إدخال السرور على المسلم

إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني

2024-06-21 - 1445/12/15 2024-06-24 - 1445/12/18
عناصر الخطبة
1/عبادة عظيمة يغفل عنها كثير من المسلمين 2/إدخال السرور على قلب مسلم 3/أعمال وأمور تُدْخِل السرور على المسلم.

اقتباس

ما أعظم أثر هذه الابتسامة في نفس جرير! لم ينسها فحدَّث الناس بها، فليكن لنا في الحبيب قدوة؛ فمن حولك بحاجة إلى ابتسامتك، فلا تَحرمهم، واستحضر عظيم الأجر الذي وعدت به، ويفرحون بحال يسير، فهم يتعبَّدون...

الخُطْبَة الأُولَى:

 

الحمد لله الذي أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وخلق الزوجين الذكر والأنثى، وأرانا في خلقه وأمره شيئًا من عظمته، وأرانا في آياته ما يدل على وحدانيته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، السراج المنير، والبشير النذير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولي الفضل والنهى، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الملتقى.

 

أما بعد: التقوى جماع الخير كله؛ لذا تكرر في القرآن والسنة الأمر بها؛ فهي سبيل الرشاد والفلاح في الدنيا والآخرة؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].

 

عبادة عظيمة يغفل عن عظيم فضلها كثيرٌ من الناس؛ لانشغالهم بصعوبات الحياة، هي سبب من أسباب أُنسهم وسعادتهم، وسبب تآلفهم وتراحمهم وتوادهم، عبادة من أحَبِّ العبادات إلى الله، مَن عمل بها أحبَّه الله وأحبَّه الناس، ومن عمل بها فَرِح الناس بمقدمه وسألوا عنه عند غيبته، تلكم العبادة هي إدخال السرور على قلب مسلم.

 

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أحَبُّ الناس إلى الله أنفعُهم، وأحَبُّ الأفعال إلى الله سرورٌ تُدخِله على قلب المسلم"(حسَّنه الألباني).

 

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من لقي أخاه المسلم بما يحب ليَسُره بذلك سرَّه الله عز وجل يوم القيامة"(رواه الطبراني في الصغير وإسناده حسن، كما في مجمع الزوائد).

 

وسُئل رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أيّ الأعمال أفضل؟ قال: "إدخال السرور على مؤمن، أو أن تُشبع جوعته، أو أن تستر عورته".

 

وسئل بعض الصحابة -رضوان الله عليهم-: ما بقي لك من لذات الدنيا؟ قال: "إدخال السرور على الإخوان".

 

وسئل الإمامُ مالكٌ إمام دار الهجرة -رحمه الله- عن: أيّ الأعمال تحب؟ قال: "إدخال السرور على المسلمين".

 

وكلما قربت المنزلة تأكد الحق، قال -تبارك وتعالى-: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[الأنفال: 75]، ألا فلنحرص على هذه العبادة الجليلة؛ فثمرة العلم العمل.

 

ومما يدخل السرور على المسلم أمور كثيرة؛ منها:

الابتسامة فهي بريد المحبة وعنوان الرضا قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: "وتبسُّمك في وجه أخيك صدقة"، قال جرير بن عبدالله البجلي -رضي الله عنه-: "ما حجبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أسلم ولا رآني إلا تبسَّم في وجهي".

 

ما أعظم أثر هذه الابتسامة في نفس جرير! لم ينسها فحدَّث الناس بها، فليكن لنا في الحبيب قدوة؛ فمن حولك بحاجة إلى ابتسامتك، فلا تَحرمهم، واستحضر عظيم الأجر الذي وعدت به، ويفرحون بحال يسير، فهم يتعبَّدون الله بإدخال السرور على المسلمين كما يتعبدونه بالصلاة والزكاة والصيام والحج.

 

ومن ذلك الهدية؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تهادوا تحابوا"، وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يَهدي ويُهدى إليه؛ فالهدية للكبير تفرحه وتَسُرُّه وتعيد العلاقة لصفائها، والهدية للأطفال تؤلِّف قلوبهم، وتُدخِل السرور على والديهم، فمرة جيء للنبي -عليه الصلاة والسلام- بثوب له أعلام -أي خطوط- فقال عليه السلام: "أين أم خالد -وهي طفلة صغيرة بنت لأبي العاص- كانت وُلدت في الحبشة، فألبسها النبي -عليه السلام- الثوب وهي تنظر لهذه الخطوط فرِحةً مغتبطةً، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لها: "هذا سَنَا يا أمَّ خالد، هذا سَنَا يا أمَّ خالد"، وسَنا في لغة الحبشة: هذا ثوب جميل، فبالله ما أثر الهدية على الطفلة؟! وما أثرها على والديها؟!

 

ومَرَّ بعض السلف على صبية يلعبون فاشترى جوزًا -وهو نوع من الحلوى- وفرَّقه عليهم، ولما سُئل: لِمَ فعلت ذلك؟ قال: "أكسب أجرًا، ويفرحون بمال يسير".

 

ومما يدخل السرور على المسلم:

إخبار المسلم بمنزلته عندك وحبّك له؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رجلاً كان عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمَرَّ به رجال، فقال: يا رسول الله، إني لأحب هذا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أعلمته؟"، فقال: لا، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "أعْلِمْه"، فلحق به فقال: إني أحبّك في الله، فقال: أحَبَّك اللهُ الذي أحببْتَني فيه.

 

وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أحَبَّ الرجل أخاه فليُخبِره أنه يحبُّه".

 فكم من أخوين متحابَّين بجلال الله فرَّطا في هذه السنة النبوية، ومن إدخال السرور التهنئة بعيد أو مولود، أو سلامة من مرض أو قدوم من سفر.

 

ومما يدخل السرور على الناس: البشارة؛ فقد بشَّر الله عباده المتقين فقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر: 17، 18].

 

بل رسولنا الكريم بعثه الله بشيرًا ونذيرًا، قال -تعالى-: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ)[البقرة: 119].

 

وقد بشَّر النبي -عليه الصلاة والسلام- بعض صحابته بالجنة، فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في حائط المدينة على قُفِّ البئر مدليًا رجليه في البئر، فدقَّ الباب أبو بكر -رضي الله عنه- مستأذنًا، فقال رسول الله: "ائْذَن له وبشِّرْه بالجنة"، ثم عمر مثل ذلك، ثم عثمان مثل ذلك، إلا أنه قال في عثمان: "ائْذَن له وبشِّرْه بالجنة، وسيلقى بلاءً".

 

وعلى هذا سار الصَّحْب الكِرام، ففي ليلة من الليالي دخل الرسول -عليه الصلاة والسلام- المسجد ومعه الشيخان أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما-، وإذا بابن مسعود يصلي ويقرأ في النساء، ثم انتهى ابن مسعود، ودعا فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اسأل تُعْطه، اسأل تُعْطه"، وابن مسعود لا يعلم عن كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا دعائه شيئًا، وقال -عليه السلام-: "من أراد أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزِل فليقرأ بقراءة ابن أُمِّ عَبْد"؛ فسُرَّ الشيخان بما سمعا ورأيا، وتسابقا في الصباح لإخبار ابن مسعود، فسبق أبو بكرٍ عمر -رضي الله عنهما-.

 

بل إن تعجب فاعجب من هذا الخبر في قصة كعب بن مالك لما تخلَّف عن غزوة تبوك، وامتنع الناس عن الكلام معه فترة من الزمن بأمر المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، ثم جاء الفرج والتوبة، استمع له وهو يروي قصته -رضي الله عنه- وهي في الصحيحين: "سمعت صوت صارخٍ يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر؛ فذهب الناس يبشروننا، قال: فانطلقت أتأمَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يتلقَّاني الناس فوجًا فوجًا، يهنئونني بالتوبة، ويقولون: لِتهْنِك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسٌ في المسجد وحوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنَّأني، والله ما قام رجلٌ غيره، قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة، قال كعب: فلما سلمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يبرق وجهه من السرور ويقول: "أبشر بخير يومٍ مَرَّ عليك منذ ولدتك أُمُّك".

 

هكذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- مع صحابته، يعيش في جوٍّ من الأُلْفة والمحبة والتراحُم التي من أهم أسبابها حرصهم على إدخال السرور بعضهم على بعض، فليكن فيهم أسوة، قال -تعالى- في قصة الثلاثة: (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[التوبة: 118].

 

عباد الله: ومما يدخل السرور: ممازحة الأهل والإخوان والخِلَّان والصبيان، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُمازح صحابته الكرام، ويجلس معهم، ويتكلمون في أمور الجاهلية، ويضحكون فيضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معهم.

 

وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- في بعض أسفاره مقيمًا في خيمة صغيرة فأقبل عوف بن مالك، وكان رجلًا بدينًا، فاستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: أأدخل؟ فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ادخُل"، فقال: كُلِّي يا رسول الله؟ ممازحًا النبي عليه السلام، فضحك عليه السلام وقال: "نعم ادْخُل كُلُّك".

 

ومما يدخل السرور على المسلم: الكلمة الطيبة، قال -عليه الصلاة والسلام-: "الكلمة الطيبة صدقة"، وقد أمر اللهُ عباده أن يتخيَّروا من الكلام والقول أحسنه، قال -تعالى-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)[الإسراء: 53]، فكم من كلمة رفعت شأنًا، وأشعلت هِمَّةً، وصنعت مجدًا، والعكس بالعكس، فتخيَّروا كلامكم.

 

فيا أيها المربُّون، شجِّعوا طلابكم وأولادكم، وارفعوا همتهم، وأظهروا حرصكم عليهم، وتفقَّدوهم، وارفعوا أكُفَّ الضراعة لربِّكم أن يُوفِّقهم ويُسدِّدهم ويعينهم، فهم عدة المستقبل.

 

اللهم أرِنا في ذرياتنا وإخواننا وأحبابنا ما يسُرُّ خواطرنا، ويسعد قلوبنا، يا رب العالمين.

 

المرفقات

إدخال السرور على المسلم.doc

إدخال السرور على المسلم.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات