عناصر الخطبة
1/ اهتمام المسلم بالمعاد والخلود فيه أكثر من اهتمامه بالدنيا الفانية 2/ سبيل إصلاح المعاداقتباس
إن إصلاح المعاد صنو إصلاح المعاش، ولا تستقيم حياة المسلم حتى يصلح معاده كما يصلح معاشه، فإن المؤمنين لا يعملون للحياة الدنيا فقط، بل هم يعملون لها، ويعملون للحياة الآخرة أكثر.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المؤمنون: اتقوا الله ما استطعتم، وقولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، واعملوا لإصلاح معادكم كما تعملون لإصلاح معاشكم؛ فإن إصلاح المعاد صنو إصلاح المعاش، ولا تستقيم حياة المسلم حتى يصلح معاده كما يصلح معاشه، فإن المؤمنين لا يعملون للحياة الدنيا فقط، بل هم يعملون لها، ويعملون للحياة الآخرة أكثر.
قال -تعالى- (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى:16-17]، فخير لأحدنا وأبقى لمنفعته أن يكون عمله لإصلاح معاده في الآخرة أعظم من عمله لإصلاح معاشه في الدنيا.
وإن السعي المحمود لابتكار رؤيا تستصلح بها أحوال الناس في معاشهم فيما يوضع لهم من خطط اقتصادية ينبغي ألا تحول بيننا وبين إصلاح معادنا بالنظر إلى ما تستقيم به أحوالنا إذا صرنا إلى ربنا -سبحانه وتعالى-؛ فإن هذه الحياة الدنيا، وإن عشنا ما عشنا، امتدت بنا الأعمار أو قصرت، كنا فيها في حال سعة أو حال ضيق، فإنها تنتهي إلى حد محدود، وأجل مقضي.
وأما الدار الآخرة فإنها أبد الآباد، وإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نعت لنا من السبيل ما إن سلكناه صلح لنا معادنا عند ربنا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".
فسبيل إصلاح المعاد بأن يحل أحدنا نفسه في هذه الدنيا منزلة من منزلتين، فالمنزلة الأولى منزلة الغريب الذي يحط في أرض فيقيم في بلد مدة منتهية، فهو يقيم فيها ثلاث سنوات أو أربع سنوات، لكن عزمه منعقد على العود إلى بلده، وهو في هذه البلد التي يقيم فيها غريب، مجمع نيته على أن يعود إلى بلده.
فحقيق بالمسلم أن يعيش في هذه الحياة الدنيا حياة الغريب التي ينزل نفسه دار الحياة الدنيا مدة منقطعة ويتحول بعدها إلى داره الأولى وهي الجنة.
والمنزلة الثانية أن يحط نفسه منزلة عابر السبيل، وهو المسافر الذي يقطع مراحل سفره فيدخل في بلد ثم يخرج منها، ما يلبث فيها إلا قليلا، بقدر ما يقطع فيها سيره في سفره.
وهذه المرتبة أعلى من المرتبة الأولى، فإن الغريب يتعلق في البلد التي يكون فيها يسيرا، وأما عابر السبيل فإنه لا يلتفت إليها أبداً، وإنما يمر بها مرورا، ثم يخرج منها سريعا.
فحقيق بالمسلم أن ينزل نفسه بالدنيا منزلة الغريب أو منزلة عابر السبيل؛ لعلمه بأنه يصير إلى الله -سبحانه وتعالى-، وأن الدار الآخرة هي الدار التي يكون فيها المقام، فإما جنة وإما نار.
فاسعوا -أيها المؤمنون- لإصلاح معادكم، كما تسعون لإصلاح معاشكم.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، رب السماوات ورب الأرض رب العرش العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، حجته على خلقه، ورحمته المهداة إلى العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المؤمنون، إن من دعاء أحدنا: "اللهم أصلح لي معادي، وأصلح لي معاشي"، وإن صدق الدعاء والرغبة يكون بالسعي في إصلاح المعاش والمعاد معا.
فاجعلوا لأنفسكم حقا من إصلاح معادكم كما تجعلون لها حقا من إصلاح معاشكم، واملؤوا قلبوكم بهمّ إصلاح المعاد بأعظم من ملئها بهمّ إصلاح المعاش، فمدة المعاش في الدنيا مدة قليلة وإن طالت، وأما مدة البقاء في الآخرة فإنها مدة ممدودة لا انقضاء لها، وإن أحدنا إذا سمت نفسه في إصلاح معاشه في الدنيا يوما صلح له يوم آخر.
وأمة كبوت الجواد إصلاح المعاد في الآخرة فإما نجاة إلى دار هي الجنة، وإما خسار إلى دار هي النار، وان الدنيا ولت مدبرة، وإن الآخرة جاءت مقبلة، وإن لكل منهما بنين، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فاليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل.
اللهم أصلح لنا معاشنا ومعادنا، اللهم أصلح لنا معاشنا ومعادنا، اللهم أصلح لنا معاشنا ومعادنا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم