أيام الله: سنة الله فيها وواجب المسلم نحوها

ماهر بن حمد المعيقلي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/فضل الله بإرسال الرسل مبشرين ومنذرين 2/نعم الله الكثيرة وواجب المسلم نحوها 3/من سوء الأدب انغماس العبد في النعم ونسيان المنعم 4/فضائل شكر النعم 5/مكانة شهر الله المحرم ويوم عاشوراء 6/صيام عاشوراء أجر ومغفرة

اقتباس

إن يوم عاشوراء يوم الرحمة والمغفرة، وظهور كرَم الله -جل جلاله-، فهو يتفضَّل بالعطاء الجليل، على العمل القليل، فتكفير سَنَة كاملة يكون بصيام يوم واحد....

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله الذي استخلف الإنسان في الأرض ليعمرها، وخلَق له ما في السماوات وما في الأرض وسخَّرها، وأسبَغ علينا نعمَه ظاهرةً وباطنة لنشكرها، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادةَ حق ويقين، أرجو عند الله أجرَها وذخرَها، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، بيَّن معالمَ الملة وأظهَرَها، وتركَنا على المحجَّة البيضاء؛ ليلُها كنهارها، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، أفضلُ هذه الأمة وأكرمها وأبرها، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ معاشر المؤمنين: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى-، ولنعتبِرْ بمرور الليالي والأيام، وانقضاء الشهور والأعوام، فكل عام يمضي يُباعِد المرءَ عن دنياه، ويقرِّبه من آخِرته، ومن مات قامت قيامتُه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)[الْحَشْرِ: 18-20].

 

أمةَ الإسلام: خلَق اللهُ -تعالى- عباده حنفاء، (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[الرُّومِ: 30]، فأغوتهم الشياطينُ، فأرسل -سبحانه- رسلَه، مبشرين ومنذرين، ومذكرين بأيام الله وعهده وميثاقه، وأيام الله -تعالى- هي الأيام التي أنعم الله فيها على أقوام، وانتقم فيها من آخَرين؛ ليشكر العبادُ نِعَمَه، وليحذروا عقابَه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بينما موسى -عليه السلام- في قومه، يذكِّرهم بأيام الله، وأيام الله نعمائه وبلاؤه"(رواه مسلم)، وفي القرآن العظيم قال هود -عليه السلام- لقومه: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الْأَعْرَافِ: 69]، ولَمَّا بُعث نبيُّ الله صالح -عليه السلام- ذكَّر قومَه بأيام الله فقال: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[الْأَعْرَافِ: 74]، وكل نبي يبعثه الله -تعالى- ينذر قومه ويبشِّرهم، ويذكِّرهم بأيام الله، التي مضت، بما فيها من العبر والعظات، يذكِّرهم بأيام الله ماذا فعلت بقوم نوح وعاد وثمود، وأصحاب مدين والمؤتفكات، يذكِّرهم بأيام الله، في الذين بدَّلوا نعمة الله كفرًا، وأحلُّوا قومَهم دارَ البوار.

 

معاشرَ المؤمنينَ: إن نعم الله -تعالى- على عباده لا تُعَدّ ولا تحصى، فكل لحظة فيها نعمة، وكل نفَس فيه نعمة، (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 32-34]، فكل خير يحوزه العبدُ هو من نِعَم الله عليه، وكل شرّ يصرِفه الله عنه هو مِنْ نِعَم الله عليه، (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)[النَّحْلِ: 53].

 

وأعظمُ نِعَم الله -تبارك وتعالى- على عباده نعمة الإسلام، ونعمة الهداية والاستقامة والإقبال عليه -جلَّ في علاه-، قال سبحانه وتعالى- في تفضُّلِه على أصحاب رسوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[الْحُجُرَاتِ: 7-8].

 

إخوةَ الإيمانِ: إن من مقتضيات تذكُّر نِعَم الله الاعتراف بها، ونسبتها للمتفضِّل -جل وعلا-، فإن من سوء أدب العبد مع الرب الانغماس في النِّعَم، ونسيان المنعِم، فإذا أقرَّ المسلمُ بنِعَم الله شكَرَها؛ باستعمالها في تحقيق مرضاته، قال كليم الله موسى -عليه السلام-: (رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ)[الْقَصَصِ: 17]، وإذا رأيتَ اللهَ -تعالى- يُعطي العبدَ ما يحب، والعبد مقيمٌ على معاصي الرب فاعلم أنَّما ذلك استدراج للعبد، (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)[الْأَنْعَامِ: 44]، ذكَر الإمام القرطبي في قوله -تعالى-: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ)[الْأَعْرَافِ: 182]، "أي: كلما أحدَثوا خطيئة جدَّدْنا لهم نعمة، وأنسيناهم الاستغفار"، ولْنَعْلَم معاشرَ المؤمنينَ بأن العبد لا يكون شاكرًا لله إلا إذا أظهَر أثَر شكر النعمة على قلبه، محبةً وشهودًا، وعلى لسانه ثناءً واعترافًا، وعلى جوارحه وأركانه، طاعةً وانقيادًا، فشكرُ النعمة يكون بالجَنان واللسان، والجوارح والأركان، وأعظم الشكر المبادَرة إلى العبادة، (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[الزُّمَرِ: 66]، والشكر -يا عباد الله- يحفظ النعمَ ويزيدها، فمَن رُزِقَ الشكرَ رُزِقَ الزيادةَ، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 7]، قال ابن القيم -رحمه الله-: "النعم ثلاثة: نعمة حاصلة يعلم بها العبد، ونعمة منتظَرة يرجوها، ونعمة هو فيها، لا يشعر بها، فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده عرَّفَه نعمتَه الحاضرة، وأعطاه مِنْ شكره قيدًا بها حتى لا تشرُد، فإنها تشرد بالمعصية، وتقيَّد بالشكر، ووفَّقه لعمل يستجلب به النعمة المنتظَرة، وعرَّفَه النعمَ التي هو فيها، ولا يشعر بها" انتهى كلامه رحمه الله.

 

ولن يحيط أحد أداء حق شكر النعم مهما اجتهد، وحسبُه السعيُ إلى بلوغ مرضاة الواحد الأحد، ولكن كلَّما تجددت للعبد نعمةٌ جدَّد لها شكرًا، والتزَم باب الدعاء؛ ليَجْبُرَ تقصيرَه في باب النعم، (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[الْأَحْقَافِ: 15]، وقال نبي الله سليمان -عليه السلام-: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)[النَّمْلِ: 19].

 

وبالشكر أمَر الأنبياءُ أقوامَهم، فقال إبراهيم -عليه السلام- لقومه: (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 17]، والشكر وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، ففي (سنن أبي داود)، عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخَذ بيده وقال: "أوصيكَ يا معاذُ لا تدعنَّ في دُبُر كلِّ صلاةٍ تقول: اللهم أعنِّي على ذكرِكَ وشكرِكَ وحُسْن عبادتِكَ".

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)[إِبْرَاهِيمَ: 5].

 

بارَك الله لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفِروه إنه كان غفورًا رحيمًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، الحمد لله على جزيل النعماء، والشكر له على ترادُف الآلاء، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله الأصفياء، وأصحابه الأتقياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، ما دامت الأرض والسماء، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ معاشرَ المؤمنينَ: إن من أيام الله العظيمة اليوم العاشر من شهر الله المحرَّم، أنجى الله فيه موسى -عليه السلام- وقومَه، وأغرَق فرعون وجنوده، والله -تعالى- يحب من عباده إذا أنعَم عليهم بنعمة أن يشكروه عليها، فصامَه موسى شكرًا لله، ولَمَّا قَدِمَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ رأى اليهودَ يصومون يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم، أنجى اللهُ فيه موسى وقومَه، وغرَّق فرعونَ وقومَه، فصامَه موسى شكرًا، فنحن نصومه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فنحن أحقُّ وأولى بموسى منكم"، فصامَه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمَر بصيامه"(رواه مسلم)، فيُستحبُّ صيامُ يوم عاشوراء؛ طلبًا لعظيم موعود الله -جل وعلا-، الذي أعدَّه للصائمين، ففي (صحيح مسلم) رغَّب -صلى الله عليه وسلم- في صيامه فقال: "صيامُ يومِ عاشوراءَ، أحتسِب على الله أن يكفِّر السنةَ التي قبلَه"، والسُّنَّةُ في صيام عاشوراء صيام اليوم التاسع مع العاشر؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لئن بقيتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسعَ"(رواه مسلم).

 

أمةَ الإسلامِ: إن يوم عاشوراء يوم اجتماع الكلمة، وتوحيد الصف، ويوم المحبة والمودَّة لأهل الإيمان، ولو اختلفت أنسابُهم ولغاتُهم، أو تباعدت الأزمنةُ والأمكنةُ؛ فبصيام عاشوراء يتذكَّر المسلمُ ذلك الحدثَ التاريخيَّ العظيمَ، يوم فلَق الله -تعالى- البحر لموسى -عليه السلام- وأتباعه، والأنبياءُ بعضُهم أَولى ببعض؛ فربُّهم واحدٌ، وأصلُ دينِهم واحدٌ، ويَدْعُون إلى عبادة إله واحد، ففي (صحيح البخاري) قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لِعِلَّات، أمهاتهم شتَّى ودينهم واحد".

 

وأُمَّةُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- أَولى الأمم بأولياء الله -تعالى-، من أقوامهم الذين كفروا بهم وكذَّبوهم، فخاتمُ الرسل محمد -صلى الله عليه وسلم- وأُمَّتُه يشهدون يوم القيامة، بأن الأنبياء قد بلَّغوا الرسالةَ، ففي (صحيح البخاري)، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يجيء نوح وأُمَّتُه فيقول الله -تعالى-: "هل بلَّغتَ؟ فيقول: نعم أَيْ ربِّ، فيقول لأمته: هل بلَّغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح: مَنْ يشهد لكَ؟ فيقول: محمد -صلى الله عليه وسلم-، فيقول محمد -صلى الله عليه وسلم- وأُمَّتُه: فنشهد أنه قد بلَّغ، وهو قوله -جلَّ ذِكْرُه-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)[الْبَقَرَةِ: 143]، والوسط العدل.

 

إن يوم عاشوراء يوم الرحمة والمغفرة، وظهور كرَم الله -جل جلاله-، فهو يتفضَّل بالعطاء الجليل، على العمل القليل، فتكفير سَنَة كاملة يكون بصيام يوم واحد.

 

إن يوم عاشوراء هو يوم التربية على الطاعة، وتعويد النفس على العبادة، فقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يصومونه، ويعودون صبيانهم على صيامه، (ففي الصحيحين)، عن الرُّبَيِّع -رضي الله عنها- قالت: "أرسَل رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- غداةَ عاشوراء، إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: مَنْ كان أصبح صائمًا فليتمَّ صومَه، ومن كان أصبح مفطرًا فليتمَّ بقيةَ يومه، فكنَّا بعد ذلك نصومه، ونصوِّم صبيانَنا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدُهم على الطعام أعطيناها إيَّاه عندَ الإفطار"، وفي (صحيح مسلم) قالت -رضي الله عنها وأرضاها-: "ونصنع لهم اللعبة من العهن فنذهب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبةَ تُلهِيهم؛ حتى يُتِمُّوا صومَهم"، قال النووي -رحمه الله-: "وفي هذا الحديث تمرينُ الصبيان على الطاعات، وتعويدُهم العباداتِ".

 

ألَا وصلُّوا -عبادَ اللهِ- على رسول الهدى، فقد أمرَكم اللهُ بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صَلِّ على محمد وأزواجه وذريته، كما صليتَ على آل إبراهيم، وبارِكْ على محمد وأزواجه وذريته، كما باركتَ على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدِّين، وعنَّا معهم بعفوكَ وكرمكَ وجودكَ يا أرحمَ الراحمينَ.

 

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئِنًّا، رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْنَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، احفظ خادم الحرمين الشريفين بحفظك، واكلأه برعايتك وعنايتك، وأَدِمْ عليه الصحة والعافية، اللهم كن له معينًا ونصيرًا، واجزِه عن الإسلام والمسلمينَ خيرَ الجزاء، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده الأمين، لِمَا فيه خير للإسلام والمسلمين، اللهم وفِّق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم كتابك وسُنَّة نبيِّكَ صلى الله عليه وسلم.

 

اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهَر منها وما بطَن، اللهم إنكَ عفوٌّ تحب العفوَ فاعفُ عنَّا، اللهم إنكَ عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنَّا، اللهم إنَّكَ عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عنَّا، اللهم أعِنَّا ولا تُعِنْ علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسِّر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم اجعلنا لك ذاكرين، لك شاكرين، لك مخبتين، لك أوَّاهين منيبين.

 

اللهم تقبَّل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبِّت حجتنا، وسدِّد ألسنتنا، واسلل سخيمة قلوبنا، اللهم إنا نعوذ بكَ من جهد البلاء، ودرَك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، اللهم اشف مرضانا وعاف مبتلانا، وارحم موتانا، وكن للمستضعفين منَّا، اللهم احفظ جنودنا ورجال أمننا، اللهم انصر جنودنا المرابِطين على حدود بلادنا، اللهم مَنْ أراد بلادنا بسوء فأَشْغِلْه بنفسه، واجعل تدبيرَه تدميرهَ يا سميع الدعاء، لا إله إلا أنتَ سبحانكَ إنَّا كنَّا من الظالمينَ.

 

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].

 

 

المرفقات

أيام الله سنة الله فيها وواجب المسلم نحوها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات