أهمية التعايش السلمي

عبد الرؤوف محمد الكمالي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/التعايش في المجتمع المسلم ضرورة إنسانية 2/الوثيقة النبوية للتعايش بسلام في المدينة المنورة 3/الضوابط الإسلامية لمعالجة الاختلاف في المجتمع 4/المعنى الحقيقي للتعايش السلمي

اقتباس

فَجَمِيعُنَا مُطَالَبُونَ بِأَنْ نَكُونَ عَلَى قَدْرِ المَسْؤُولِيَّةِ، فَنُرَاقِبَ كَلِمَاتِنَا وَمَقَالَاتِنَا، وَعِبَارَاتِنَا وَكِتَابَاتِنَا، فَالتَّسَاهُلُ فِي ذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِحُصُولِ المَفَاسِدِ، فَكَمْ مِنْ كَلِمَةٍ جَرَّتَ إِلَى فَوْضَى!!، وَكَمْ مِنْ تَغْرِيدَةٍ شَحَنَتِ القُلُوبَ وَأَوْغَرَتِ الصُّدُورَ!!...

الخطبة الأولى:

 

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَفَضَّلَ وَأَنْعَمَ، وَشَرَّفَ بَنِي آدَمَ وَكَرَّمَ، وَوَهَبَ لَهُمُ العَقْلَ لِيَعْقِلُوا عَنْهُ مَا أَبَاحَ وَحَرَّمَ، أَحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ الأَعْظَمِ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَأَتْقَنَهُ وَأَحْكَمَ، وأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، المَبْعُوثُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بِالدِّينِ الأَقْوَمِ وَالمَنْهَجِ الأَسْلَمِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ بِعَدَدِ ذَوِي العِلْمِ وَالهِمَمِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ خَيْرُ مَا تَدَّخِرُونَهُ لِيَوْمِ المَعَادِ؛ قَالَ تَعَالَى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ التَّعَايُشَ فِي المُجْتَمَعِ المُسْلِمِ مَعَ الآخَرِينَ -مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ غَيْرَ مُسْلِمِينَ- ضَرُورَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، وَحَاجَةٌ أَخْلَاقِيَّةٌ، وَالْمُتَتَبِّعُ لِنُصُوصِ الشَرْعِ يَجِدُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ حَثَّتْ عَلَى التَّعَايُشِ مَعَ الآخَرِينَ، وَلَوْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ مَعَنَا فِي الدِّينِ؛ إِذْ لَا قِوَامَ لِلْحَيَاةِ إِلَّا بِذَلِكَ، وَلَا نُهُوضَ لِلْمُجْتَمَعِ إِلَّا بِهِ، قَالَ تَعَالَى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الممتحنة: 8].

 

وَلَقَدْ جَبَلَ اللهُ النَّفْسَ البَشَرِيَّةَ عَلَى حُبِّهَا الرُّكُونَ إِلَى حَيَاةِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ وَالرَّاحَةِ وَالسَّلَامِ؛ لِيَهْنَأَ النَّاسُ فَيَعِيشُوا بِغَيْرِ مُنَغِّصَاتٍ، وَيَسْعَدُوا بَعِيدًا عَنِ المُكَدِّرَاتِ، وَإِنَّ المُتَتَـبِّعَ لِسِيرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ مَقْدَمِهِ إِلَى المَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ يَجِدُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ عَزَّزَ هَذَا المَعْنَى جَيِّدًا وَأَكَّدَ عَلَيْهِ أَيَّمَا تَأْكِيدٍ، فَكُلُّنَا يَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِاللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ مَقْدَمِهِ إِلَى المَدِينَةِ كَانَتِ المَدِينَةُ خَلِيطًا مِنْ قَبَائِلَ مُتَنَافِرَةٍ، وَمَزِيجًا مِنَ المُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَاليَهُودِ، فَهُنَاكَ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَقَبَائِلُ اليَهُودِ الثَّلَاثَةُ: بَنُو قَيْنُقَاعَ، وَبَنُو النَّضِيرِ، وَبَنُو قُرَيْظَةَ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَيْهِمُ الْمُهَاجِرُونَ، وَمَعَ ذَلِكَ التَّنَوُّعِ وَالاخْتِلَافِ اسْتَطَاعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَأْسِيسَ مُجْتَمَعٍ قَائِمٍ عَلَى التَّعَايُشِ السِّلْمِيِّ بَيْنَ أَفْرَادِهِ.

 

وَكَانَ مِنْ ضِمْنِ ذَلِكَ: مَا كُتِبَ فِي وَثِيقَةِ المَدِينَةِ الَّتِي كَتَبَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ اليَهُودِ لِيَتِمَّ التَّعَايُشُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ اليَهُودِ حَتَّى يَسُودَ الأَمْنُ وَالسَّلَامُ النَّاسَ جَمِيعًا.

 

وَكَانَ مِنْ ضِمْنِ مَا كُتِبَ فِي هَذِهِ الوَثِيقَةِ -كَمَا وَرَدَتْ فِي كُتُبِ المَغَازِي وَالسِّيَرِ-: "أَنَّ لِلْيَهُودِ دِينَهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ دِينَهُمْ، إِلَّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنَّهُ لَا يُهْلِكُ إِلَّا نَفْسَهُ، وَأَنَّ عَلَى اليَهُودِ نَفَقَتَهُمْ وَعَلَى المُسْلِمِينَ نَفَقَتَهُمْ، وَأَنَّ بَيْنَهُمُ النَّصْرَ عَلَى مَنْ حَارَبَ أَهْلَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَأَنَّ بَيْنَهُمُ النُّصْحَ وَالنَّصِيحَةَ وَالبِرَّ دُونَ الإِثْمِ وَأَنَّ النَّصْرَ لِلْمَظْلُومِ".

 

عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ -تَعَالَى- فِي وُقُوعِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ النَّاسِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ قَدْ ذَكَرَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)[هود: 118-119].

 

فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَامَلَ مَعَ مَنِ اخْتَلَفْنَا مَعَهُ وَفْقَ مَا أَمْلَاهُ عَلَيْنَا شَرْعُنَا مِنْ خِلَالِ النُّصُوصِ القُرْآنِيَّةِ وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَالسِّيرَةِ المَرْضِيَّةِ.

 

فَالاخْتِلَافُ -وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا- إِلَّا أَنَّنَا مَأْمُورُونَ بِإِزَالَةِ أَسْبَابِهِ وَالسَّعْيِ إِلَى رَفْعِهِ وَدَفْعِهِ.

 

ثُمَّ يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ هَذَا الاخْتِلَافَ تَضْبِطُهُ قَوَاعِدُ شَرْعِيَّةٌ وَضَوَابِطُ مَرْعِيَّةٌ، وَبِغَيْرِهَا يَسُودُ الظُّلْمُ وَيَحْصُلُ البَغْيُ وَيَتَمَادَى النَّاسُ فِي الخَطَأِ، وَيَسْتَمْرِئُونَ البَاطِلَ، فَيَنْقَلِبُ العَدْلُ ظُلْمًا وَالْحَقُّ بَاطِلًا، وَهَذِهِ الضَّوَابِطُ عِنْدَ امْتِثَالِهَا وَتَطْبِيقِهَا كَفِيلَةٌ بِأَنْ يَسُودَ السِّلْمُ وَيَحْصُلَ الأَمْنُ، وَمِنْ هَذِهِ الضَّوَابِطِ: العَدْلُ وَالإِنْصَافُ وَإِعْطَاءُ الآخَرِينَ مَا لَهُمْ مِنَ الحُقُوقِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)[النحل:90]، وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)[النساء:58]، فَالعَدْلُ وَاجِبٌ عَلَى الجَمِيعِ أَصْدِقَاءَ كَانُوا أَمْ أَعْدَاءً، قَرِيبِينَ كَانُوا أَمْ بَعِيدِينَ، قَالَ تَعَالَى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[المائدة:8]، وَهَذِهِ الآيَةُ جَاءَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَهُودِ خَيْـبَـرَ الَّذِينَ أَرَادُوا قَتْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهَذَا الأَصْلُ العَظِيمُ مِنْ أُصُولِ الإِسْلَامِ يَجِبُ إِعْمَالُهُ فِي المُجْتَمَعِ المُسْلِمِ؛ لِيَبْقَى مُتَمَاسِكًا بَعِيدًا عَنِ الخَلَافَاتِ وَالنِّزَاعَاتِ، سَالِمًا مِنَ المُنَغِّصَاتِ وَالمُكَدِّرَاتِ.

 

وَمِنَ الأُصُولِ العَظِيمَةِ المُحَقِّقَةِ لِلتَّعَايُشِ السِّلْمِيِّ: أَهَمِّيَّةُ تَعْزِيزِ حُسْنِ الجِوَارِ؛ فَالإِحْسَانُ إِلَى الجَارِ أَمْرٌ مُهِمٌّ لِبَقَاءِ المُجْتَمَعِ مُتَمَاسِكًا، قَالَ تَعَالَى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ)[النساء:36].

 

وَحُسْنُ الجِوَارِ لَمَّا أَحْسَنَ المُسْلِمُونَ إِعْمَالَهُ وَرَأَى غَيْرُ المُسْلِمِينَ مِنَ المُسْلِمِينَ تَفْقُّدَهُمْ لِجِيرَانِهِمْ وَإِحْسَانَهُمْ إِلَيْهِمْ وَكَفَّ الأَذَى عَنْهُمْ؛ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِمْ وَدُخُولِهِمْ فِي دِينِ اللهِ -تَعَالَى- أَفْرَادًا وَجَمَاعَاتٍ.

 

وَلَنَا فِي رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسْوَةٌ وَقُدْوَةٌ، فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ" (رَوَاهُ البُخَارِيُّ)، فَفِي هَذَا الحَدِيثِ بَيَانٌ وَاضِحٌ لِرَحْمَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَأَنْ دَعَا هَذَا الغُلَامَ إِلَى الإِسْلَامِ وَأَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ، وَهَكَذَا فَلْيَكُنِ التَّعَايُشُ السِّلْمِيُّ.

 

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: وَمِنَ القَوَاعِدِ العَظِيمَةِ المُحَقِّقَةِ لِلتَّعَايُشِ السِّلْمِيِّ: الإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَدْ رَغَّبَتِ الشَّرِيعَةُ فِي الصُّلْحِ وَحَذَّرَتْ مِنَ التَّنَازُعِ؛ لِأَنَّ المُتَضَرِّرَ هُمْ أَفْرَادُ المُجْتَمِعِ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَالَ تَعَالَى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)[النساء: 114]؛ لِأَنَّ عَدَمَ الإِصْلَاحِ سَبَبٌ لِلتَّنَافُرِ وَالتَّنَازُعِ وَالفُرْقَةِ وَالاخْتِلَافِ.

 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحِبُّ الطَّائِعِينَ، وَيُكَافِئُ المُخْلِصِينَ، وَيُضَاعِفُ بِرَّهُ لِلمُحْسِنِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، ذُو الْقُوَّةِ المَتِينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، المَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِالدِّينِ وَاهْتَدَى بِهَدْيِهِ المُبِينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقُاتِهِ، وَعَظِّمُوا بِذَلِكَ حُرُمَاتِهِ، وَوَقِّرُوا مَنْ أَمَرَ اللهُ بِتَوْقِيرِهِ فِي كِتَابِهِ وَآيَاتِهِ.

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ التَّعَايُشَ السِّلْمِيَّ بَيْنَ أَفْرَادِ المُجْتَمِعِ الوَاحِدِ ضَرُورَةٌ حَتْمِيَّةٌ لِأَيِّ مُجْتَمَعٍ يُرِيدُ الاسْتِقْرَارَ، وَلِأَيِّ بَلَدٍ يَطْمَحُ فِي دَيْمُومَةِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ.

 

وَضَرُورَةُ التَّعَايُشِ السِّلْمِيِّ يَجِبُ أَنْ يَحْمِلَ هَمَّهَا جَمِيعُ مَنْ يَعِيشُ عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ، قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)[الأنفال: 61]، فَعَلَيْهِمْ جَمِيعًا تَحَمُّلُ مَسْؤُولِيَّاتِهِمْ تُجَاهَ ذَلِكَ: الدُّعَاةُ وَالخُطَبَاءُ، المُعَلِّمُونَ وَالمُرَبُّونَ، المُوَاطِنُونَ وَالمَسْؤُولُونَ، الإِعْلَامِيُّونَ وَالسِّيَاسِيُّونَ، فَجَمِيعُنَا مُطَالَبُونَ بِأَنْ نَكُونَ عَلَى قَدْرِ المَسْؤُولِيَّةِ، فَنُرَاقِبَ كَلِمَاتِنَا وَمَقَالَاتِنَا، وَعِبَارَاتِنَا وَكِتَابَاتِنَا، فَالتَّسَاهُلُ فِي ذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِحُصُولِ المَفَاسِدِ، فَكَمْ مِنْ كَلِمَةٍ جَرَّتَ إِلَى فَوْضَى!!، وَكَمْ مِنْ تَغْرِيدَةٍ شَحَنَتِ القُلُوبَ وَأَوْغَرَتِ الصُّدُورَ!!.

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ التَّعَايُشَ السِّلْمِيَّ لَا يَعْنِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، وَالهُدَى وَالضَّلَالِ، وَالمَعْرُوفِ وَالمُنْكَرِ، كَلَّا بَلْ إِنَّ مِمَّا يُعَزِّزُ التَّعَايُشَ السِّلْمِيَّ فِي أَيِّ مُجْتَمَعٍ: القِيَامَ بِوَاجِبِ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وَالنَّصِيحَةِ بِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَالأُسْلُوبِ الحَسَنِ، قَالَ تَعَالَى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[النحل: 125].

 

وَالتَّعَايُشُ السِّلْمِيُّ لَا يُبِيحُ أَنْ يَتَنَازَلَ الإِنْسَانُ عَنْ أَصْلٍ عَظِيمٍ مِنْ أُصُولِ الإِسْلَامِ؛ وَهُوَ الوَلَاءُ وَالبَـرَاءُ، وَالمُرَادُ بِهِ مُوَالَاةُ أَهْلِ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ، وَالبَرَاءَةُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرَانِ، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)[المائدة: 51].

 

وَالتَّعَايُشُ السِّلْمِيُّ لَا يَكُونُ أَيْضًا بِالتَّنَازُلِ عَنِ الثَّوَابِتِ، وَالسَّمَاحِ بِالتَّطَاوُلِ عَلَى المُسَلَّمَاتِ، وَالاسْتِهْزَاءِ بِالشَّرِيعَةِ، وَالسُّكُوتِ عَنِ البَاطِلِ، بَلِ الوَاجِبُ الأَخْذُ عَلَى يَدِ المُتَطَاوِلِ؛ إِذِ الكُلُّ فِي سَفِينَةٍ وَاحِدَةٍ إِذَا خُرِقَتْ غَرِقَ جَمِيعُ أَهْلِهَا لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُمْ أَحَدٌ.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الأَرْبَعَةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالأَئِمَّةِ الحُنَفَاءِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وعَلِيٍّ، وعَنْ سائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ أَتْمِمْ لِهَذَا البَلَدِ الأَمْنَ وَالأَمَانَ، وَاحْفَظْهُ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَخِذْلَانٍ وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا، وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا،، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَ البِلَادِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا صَالِحَةً فِي رِضَاكَ، وَارْفَعْ بِهِمَا رَايَةَ الحَقِّ وَالدِّينِ، وَارْزُقْهُمَا الْبِطَانَةَ مِنَ الصَّالِحِينَ المُصْلِحِينَ، وَانْفَعْ بِهِمَا البِلَادَ وَالعِبَادَ بِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِينَ، وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى المُسْلِمِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

المرفقات

أهمية التعايش السلمي

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات