَ والأرضَ المباركة، من قصف المباني وإحراق المخيمات على اللاجئين النازحين، وليس مَن رأى كمَن سمع. جنونٌ وأعمالُ مجانين إذا ما قِيسَت بمقياس العقل، وعصاباتُ مجرمين إذا ما قُورنت بميزانِ العدل، وهمجيةٌ إذا عُرِضَت على معايير الإنسانية، وهي قبل ذلك وبعده عدوان صارخ وإثمٌ وبغيٌ وطغيانٌ إذا ما قِيسَت بمقياس الدين والحق؛ (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ).

 

بلغوا من الاعتداءِ مُنْتهاه، وحقَّقوا من الإجرامِ والطغيانِ أقصاه.. دماءٌ تُرَاق، وأرواحٌ تُحْصَد، ومستشفياتٌ تُبَاد بمرضاها وجرْحاها، ومخيمات تُحرق بأهلها وأطفالها.

 

    كبَّلوهم قتلوهم مثَّلوا *** بذواتِ الخدرِ عاثوا باليتامى

    ذبحوا الأشياخَ والمرضى ولم *** يرحموا طفلاً ولم يُبقوه غُلاما

    هدموا الدُّور استحلُّوا كلما *** حرَّم الله ولم يَرْعَوْا ذِمَاما

     أين من أضلاعنا أفئدةٌ *** تنصرُ المظلومَ تأبى أن يُضاما

     نسألُ اللهَ الذي يكلؤنا *** نصرةَ المظلومِ شيخاً أو أيَامى

 

 (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)[إبراهيم: 42].

 

 هِيَ الأيّامُ والغِيَرُ  *** وَأَمْرُ اللَّهِ مُنْتَظَرُ

 أَتَيْأَسُ أَنْ تَرَى فَرَجًا *** فَأَيْنَ اللَّهُ وَالقَدَرُ؟

 

إنّ معَ العُسرِ يُسراً، وإنَّ للكربِ نهايةً، وإنَّ الظُلْمةَ تحملُ في أحشائِها الفجرَ المنتظر؛ وعدٌ من الله؛ (لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ)[إبراهيم: 13- 14]، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ)[الأعراف: 167]، (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا)[آل عمران: 112].

 

اليهودُ لا يملكون أرضًا، ولا يسكنون قُطرًا؛ ففي صحيح البخاري، قال أبو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي المَسْجِدِ؛ إذ خَرَجَ علينا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ"، فَخَرَجْنَا حَتَّى جِئْنَاهُمْ، فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ، فَمَنْ يَجِدْ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ".

 

فاليهودُ لا مُقامَ لهم في أرضِ المقدسِ، وإن طالَ الزمنُ في أعيننا، في صحيح مسلم؛ "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ"؛ (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا)[الإسراء: 51].

 

لا يأس يسكنُنا، فإن كبُرَ الأسى *** وطغى، فإنّ يقينَ قلبي أكبرُ

في منهجِ الرحمنِ أمنُ مخاوفي *** وإليه في ليلِ الشدائدِ نجأرُ

وإن عرفَ التاريخُ أوساً وخزرجاً *** فلِلَّه أوسٌ قادمون وخزرجُ

 

(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[المنافقون: 8].

واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه؛ إن ربنا لغفور شكور.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى.

 

أَمَّا بَعْدُ: إنّ مما يبعثُ الأملَ ويقوي العزائمَ ما جلّته عقيدة التوحيد في قلوب المسلمين، مما سطّره كثيرٌ من المسلمين في الأقطارِ والأمصارِ من التفاعلِ والتنادي للدعوةِ لنُصرةِ المسلمين والمستضعفين في غزةَ على اليهودِ المعتدين المحتلين، وأعوانِهم من النصارى المشركين.

 

 وحاشا لأُمّةٍ أن تتخاذلَ أو تتقاعسَ وهي تسْتيقنُ أمرَ ربها؛ (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)[الأنفال: 72].

 

لما سيَّرَ عمرُ الفاروقُ -رضي الله عنه- جيشاً لملاقاةِ الفرسَ في نهاوند، بقيادةِ النعمان بن مُقَرّن، وبعث معه أجلّاء الصحابة، فلما سارتِ الجيوشُ وانقطعتِ الأخبارُ، جعلَ عمرُ لا ينامُ إلا غفوات، وكانَ يخرج كلَّ غداةٍ إلى ضواحي المدينةِ يتحسسُ أخبارَ المسلمين وينتظرُ بشاراتِ النصرِ.

 

فلما رأى رجلاً قادماً على فرسٍ تبِعهُ عمرُ يقولُ لهُ: ما وراءك؟ قال: فتحَ اللهُ على المسلمين واستشهدَ الأميرُ، فقال عمرُ: إنا للهِ وإنا إليهِ راجعون، وعرضَ عليه غنائمَ نهاوند. لكنَّ عمرَ لم يأْبه لكلِ هذا، بلِ اعتلى المنبرَ، ونعى إلى المسلمين النعمانَ بن مُقَرن، وبكى حتى نشج.

 

وقد نعى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قبلَه على المنبرِ قُوّادَ المسلمين بمؤتة.. هذا هو الإحساسُ بالجسدِ الواحد؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى، (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)[المؤمنون: 52]، وحين يُسجل التاريخُ مواقفَ العزِ والكرامةِ لنفرٍ من المسلمين، فسيُسجلُ مواقفَ الذلِ والخذلانِ لآخرين.

 

فتحسسوا أخبارَ إخوانِكم، وادْعوا لهم في صلواتِكم وخلواتِكم، ولا يُنْسِينّكم ما أنتم فيه من خيرٍ وعافيةٍ وأمنٍ ورغدِ عيشٍ مُصابَهم؛ فإن المصاب جَلل، وإنّ اللهَ يبتلي بالسراءِ والضراء؛ (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة: 56].

 

قال شيخ الإسلام: "والقتال يكون بالدعاء كما يكون باليد"، وفي البخاري "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ". وَكَان المسلمون يَقُولُونَ فِي الْمَغَازِي لِلْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ: يَا بَرَاءُ اقْسمْ عَلَى رَبِّكَ، فَيُقْسِمُ عَلَى رَبِّهِ فَيُهْزَمُ، ثُمَّ فِي آخِرِ غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَالَ: " أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَبِّ لَمَا مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ، وَجَعَلْتَنِي أَوَّلَ شَهِيدٍ"؛ فَاسْتُشْهِدَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

 

فاستحثوا أمهاتكم وأولادكم، والصالحين من عبادكم بالدعاء والنصر؛ "فإنما تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ بِضُعَفَائِكُمْ"(أخرجه البخاري).

 

اللهم منزل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب؛ اهزم اليهود والنصارى والبوذيين، وارفع البلاء والظلم والقتل عن المسلمين، اللهم كن للمستضعفين والمضطهدين والمشردين من المسلمين عونًا ونصيرًا.

 

اللهم كُفَّ بأس الذين كفروا.

 

اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا.

 

المرفقات

إن هذه أمتكم أمة واحدة.doc

إن هذه أمتكم أمة واحدة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات