عناصر الخطبة
1/ كثرة تكالب الأعداء على المسلمين 2/ الثقة واليقين بنصر الله للإسلام والمسلمين 3/ أهمية الثقة بالله والفزع إليه لا إلى سواه 4/ ركائز نصر الله للأمة المسلمة 5/ شدة الحاجة لتربية إيمانية جادة تستنقذ الأمة من رقدتها.اقتباس
بهذه العقيدة بهذا الإيمان بهذه الثقة واجه المسلمون أعداءهم على قلة العدد والعدة، لم يقاتلوهم بسلاح كسلاح الإيمان حتى قال قائلهم: "يا قوم تعلمون أنكم لا تقاتلون القوم بعدد ولا عدة، ولكن بهذا الدين"، وهكذا تكون الثقة بالله وحسن الظن بالله والإيمان بالله، والتي تتحطم على صخرتها سهام التخويف والإرجاف سهام الظنون السيئة التي تهدم، ولا تبني وتجعل المرء يعيش حياة ملؤها الخوف، وهذا لا يعني ألا يستعد المسلمون لأعدائهم، بل يجب عليهم أن يبنوا قوة بشرية وقوة عسكرية وقوة تقنية وقوة فكرية يواجهون بها الأعداء، لكن تظل القوة الإيمانية هي الركيزة الأساسية للنصر وهي القوة التي لا تغلب...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن ند وظهير، وتقدس عن معاون وزير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه.
صلَّى عليك الله يا خيرَ الورى *** تعداد حبات الرمال وأكثرا
صلَّى عليك الله ما غيثٌ همى *** فوق السهول وبالجبال وبالقرى
يا خير مبعوث بخير رسالةٍ *** للناس يا خير الأنام وأطهرا
اللهم صلّ وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].
عباد الله: أيام عصيبة وأحداث جسام وأهل كفر وإجرام يجمعون لأهل الإسلام يريدون القضاء على الدين الذي أراد أن يكون مهيمنًا على سائر الأديان، وأنى لهم ذلك وقد قضى من تمَّت كلمته صدقًا وعدلاً أن يكون الإسلام ظاهرًا على كل الأديان، قال ربنا -جل وعلا-: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف: 8- 9].
سيظهر الله الدين ويمحق الكافرين والمنافقين، لكنه ربما ابتلى عباده المؤمنون بتسلُّط الكافرين ليمحِّص الذين آمنوا ويتخذ منهم شهداء.
قال الله: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 140- 141].
ونحن عندما نرى أعداء الإسلام يخطِّطون ويمكرون بالليل والنهار نتذكر قول الله: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30].
نتذكر قول عبد المطلب لأبرهة: "للبيت رب يحميه"، فنقول: للدين رب يحميه، وللإسلام رب يحميه، لا نخاف جند الشيطان وحزبه؛ لأننا نستمد العون والقوة من القوي القادر الذي قال في كتابه: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:175].
لا نخاف جند الشيطان وحزبه؛ لأننا نؤمن بما نطق به الصادق المصدوق -عليه الصلاة والسلام- عندما قال للغلام الصغير ابن عباس -رضي الله عنهما-: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".
لا نخاف جند الشيطان وحزبه؛ لأننا نأوي إلى ركن ركين وحصن حصين إلى رب العالمين، على هذا سار أسلافنا الكرام من الرسل والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ومن الصحابة والأئمة الأعلام.
هذا نوح -عليه الصلاة والسلام- لما كذَّبه قومه واتهموه بالجنون ولم ينقادوا لدعوته على طول سنين الدعوة، دعا ربه فكان نعم المجيب قال ربنا -جل وعلا-: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) [القمر: 9- 12].
وموسى -عليه السلام- لما هرب بقومه من فرعون تبعهم فرعون وجنده فإذا بالبحر أمامهم وفرعون ورائهم عندها قال أصحاب موسى (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) قال الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- الذي يعلم أن له نصيرًا ومعينًا (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء:62]، ثقة بالله لا تتزعزع حتى في أصعب اللحظات.
وهذا نبينا -عليه الصلاة والسلام- في غزوة بدر يفزع إلى الركن الشديد والرب المجيد ويقول: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك"، ولما حمي الوطيس قال: "اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تُعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً" حتى سقط ردائه عن منكبيه، فقال له الصديق -رضي الله عنه-: "حسبك يا رسول الله لقد ألححت على ربك".
وما هي إلا لحظات ويغفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إغفاء، ثم يرفع رأسه ويقول: "أبشر يا أبا بكر! أتاك النصر هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النقع"، ثم خرج من العريش وهو يثب في الدرع ويقول: "سيُهزم الجمع ويولون الدبر".
ولما أرسل له أبو سفيان يقول: "إنا قد جمعنا الكرة لنستأصله ونستأصل أصحابه"، أي: يريدون الانتقام ليوم بدر، اتجه -عليه الصلاة والسلام- إلى الله وقال: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، قال الله: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران: 173- 174].
وعلى هذا الطريق؛ طريق الثقة بالله والفزع إليه لا إلى سواه سار أصحابه -رضي الله عنه- وأئمة الإسلام إذا تكالب الأعداء عليهم.
هذا خالد بن الوليد -رضي الله عنه- في معركة من المعارك اشتد القتال وأصاب الكفار من المسلمين، وكاد الجيش الإسلامي أن ينتصر وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فيقول أحدهم لخالد بن الوليد سيف الله المسلول: "يا خالد إلى أين الملتجى؟ أإلى سلمى أم إلى أجا؟ فيقول خالد -رضي الله عنه-: لا إلى سلمى ولا إلى أجا، بل إلى الله الملتجى.. بل إلى الله الملتجى".
هذا الذي يعرف من يفزع إليه، هذا الذي وثق بربه هذا الذي سكن الإيمان في قلبه صدق والله "إلى الله الملتجى".
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لما نزل التتار ببلاد الشام يقف على المنبر ويخطب الناس خطبة عظيمة يقوي إيمانهم بالله ويعدهم بالنصر حتى قال: "والله لننتصرن"، فيقول الذين أمامه: "قل: إن شاء الله"، فيقول: "إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا".
عباد الله: بهذه العقيدة بهذا الإيمان بهذه الثقة واجه المسلمون أعداءهم على قلة العدد والعدة، لم يقاتلوهم بسلاح كسلاح الإيمان حتى قال قائلهم: "يا قوم تعلمون أنكم لا تقاتلون القوم بعدد ولا عدة، ولكن بهذا الدين"، وهكذا تكون الثقة بالله وحسن الظن بالله والإيمان بالله، والتي تتحطم على صخرتها سهام التخويف والإرجاف سهام الظنون السيئة التي تهدم، ولا تبني وتجعل المرء يعيش حياة ملؤها الخوف.
وهذا لا يعني ألا يستعد المسلمون لأعدائهم، بل يجب عليهم أن يبنوا قوة بشرية وقوة عسكرية وقوة تقنية وقوة فكرية يواجهون بها الأعداء، لكن تظل القوة الإيمانية هي الركيزة الأساسية للنصر وهي القوة التي لا تغلب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال: 60]، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين..
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيا معاشر المسلمين: لقد أدرك أعداء الإسلام أن الإيمان لا يُغلَب، وأن المعتقد الصحيح لا يُحارَب، وأن مَن تحلى بالأخلاق الفاضلة لا يُهزَم لذا سعوا في تدمير الإيمان في قلوب المسلمين، وإفساد أخلاقهم وعزلهم عن مصادر العز التي يستقون منها النصر، فأبعدوهم عن كتاب ربهم وسنة نبيهم وتاريخهم المشرق تارة باسم الحرية الفكرية، وتارة باسم الحضارة والمدنية، أخرجوهم من المساجد إلى الملاعب وأشغلوهم عن القرآن والسنة بالمواقع؛ جعلوا الشاب يتنكر لدينه حتى تطاول من تطاول على الله ورسوله، وجعلوه يتنكر لعروبته حتى ارتمى من ارتمى في أحضان الغرب، وجعلوه يتنكر لمجتمعه حتى تخلى الكثيرون عن عاداتهم الأصيلة لبسوا لباس الكفار، وتكلموا بألسنتهم، وقصوا شعورهم مثلهم، احتفلوا بما به يحتفلون، وفرحوا بما به يفرحون، ومشوا خلفهم حذو القذة بالقذة.
وعملوا على إفساد المرأة المسلمة؛ لأن إفسادها إفساد للمجتمع حتى تخلىت عن حجابها أو تلاعبت به، وخرجت من بيتها لتخالط الرجال وتحادثهم، ولو عملت في مهنة وضيعة، ولو تعرضت للابتزاز، ولو اعتدى الفجرة على عرضها وشرفها، ولو كانت الوظيفة لا تتناسب مع أنوثتها.
عباد الله: لقد ربَّى الله -جل وعلا- الصحابة إيمانيًّا قبل أن يفرض عليهم الجهاد فأوجب عليهم قيام الليل عامًا كاملاً، هكذا تربى الأمة ويُربى بالجيل بتحمل العظائم.
ونحن اليوم بحاجة ماسة لتربية إيمانية جادة تستنقذ الأمة من رقدتها، وتُعيد الجيل للطريق الصحيح، وتبصِّر الأمة كافة بخطورة المرحلة التي نعيشها.
عباد الله: إن المسلمين سيظلون نهبًا لأعدائهم ما داموا مبتعدين عن كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-.
وإنك لتعجب من أولئك الذين يرون البلاد تخوض معارك صعبة في الداخل والخارج، وما زالوا يحلمون لواء الإفساد ويدعون لتغريب المجتمع وصدّه عن الدين الحق، لا رفع الله لهم قدرا ولا أتم لهم أمراً.
عباد الله: وصلوا وسلموا على خير الورى امتثالا لأمر الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
قال -عليه الصلاة والسلام-: "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً"،
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض الله عن الصحابة الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة أجمعين وعن التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين، اللهم أنت الملاذ وأنت المعاذ بك نصول وبك نجول وبك نقاتل، اللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل.
اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أدر عليهم دائرة السوء يا رب العالمين، اللهم انصر جنودنا في الحد الجنوبي، اللهم احفظهم وأيدهم وأعنهم وثبّت أقدامهم وانصرهم على الحوثيين المجرمين يا رب العالمين.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لإخواننا في الشام، اللهم انتصر لأهل السنة في العراق، اللهم انتصر لأهل السنة في الأحواز، اللهم انتصر للمستضعفين في فلسطين وفي بورما وفي كل مكان يا قوي يا قادر.
اللهم احفظنا بحفظك واحرسنا وجميع المسلمين بعينك التي لا تنام، اللهم إنا نعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وفجاءة نقمتك وتحول عافيتك وجميع سخطك.
اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم أصلح نساء المسلمين، اللهم أصلح شيب المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين عامة.
اللهم أبدل هذه الحال بحال خير منها، اللهم أبدل هذه الحال بحال خير منها، اللهم أرنا عز الإسلام، اللهم أرنا عز الإسلام قبل الممات، اللهم أرنا عز الإسلام قبل الممات، اللهم أرنا عز الإسلام قبل الممات.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام وجنبنا الفواحش والآثام.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 180- 182].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم