عناصر الخطبة
1/ أحب ما يتقرب به العبد إلى ربه 2/ منزلة الصلاة في الإسلام 3/ ثمرات إقامة الصلاة في حياة المسلم 4/ أعظم الناس أجرًا في الصلاة 5/ فضائل الصلاة جماعة في المساجد 6/ التحذير من التهاون في صلاة الجمعة.اقتباس
هل تشكو من أحزان؟ هل تصيبك واردات شيطانية؟ هل تعاني من أمراض؟ هل تتألم من قلة الرزق ونزع البركة؟ هل تشكو من قلة الرزق؟ علاجك من ذلك بالصلاة، في تسبيح وتكبير، وركوع وخضوع، وسجود وذل، ودعاء ومناجاة، فـ"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، إنها الصلاة -يا عباد الله- ركن الدين وعموده،.. الصلاة نور في الوجه، وانشراح للصدر، وصلاح للبدن، وتطهير للذنب ومصدر للقوة ومجلبة للرزق.. ولا دين لمن لا صلاة له، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له ملك السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، أحمده سبحانه وبحمده وسع كل شيء رحمة وعلما، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى كلمة التقوى صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أئمة العلم والهدى وعلى من تبعهم بإحسان واقتفى.
أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله حق التقوى وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمع ويرى، وقوموا رحمكم الله بفرائضه كما أمركم، واشكروه على ما هداكم وعلمكم ووفقكم ورزقكم.
عباد الله: ما أحسن أن نحاسب أنفسنا على الفرائض! وما أجمل أن نذكرها بعظيم ما أوجب الرب -تبارك وتعالى- علينا!، فالفرائض أحب ما يتقرب به العبد إلى ربه ولاسيما ما كان منها غير مرتبط بموسم ولا موقوف على مناسبة ولا هو قد فرض في العمر مرة ولا في العام مرة، بل ولا في اليوم والليلة، ولكنه في اليوم والليلة خمس مرات.
إنها فريضة عظيمة فُرضت على كل مكلف من المسلمين، يستوي في ذلك الأغنياء والفقراء، والمرضى والأصحاء، والذكر والأنثى ما عدا الحائض أو النفساء.
إنها الصلاة -يا عباد الله- التي مهما تحدث الإنسان عنها فلن يوفيها حقها، إنها ركن الدين وعموده، ولا دين لمن لا صلاة له، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فـ"رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة"، ومن ترك صلاة مكتوبة متعمدًا برأت منه ذمة الله.
و"لقد كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة"، وفي كتاب الله تعظيم لشأن هذه الفريضة فوق جميع العبادات فإنه –سبحانه- يخصها بالذكر تارة، ويقرنها بالزكاة وبالصبر وبالنسك (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) [البقرة: 45] (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) [البقرة: 43]، (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 3]، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:163].
وتارة يفتتح بها أعمال البر ويختمها بها (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون: 1- 11].
يا أهل الإسلام! الصلاةَ الصلاة؛ فإنها أول ما فرض على نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- من الفرائض، وآخر ما أوصى به -عليه الصلاة والسلام- أمته وهو في وداع من الدنيا حيث قال: "الصلاةَ الصلاة وما ملكت أيمانكم".
يا أهل الإسلام! الصلاةَ الصلاة، فأول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر.
يا أهل الإسلام! الصلاةَ الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها في أوقاتها؛ فقد حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
يا عباد الله: الصلاة شِيَم الأنبياء وشعار الأولياء (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [الأنبياء:73]، وبها أوصى الأنبياء ووصى الحكماء، قال عيسى عليه السلام (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) [مريم: 31].
وقال لقمان لابنه (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ) [لقمان: 17] وقال تعالى عن إسماعيل: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ) [الأنبياء: 55].
أيها المسلمون: الصلاة عهد وميثاق في الكتاب (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) [النساء: 103]، إنها ناهية عن الفحشاء والمنكر لمن أقامها (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [العنكبوت: 45].
إنها عون وسبب للإعانة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) [البقرة: 153].
الصلاة -يا عباد الله- نور في الوجه، وانشراح للصدر، وصلاح للبدن، وتطهير للذنب ومصدر للقوة ومجلبة للرزق، (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه:132].
هل تشكو من أحزان؟ هل تصيبك واردات شيطانية؟ هل تعاني من أمراض؟ هل تتألم من قلة الرزق ونزع البركة؟ هل تشكو من قلة الرزق؟ علاجك من ذلك بالصلاة، في تسبيح وتكبير، وركوع وخضوع، وسجود وذل، ودعاء ومناجاة، فـ"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، فأكثروا فيه من الدعاء فحري أن يستجاب لكم (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق: 19].
الصلاة هي المفزع إذا حزب الأمر، هي الملجأ إذا مس اللغوب "أرحنا بها يا بلال"، (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة: 45]، نعم إنها صلاة أهل الخشوع والخضوع والذل بين يدي الذي (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الشعراء:218- 220].
إنها صلاة الرجال حقا (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور:37].
إنها صلاة المحبين لبيوت الله المحافظين على الجماعة، لا يُقعدهم عن الصلاة ظلمةُ ليل ولا ووعورة طريق، ولا طمع دنيا، ولا حديث مخلوق "إن أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم"، "بشر المشائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة".
يقومون من فُرشهم لصلاة الفجر؛ رغبةً لعظيم الأجر، يرجون رحمة الله، ويخافون عذابه أولئك هم الرجال المفلحون، خطاهم إلى المسجد حسنات وجلوسهم في بيوت الله من ربهم رحمات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من غدا إلى المسجد أو راح، أعدَّ الله له في الجنة نُزلاً كلما غدا أو راح".
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات"، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذالكم الرباط فذالكم الرباط".
فهنيئًا لهم ذنوب مغفورة، وأجور مضاعفة، وحسنات ودرجات ومحو للخطيئات، قال -عليه الصلاة والسلام-: "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟" قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهم الخطايا".
المحافظون على صلاة الفجر في أوقاتها للرجال مع الجماعة في المسجد، والنساء قبل أن تطلع الشمس، هؤلاء محفوظون بحفظ الله، معانون على الخير، مُوفَّقون للبر، قال -عليه الصلاة والسلام-: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقَد يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان"، فهذا من الجزاء الدنيوي وما عند الله خير للأبرار.
جعلني الله وإياكم ممن يحافظون على صلاتهم ووفقنا لصالح القول والعمل، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الغني الحميد ذو العرش المجيد الفعال لما يريد.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الحميد، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله أفضل من دعا إلى الإيمان والتوحيد، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان.
أما بعد: فاتقوا الله يا عباد الله، اتقوا الله في صلاتكم وأتموا ركوعها وسجودها، وأكملوا خشوعها يكفر ربكم عنكم من سيئاتكم ويعظم لكم أجرا.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يأتِ كبيرة وذلك الدهر كله".
فيا عباد الله! عظموا الصلاة، وأدوها في أوقاتها، الرجال جماعة في بيوت الله ذلكم أزكى لكم عند ربكم.
و"من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله"، و"صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة".
وحذارِ أيها الرجال حذارِ من التغيب عن المساجد وترك الصلاة في جماعة، فلقد جاء رجل أعمى فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُرخِّص له أن يصلي في بيته، فقال: "هل تسمع النداء للصلاة؟" فقال: نعم، قال "فأجب".
وقال عليه الصلاة والسلام: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم".
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم -صلى الله عليه وسلم- سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف".
أما صلاة الجمعة فجاء التحذير من تركها أو التهاون بشأنها، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين".
كما وعد المغتسل لها والمبادر بالحضور إليها دون أذى للمصلين بمغفرة ما بينه وبين الجمعة الأخرى كما في الصحيح عند البخاري.
وفي صحيح مسلم عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".
ألا فاتقوا الله أيها المسلمون في صلواتكم، وأدوها في أوقاتها كما أُمرتم، وافرحوا بفضل الله، عليكم وما منَّ عليكم بالثواب والأجر والحسنات والدرجات وأنواع القربات، جعلني الله وإياكم ممن هم على صلاتهم دائمون، وللخيرات يسابقون، ولشعائر الله الواجبة يعظّمون.
اللهم اجعلنا وذرياتنا مقيمين للصلاة..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم