عناصر الخطبة
1/من أهم دعائم الدين ومقوماته 2/أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 3/من أسباب السلامة من غضب الله وعقوبته 4/من أسباب حلول العقوبات 5/عموم العذاب عند ظهور المعاصي.اقتباس
لا يخفى عليكم أنه لا يكفي النهي عن المنكر لأجل الإعذار، كما كان لبني إسرائيل، فإن ذلك من أسباب طمس القلوب، وحلول اللعنة، بل لا بد من المعاداة في الله، والأخذ على يد السفيه وأَطْره على الحق أطرًا...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا؛ أحمده -تعالى- على عظيم برّه وجزيل عطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مَلِك عظيم، يهدي مَن يشاء لعبادته وطاعته، ويُضِلّ مَن يشاء الحكيم العليم بما يستحق كلّ مِن عباده.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين أيَّد الله بهم هذا الدِّين، وكانوا قدوة حسنة في الإعانة عليه والتمسك به، وكذا مَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- وكونوا قدوة حسنة في إظهار هذا الدين، والتمسك به، والإعانة عليه، فلا صلاح للعباد والبلاد إلا بطاعة الله ورسوله، كما أنه لا سعادة لنا في الآخرة ولا نجاة من عذاب الله إلا بذلك.
أيها المسلمون: إن مِن أهم دعائم الدين ومقوماته: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإقامة هاتين الشعيرتين من أهم أسباب السلامة من غضب الله وعقوبته، ومن أعظم أسباب الرضى والمغفرة والسعادة في الدارين، أما الوقوع في المنكرات والبقاء على فِعْلها، فهاتان الحالتان من أعظم أسباب الفساد، وتغيير الفِطَر، والحرمان من الغفران. ودليل ذلك ظاهر في واقع الناس، وما يجري الله عليهم من عقوبات وابتلاءات، يُدرك ذلك مَن يتأمل فيها ويعيها.
وما أوضح المثل الذي ضربه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للقائم في حدود الله والواقع فيها؛ روى البخاري عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نُؤْذِ مَن فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا".
فظهور المعاصي من أسباب حلول العقوبات على الصالح والطالح، والآخِذ على يدي الواقع في المحرمات متسبِّب في دَفْع العقوبات، ومما يدل على عموم العذاب إذا ظهرت المعاصي، ما روى الإمام أحمد عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا ظهرت المعاصي في أمتي؛ عمَّهم الله بعذاب من عنده"، فقلت: يا رسول الله أما فيهم يوم إذن صالحون؟ قال: "بلى"، قلت: فكيف يُصنَع بأولئك؟ قال: "يُصيبهم ما أصاب الناس، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان".
وروى البخاري عن زينب بنت جحش قالت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال "نعم؛ إذا كثر الخبث"، وروى الترمذي عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابًا منه، ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم".
معشر المسلمين: لا يخفى عليكم أنه لا يكفي النهي عن المنكر لأجل الإعذار، كما كان لبني إسرائيل، فإن ذلك من أسباب طمس القلوب، وحلول اللعنة، بل لا بد من المعاداة في الله، والأخذ على يد السفيه وأَطْره على الحق أطرًا؛ وذلك لما روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن من كان قبلكم كانوا إذا عمل العامل فيهم بالخطيئة جاءه الناهي تعزيرًا، فإذا كان الغدو جالسه وواكَلَه وشارَبه، كأنه لم يره على خطيئة بالأمس، فلما رأى الله -عز وجل- ذلك منهم، ضرب بقلوب بعضهم على بعض، ثم لعنهم على نسان نبيهم داوود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم بعضًا، ثم يلعنكم كما لعنهم".
وروى ابن ماجه عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأقبل علينا بوجهه، وقال: "يا معشر المهاجرين: خمس خصال، وأعوذ بالله أن تدركوهن؛ ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوها، إلا ابتلاهم الله بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا ينقص قوم المكيال والميزان، إلا ابتلوا بالسنين، وشدة المؤنة، وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم، إلا مُنعوا القَطْر من السماء، ولولا البهائم لم يُمْطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله -عز وجل- في كتابه، إلا جعل بأسهم بينهم".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)[سورة المائدة:78-81].
بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل لنا مِن عباده مَن يعيننا على طاعته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ أحمده -تعالى- واشكره وأستغفره وأتوب إليه وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه العزيز: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[سورة آل عمران:110]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير قدوة للبشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم، الدين وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: فلا يخفى عليكم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الطاعات، وآكد الأصول الإسلامية، وقد ألحقه بعض العلماء بأركان الإسلام التي لا يقوم إلا عليها، فبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يظهر الحق، وينتشر الإسلام، وتحيا الفضيلة، وتموت الرذيلة، ويحصل الصلاح، ويعم الرخاء والخير، ويزداد الشرف، وتعلو الهمة؛ قال -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[سورة الأعراف:96].
وكلما قوي الإيمان وزادت الخشية؛ قويت الغيرة على انتهاك حرمات الله، وكلما ضعف الإيمان، وضعفت الخشية، ضعفت الغيرة وزاد الانتهاك لحرمات الله، واستبدل الحب لطاعة الله بالكراهية لدينه، وربما استبدل الأمر بالمعروف بالأمر بالمنكر والعياذ بالله، كما هي حال المنافقين والمنافقات؛ قال -تعالى-: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[سورة التوبة:67]؛ وما فُقِدَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أُمَّة، أو دولة، أو قرية، إلا ساءت أحوالهم، واختلت أوضاعهم.
فاتقوا الله -عباد الله-، وقوموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه المشروع، ذكِّروا الغافل، وبصِّروا الجاهل، وأطُروا السفيه على الحق أطرًا.
جعلني الله وإياكم مِن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم