أهمية الدعوة إلى الله

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-08 - 1444/03/12
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ الاختلاف من سنن الله تعالى 2/ إرسال الرسل لدعوة الناس إلى الحق 3/ حكم الدعوة إلى الله 4/ كيف تكون الدعوة إلى الله؟!

اقتباس

فاليهود يسعون إلى تهويد العالم، والنصارى يسعون إلى تنصير العالم بكل قوة، ولو نظر المسلم إلى الأرقام الخيالية التي رصدت في أعداد المسلمين الذين يتنصرون لعلم ما الناس فيه من تفريط، وذلك أنهم يدفعون لهم الأموال وينشئون لهم المدارس والمستشفيات والملاجئ، ثم يتحببون إليهم بالأخلاق المكذوبة، حتى إذا نظر...

 

 

 

 

الخطبة الأولى: 

الحمد لله...

أما بعد:

معاشر المسلمين والمؤمنين: اتقوا الله -عز وجل-، واعملوا بكتاب الله وسنة نبيه تفلحوا، واحذروا عذاب الله، فإن عذاب الله شديد.

عباد الله: يقول الله تعالى: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) [هود: 118، 119]، إن من سنن الله -عز وجل- في هذا الكون بقاء الاختلاف بين الناس في العقيدة والمذاهب، (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس: 99]، (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) [المائدة: 48].

وأخبر سبحانه أن الناس مع اختلافهم، كل يزعم أنه صاحب الحق، (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون: 53]، والله سبحانه إنما خلق الخلق لعبادته، وليعرفوه بأسمائه وصفاته: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]، فبيّن سبحانه أنه خلق الخلق ليعبد ويعظم ويطاع أمره ونهيه، لأن العبادة هي توحيده سبحانه مع طاعته وتعظيم أوامره ونواهيه.

ولما كانت العبادة لا يمكن أن تستقل بتفاصيلها العقول، كما أنه لا يمكن أن تعرف بها الأحكام من الأوامر والنواهي على التفصيل، أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب لبيان حقيقة العبادة المطلوبة، فالرسل -عليهم الصلاة والسلام- هم أئمة الهدى ودعاة الثقلين جميعًا الجن والإنس إلى طاعة الله وعبادته: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36].

فمنذ أن وقع الشرك على الأرض في قوم نوح والأنبياء والرسل تتابع على الخلق، لينيروا لهم الطريق، ويقيموا عليهم الحجة: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) [النساء: 165].

حتى ختمت الرسالة والنبوة بمبعث المصطفى الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فجاهد في الله حق جهاده، وما فتئ يدعو إلى الله، صابرًا على الأذى، مجاهرًا بالدعوة، كافًا عن الأذى، محتملاً له، صافحًا عما يصدر منهم حسب الإمكان، حتى اشتد الأمر، وعزموا على قتله -صلى الله عليه وسلم-، فعند ذلك أُذن له بالهجرة، فهاجر وأسس الدولة الإسلامية، واستمرت الدعوة بالكلمة والسنان، حتى أظهر الله الدين، وقمع المشركين.

وهكذا أصحابه من بعده ساروا على نهجه، واقتفوا أثره، حتى بلغت الدعوة مشارق الأرض ومغاربها، كل ذلك استجابة لأمر المولى -جل وعلا-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].

فمن هذه الآية يتضح لنا حكم الدعوة إلى الله -عز وجل-، ألا وهو وجوبها، وأنها من الفرائض على الكفاية، في كل قطر وصقع، فإذا تخاذل أهل قطر من الأقطار عن الدعوة إلى الله أثموا جميعًا.

أيها المؤمنون: إذا كان أهل الباطل يدعون إلى باطلهم فيجب أن يسعى أهل الحق لنصرة ذلك الحق بالدعوة إليه والذب عنه.

وإن الناظر في حالنا هذا الزمن، مع كثرة الفتن وقلة العلم وانتشار الجهل، وقوة الباطل وضعف الحق يجد أن كل أهل ملة نشطون في بث ما لديهم من الباطل، كما يجد ضعف المسلمين وتواكلهم عن الدعوة إلى هذا الدين الحنيف.

فالمسؤولية عظيمة، والأمر عظيم، فالدعوة للجميع ومن الجميع، كل على حسب طاقته، قال -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال: 36].

فاليهود يسعون إلى تهويد العالم، والنصارى يسعون إلى تنصير العالم بكل قوة، ولو نظر المسلم إلى الأرقام الخيالية التي رصدت في أعداد المسلمين الذين يتنصرون لعلم ما الناس فيه من تفريط، وذلك أنهم يدفعون لهم الأموال وينشئون لهم المدارس والمستشفيات والملاجئ، ثم يتحببون إليهم بالأخلاق المكذوبة، حتى إذا نظر المسلم الفقير المجهد إلى فعلهم وتخاذل إخوانه المسلمين عنه، صار ذلك دافعًا قويًا لتركه لدينه، ولو لم يكن عن قناعة.

أيها المسلمون: إن دين الله ظاهر على وجه الأرض بعز عزيز وذل ذليل، كما قضى الله ذلك في كتابه، ولكن إياك -أخي المسلم- أن تكون حجر عثرة في طريق الدعوة بالتخذيل والتأويل.

اللهم اجعلنا ممن يدعون إلى دينك، وممن جعلته مباركًا حيثما كان.

 

 

الخطبة الثانية:

أيها المؤمنون: إنه لا أحسن من الداعية إذا كان يدعو ويعمل بما دعا إليه: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]، إن الدعوة إلى الله تكون باللسان كالخطب والمحاضرات والدروس ونحو ذلك، كما تكون بالفعل، كمن يسخر جسده للدعوة إلى الله في إيصالها إلى أهلها والدفاع عنها، كما أنها تكون بالمال، بالنفقة في وجوهها من طباعة كتب وتوزيع أشرطة، وغيرها من وسائل الدعوة المرئية والمقروءة، فلا تبخل -عبد الله- على نفسك أن تكون أحد هؤلاء.

فها هو -صلى الله عليه وسلم- يضرب ويسيل الدم على وجهه وهو يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"، ويخرج من أحب بلاد الله إليه ويهاجر عنها، ويتركها لله حتى الأبد.

وها هو مصعب بن عمير أول سفير في الإسلام يدخل الإسلام على أهل المدينة كلها، بدعوته المباركة بعد توفيق الله تعالى.

أيها المسلمون: إن من دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه في ذلك، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا؛ أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا"، وأخرج مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود قال -صلى الله عليه وسلم-: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله".

كما أنك إذا تسببت في هداية رجل ضالّ إلى الإسلام، فهذا خير لك عند ربك من الدنيا وما فيها، ولما بعث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب للدعوة في سبيل الله قال له: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم". متفق عليه.

عباد الله: يكفي شرفًا للداعية إلى الله تعالى أنه يعمل بوظائف الرسل ويقتدي بهم، وهم المبلغون عن ربهم شرائعه ووحيه.

أيها المسلمون: إن مجتمعنا -ولله الحمد- تنتشر فيها أيادٍ بيضاء عاملة في سبيل الدعوة إلى الله، لا يعلم بهم إلا القلة، وهم الجنود المجهولون الذين لا يسألون الناس جزاءً ولا شكورًا، بل يرجون رحمة الكريم المنان، إنهم يسقطون عنكم فرض الدعوة إلى الله تعالى، إنهم مكاتب الدعوة وتوعية الجاليات، التي تقوم على بذل المحسنين أمثالكم، بعد توفيق الله تعالى.

وهم يشكون من جهل الناس بحالهم، ومن ثمَّ قلة الداعمين لهم، فكم من رجل دخل في الدين على أيديهم، فهم يطبعون الكتب باللغات العديدة التي تدعوا إلى الإسلام، ويسعون في إقامة المحاضرات والندوات بجميع اللغات للدعوة كذلك.

كما يسعون في إسعاف الضعفاء والمساكين، وهم في أيام المواسم كمواسم الحج من أحوج الناس لمد يد العون لهم، لينشروا السنة الصحيحة، وينفوا البدع، ويعلموا الناس الخير، ومن هذه المكاتب: مكتب الدعوة وتوعية الجاليات بغرب الديرة، ولقد حضروا معنا في هذا الجامع، ليروا دعمكم المادي والمعنوي لهم، وسيقفون على الأبواب بعد الصلاة بصناديق مغلقة، فالله الله بالتقديم للنفس، ومسابقة الأجر بفعل الخير: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 38]، (وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) [المزمل: 20]، (مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) [النحل: 96].

اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك.
 

 

 

 

المرفقات

الدعوة إلى الله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات