أيها الناس ادخلوا في السلم كافة

خالد بن عبدالله الشايع

2022-11-11 - 1444/04/17 2022-11-15 - 1444/04/21
عناصر الخطبة
1/الإيمان ليس أماني بل تطبيق كامل وتسليم شامل 2/وجود الوحشة في قلب العبد دليل بعده عن شريعة ربه والعلاج لزومها وتطبيقها 3/لا صلاح لحال الأمة إلا بأخذ الدين كله وترك التشهي منه والاختيار.

اقتباس

فإذا تحقق (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)، تحققت حقيقة دين الإسلام، وانتفت الآفات والشرور عن النفس؛ فإن النفس تشقى حيث يُنتقص الإيمان وشرائعه؛ فهذه النفس لا يمكن لها أن تطمئن وتستقر، ويحصل لها الراحة إلا بأن تكون على وفق ما شرَّع الله، وأراده لها؛ فهذا...

الخطبة الأولى:

 

أما بعد فيا أيها الناس: لقد خلق الله الخليقة فأبدع خلقها، ورسم لها قدرا تسير عليه، وسن لها شرائع تعمل بها، وأمرهم جميعا بعبادته وحده لا شريك له، وأرسل لهم الرسل، وبين لهم السبل؛ فلا عذر لأحد في مخالفة أمره.

 

عباد الله: إن دين الله ليس بالتشهي ولا بالأماني، هو دستور رباني، يجب العمل به، وعدم تقديم العقول عليه؛ فلا اعتراض ولا نقد، لأنه من لدن عليم خبير، وكل ما خالف عقلك من شرع الله، فاعلم أن الخلل في عقلك وفهمك، والشرع منه بريء.

 

ولهذا يجب علينا جميعا الدخول في شرع الله كله، وأن لا نكون كأهل الكتاب الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، بل نكون كما قال الله -سبحانه-: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ ‌كَآفَّة)؛ أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر.

قال ابن كثير: وزعم عكرمة أنها نزلت في نفر ممن أسلم من اليهود وغيرهم، استأذنوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أن يسبتوا، وأن يقوموا بالتوراة ليلا؛ فأمرهم الله بإقامة شعائر الإسلام والاشتغال بها عما عداها. أهـ

 

إن الإيمان ليس هو مجرد دعوى يقولها الإنسان بلسانه، دون أن يكون لها رصيد من الواقع، وحظ من العمل والتطبيق والامتثال؛ فهذا الوصف (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يشعر بنوع علة أو تعليل، حيث يستدعي ذلك ما ذكر من الاستجابة؛ فأهل الإيمان هم الذين ينقادون في كل صغير وكبير، مما خاطبهم الشارع به، والإيمان بضع وسبعون -أو بضع وستون- شعبة؛ فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان؛ فذلك من إيمانهم الذي دخلوا فيه؛ فليس لهم أن يتخلوا عن شيء من ذلك.

(ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)؛ فهذا يقتضي الاستسلام الكامل؛ (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)[سورة النور:51]، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)[سورة الأحزاب:36]؛ فلا يكون له اختيار، فكيف يعترض ويقول: أنا حر آخذ ما أريد، وأترك ما أشاء؟! فهذا لا يتفق مع الإيمان.

 

وقوله: (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)، ينتظم أعمال القلوب كلها، وأعمال الجوارح كلها، وما يتعلق باللسان؛ فتُسلم القلوب، والجوارح، واللسان؛ فيكون العبد مسلمًا حقًا، وهذه حقيقة دين الإسلام، وهو الاستسلام لله -تبارك وتعالى- بالطاعة، أن يستسلم لربه ومليكه ومولاه؛ فينأى عن الشرك، ويكون موحدًا مؤمنًا، ويكون عبدًا مطيعًا لربه ومولاه؛ فهذا هو الواجب على العباد؛ فيكون مطبقًا وممتثلاً ومستجيبًا ومؤتمرًا بأمر الله، أما الذي يتمرد على شرع الله فليس مستسلمًا، فحينما يُؤمر بتقوى الله تأخذه العزة بالإثم، كما في الآيات السابقة، فهذا لا يصح بحال من الأحوال.

 

فإذا تحقق (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)، تحققت حقيقة دين الإسلام، وانتفت الآفات والشرور عن النفس؛ فإن النفس تشقى حيث يُنتقص الإيمان وشرائعه؛ فهذه النفس لا يمكن لها أن تطمئن وتستقر، ويحصل لها الراحة إلا بأن تكون على وفق ما شرَّع الله، وأراده لها؛ فهذا الذي يحصل به نعيمها وصلاحها وفلاحها في الدنيا، وهو الذي يحصل به النعيم في الآخرة، وإلا فالنفس إذا ابتعدت عن هذا يحصل لها من اللأواء والشقاء والمعاناة بقدر هذا البعد.

 

عباد الله: قد يسأل سائل فيقول: لماذا يجد الإنسان في قلبه وحشة؟ ولماذا يجد ألمًا؟ ولماذا يجد غمًا؟ ولماذا يشقى؟ ولماذا يجد حزنًا متطاولاً يصاحبه حيث حل؟ وذلك مع ما يتعاطاه من ألوان اللذات من المطعوم والمشروب والمنكوح، ومع ما يشاهده من الصور حيث يذهب هنا وهناك، فهو يُمتِّع ناظره، يطلب متعة لنفسه وقلبه، ولكنه لا يجدها؟!

إنما يحصل ذلك -أيها الأحبة- بلزوم الإيمان بشرائعه وشموله؛ فإذا نقص ذلك نقصت طمأنينة العبد وراحته وسعادته، ولو كان يغرق في اللذات الجسمانية والشهوات، ولو كان معافىً في بدنه، بخلاف من كان متحققًا بالإيمان؛ فلو كان فقيرًا لا يجد إلا بلغة من الطعام والشراب، ولو كان عليلاً؛ فإنه يجد في قلبه من الراحة والنعيم، كما كان شيخ الإسلام حيث وصفه الحافظ ابن القيم، مع كان فيه من المعاناة والشدة، كان يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. يعني لذة الطاعة.

 

 اللهم ارزقنا لذة الإيمان وحلاوة الطاعة يارب العالمين، أقول قولي هذا........

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد -فيا أيها الناس-: لا سبيل لسعادة الأمة ولا لقيادتها بدون الأخذ بالدين كله؛ فإن هذا هو السبيل إلى استقامة أمورها، وصلاح أحوالها، بحيث تبقى مجتمعة قوية متماسكة، أما أن يأخذ بعض الدين طائفة، ويأخذ بعض الدين طائفة، ثم بعد ذلك يتنازع الناس أمرهم بينهم؛ (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)[سورة المؤمنون:53]؛ فهذا سبب للبلاء كبير، وهو موجود في طوائف الأمة منذ القدم، وهو أن يُؤخذ بعض الدين، وهؤلاء يأخذون بعض الدين؛ فيحصل بسبب ذلك التفرق والاختلاف، فلا بد أن يُؤخذ الدين بكامله، كما جاء عن الله -تبارك وتعالى، وكما سن رسول الله -ﷺ-.

 

وليس لك أن تأخذ من الدين ما سهل عليك، ثم ما اشتهت نفسك من المحرمات وقعت فيه ثم قلت إن الله غفور رحيم، فأنت تسمع الله يناديك (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ ‌كَآفَّة).

 

معاشر المسلمين: للأسف إن كثيرا منا يأخذ الدين على طريق التشهي؛ فيفعل من الدين ما يروق له، ثم يخالف كثيرا من تعاليمه؛ فهذه صفة من صفات اليهود الذين أنكر الله عليهم، أنهم يأخذون بعض الدين ويتركون بعضه، والبعض يقوم ببعض طقوس وشعار ديانات ومذاهب باطلة، لأنها راقت له، وربما طبق أعيادهم، وابتعد عن دين الله وشرائعه، فلا يكون منهجا لمسلم، ولهذا قال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-، والأمر للأمة من بعد (فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ ‌وَمَن ‌تَابَ ‌مَعَكَ)، وليس كما اشتهيت ورغبت.

 

اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك...

المرفقات

أيها الناس ادخلوا في السلم كافة.pdf

أيها الناس ادخلوا في السلم كافة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات