أفشوا السلام بينكم

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2024-09-13 - 1446/03/10 2024-09-18 - 1446/03/15
عناصر الخطبة
1/الدعوة إلى إفشاء السلام ونشره 2/آداب السلام وفضله وثمرته.

اقتباس

ومَنْ أَدْرَكَ مَعْنَى (السَّلامِ)، وأَنَهُ دُعاءٌ بالسَلامَةِ مِنَ الشُرُورِ والمَكَارِهِ والآفاتِ، سَعَى جاهِداً في تَحْقِيْقِ السَّلامَةِ التي يَدْعُو بِها لأَخِيه، وسَعَى جَاهِداً، إِلى الوَفَاءِ بِما يُحِييهِ بِه، فَيَبْذُلُ لَهُ أَسبابَ السَلامَةِ ما اسْتَطاعْ، ويَسْعَى في تَحْقِيقِها لَهُ ما قَدِر، يَحْفَظُ لَهُ عِرْضَهُ، ويَحْمِيْ لَهُ حَقَّه...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

 

أَيُّها المُسْلِمُون: تُقْبِلُ النُّفُوْسُ عَلى مَنْ يُؤَانِسُها، وتَرْتَضِيْ صَاحِباً بالوُدِّ يُدْنِيْها، تُقْبِلُ النُّفُوسُ على مَنْ يُلاقِيها بالبِشْرِ ويُقابِلُها بالسَّلام، ويُعامِلُها بالأَدَبِ ويُجَالِسُها باحِتْرام، وللنُفُوسِ صُدُودٌ إِنْ رأَتْ كَدَراً، وللنُّفُوسِ نُفُورٌ إِنْ رأَتْ ضَيْماً.

 

لا تأَلَفُ الرُّوحُ إِلا مَنْ يُلاطِفُها *** ويَهْجُرُ القَلْبُ مَنْ يَقْسُو ويَجْفاهُ

 

لَطِيفُ خَلُقٍ، بَشُوشُ الوَجْهِ طَلْقُ المُحَيَّا، عَفِيْفُ النُّطْقِ يُقْبِلُ بالسَّلامِ، يَدْخُلُ في سَلامٍ ويَخْرُجُ في سَلام، يَبْدأُ بالسلامِ ويَقْفُلُ بالسلام، سَلامٌ يَغدو بهِ ويَرُوح، يُفْشِيْ السَّلامَ عَلى مَنْ عَرَفَ ومَنْ لَمْ يَعْرِف، فَفَشَا لَهُ قُلُوبِ الخَلْقِ وُدٌّ، (والسَّلامُ) شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الإِيْمانِ، (والسَّلامُ) سَبِيْلٌ إلى بُلُوغِ دَارِ السَّلام (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وَمَا بَخِلَ امْرُؤٌ بِالسَّلامِ إِلا جُفِيْ، وما أَدْرَكَ الفَضْلَ مَنْ حَجَبَ السَّلام؛ عَنْ أَبِيْ هُرَيْرةَ هريرة -رضي الله عنه-: أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الجَنَّة حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُوا، أَوَلاَ أَدُلُّكُم عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُم؟ أَفْشُوا السَّلاَم بَينَكُم»(رواه مسلم).

 

صَدَقْتَ أَيَا رَسُوْلَ اللَّهِ إِنِّي *** فَدَيْتُكَ وَاتَّخَذْتُكَ لِيْ إِمَاماً

تَقُوْلُ لَنَا إِذَا رُمْتُم إِخَاءً *** وَحُبًّا بَيْنَكُمْ: "أَفْشُوا السَّلاما"

 

(أَفْشُوا السَّلاَم بَينَكُم) أَشِيْعُوا السَّلامَ جَهْراً وانْشُرُوه، تَخَلَّقُوا بِهِ صِدْقاً وأَظْهِرُوه، (أَفْشُوا السَّلاَم بَينَكُم) تَحِيَّةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةٌ طِيِّبَة، تَحِيَّةٌ مُلِئَتْ طُهْراً طِيْباً، تَحِيَةٌ تَعْلُو التَّحَايا؛ (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً).

 

(أَفْشُوا السَّلاَم بَينَكُم) تَحِيَّةُ المُؤْمِنِيْنَ في الدُّنْيا (السَّلام)، وتَحِيَّتُهُم في الآخِرَةِ (السَّلام)، (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا)، (سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ)، (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهم وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ)، (أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا)، (وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار).

 

(أَفْشُوا السَّلاَم بَينَكُم) لا تَرْغَبُوا عَنِ (السَّلامِ) بِتَحِيَةٍ أُخْرَى، فَلا تَحِيَّةَ يَبْلُغُ قَدْرُها قَدْرَ السَّلام (أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِى هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِى هُوَ خَيْرٌ).

 

(السَّلامُ عَلَيْكُم) دَعْوَةٌ بالسَّلامَةِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ، والسَلَامَةِ مِنْ كُلِّ سُوء.

 

(السَّلامُ عَلَيْكُم) دَعْوَةٌ بِسَلامَةٍ في الدُّنْيا وسَلامَةٍ في الدِّيْن، بِسَلامَةٍ في الدِّيْنِ، والنَّفْسِ، والعَقْلِ، والعِرْضِ، والمَالِ، والأَهْلِ، والوَلَد، وبِسَلامَةٍ للإِيْمانِ والاسْتقامَةِ والصَلاحِ والثَباتِ والتَّقْوى، دَعْوَةٌ بِسَلامَةٍ تَكْتَنِفُ المرءَ مِنْ كُلِّ جَانِب.

 

(السَّلامُ عَلَيْكُم) دَعْوَةٌ بِسَلامَةٍ، يَسْلَمُ بِها المرءُ مِنْ عَمَلِ السَّيئَاتِ ومِنْ آثارِها ومِنْ عَواقِبِها؛ (وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

 

دَعْوَةٌ بِسَلامَةٍ، يَسْلَمُ بِها المرءُ مِنْ أَهْوالِ يَومِ القِيامَةِ ومِنْ عَذابِ النَّار.

 

واللهُ هُو السَّلامُ ومِنْهُ السَّلامُ، ولا سَلامَ لِمَنْ لَمْ يَنَلْ مِن السَّلامِ سَلام؛ (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ) وفي حَدِيْثِ ثَوبانَ -رضي الله عنه-: كَانَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إذَا انْصَرَفَ مِن صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ»(رواه مسلم).

 

(السَّلامُ عَلَيْكُم) ما أَجَلَّها مِنْ تَحِيَّةٍ وما أَكْرَمَها مِنْ دَعْوَةٍ وما أَطْيَبَهُ مِنْ أَمان.

 

تَحِيَّةٌ لا تُبْذَلُ إِلا لِمؤْمِنٍ، وَلا تُبْذَلُ تَحِيَّةُ (السَلامِ) إِلا لأَهْلِ الإِسْلام؛ (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَة)، وعَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَن رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تَبْدَؤُوا اليَهُودَ ولا النَّصارَى بِالسَّلامِ"(رواه مسلم).

 

(السَّلامُ عَلَيْكُم) تَحِيَّةٌ يُلاقِيْ بِها المُسْلِمُ أَخاهُ، هِيَ سُنَّةٌ مِنْ آكَدِ السُّنَنِ، وهِيَ واجِبَةٌ، إِنْ مَنَعَ مِنْها كِبْرٌ، أَو صَرَفَ عَنْها تَهاجُرٌ أَو تَقاطُعٌ أَو خِصام؛ "لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ، يَلْتَقِيانِ؛ فَيُعْرِضُ هذا، ويُعْرِضُ هذا، وخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ بالسَّلامِ"(متفق عليه).

 

ورَدُّ (السَّلامِ) وَاجِبٌ، هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ على الواحِدِ حِيْنَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ، وهُوَ فَرْضُ كِفايَةٍ عَلى الجَماعَةِ حِيْنُ يَسْمَعُونَ السَّلام، أَوْجَبَ اللهُ رَدَّ التَحِيَةِ في القُرآن؛ (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا).

 

(السَّلامُ عَلَيْكُم) تَحِيَّةٌ تَتَطَهَّرُ بِها النُّفُوسُ مِنْ كِبْرِيائِها، وتَتَخَلَّصُ بِها مِنْ عُتُوِّها وَعُلُوِّها وخُيَلائِها، تَحِيَّةٌ تُبْذَلُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَ شَأَنُهُ في النُفُوسِ مُحْتَقَر، مَرَّ أَنَسٌ -رضي الله عنه- عَلَى صِبْيَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: كَانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَفعلُهُ"(متفق عليه).

 

(السَّلامُ عَلَيْكُم) لا يَزالُ المسْلِمُ يَتَحَلَّى بِهذِهِ التَحِيَةِ عِنْدَ كُلِّ لِقاءٍ، حَتَى يُدْرِكَ مِنَ الفَضْلِ مَقاماً عَلِياً، ويَنالَ مِنْ الخَيْرِ حَضَّاً وَفِيَّاً، سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الإسْلَامِ خَيْرٌ؟ قالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَنْ عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ"(متفق عليه).

 

(السَّلامُ)، تَحِيَّةٌ قُرِنَتْ بِفِقْهٍ، وجُلِّلَتْ بِوَقارٍ، وكُسِيَتْ بِحْكْمَةٍ؛ "لِيُسَلِّمِ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، والْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، والْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

تَحِيَّةٌ، يُلْقِيْها المُسَلِّمُ بِهُدُوءٍ، ويَبْذُلُها بِرِفْقٍ، ويُنْشُرُها بِأَدَب، فَلا يَجْهَرُ بالتَحِيَةِ جَهْراً مُؤْذِياً، ولا يَهْمِسُ بِها هَمساً مُخْفِياً، ولِكُلِّ مَقامٍ حَالٌ تَلِيْقُ بِه، وفي حَدِيْثِ المِقْدادِ -رضي الله عنه- حِيْنَ وَصَفَ سَلامَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "فَيَجِيءُ النَبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ اللَّيلِ فَيُسَلِّمُ تسليمًا لا يُوقِظُ نَائِمًا، وَيُسْمِعُ اليَقْظَان"(رواه مسلم).

 

(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ).

 

بارك الله لي ولكم،

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رَسُوْلُ رَبِّ العَالَمِيْنَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِيْن؛ أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.

 

أيها المسلمون: شَرِيْعَةُ الإِسْلامِ أَهْدَى، وشَرِيْعَةُ الإِسْلامِ أَجَلّ، نَزَلَ بِها الوَحِيُ مِنْ رَبِّ العَالَمِيْن، شَرِيْعَةٌ تُقِيْمُ للأُخُوَّةِ أَرْسَى قَواعِدَ، وتَبْنِيْ للمَوَدَّةِ أَمْتَنَ عِماد.

 

تأَمُرُ بالفَضِيْلَةِ وتَنْهَى عَنْ ضِدِّها، وتَأَمُرُ بالإِحْسانِ وتَنْهَى عَنْ سِواه، فَما مِنْ خُلُقٍ كَرِيْمِ إِلا وشَرِيْعَةُ اللهُ تأَمُرُ بِه، وما مِنْ خُلُقٍ ذَمِيْمٍ إِلا وشَرِيْعَةُ اللهُ تَنْهَى عَنْه، وتَحِيَّةُ الإِسْلامِ (السَّلام) مِنْ أَكْرَمِ الأَخلاقِ وأَرْقاها، تَحِيَّةُ مَوَدَةٍ وتَآلُفٍ وسَلام، (أَوَلاَ أَدُلُّكُم عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُم؟ أَفْشُوا السَّلاَم بَينَكُم).

 

ومَنْ أَدْرَكَ مَعْنَى (السَّلامِ)، وأَنَهُ دُعاءٌ بالسَلامَةِ مِنَ الشُرُورِ والمَكَارِهِ والآفاتِ، سَعَى جاهِداً في تَحْقِيْقِ السَّلامَةِ التي يَدْعُو بِها لأَخِيه، وسَعَى جَاهِداً، إِلى الوَفَاءِ بِما يُحِييهِ بِه، فَيَبْذُلُ لَهُ أَسبابَ السَلامَةِ ما اسْتَطاعْ، ويَسْعَى في تَحْقِيقِها لَهُ ما قَدِر، يَحْفَظُ لَهُ عِرْضَهُ، ويَحْمِيْ لَهُ حَقَّه، ويَكُفُّ عَنْهُ الأَذى، فلا يَجْهَلُ عليهِ ولا يَعْتَدِي، ولا يَظْلِمُ ولا يَجُور، لا يَذْكُرُهُ إِنْ غَابَ بِسُوءٍ، ولا يُقابِلُهُ إِنْ حَضَرَ بِما يَكْرَه.

 

 يَنْصَحُ لَهُ في دِيْنِهِ ودُنْياه، تِلْكَ ما تَقْتَضِيْهِ تَحِيَةُ حَيَّاهُ بِها، تِلْك ما تَقْتَضِيْهِ (السَّلامُ عَلَيْكُم) وفي المُتَّفَقِ عليهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ ويَدِهِ"(متفق عليه).

 

يأَبَى فُؤَادِيْ أَنْ يَمِيْلَ إِلى الأَذَى *** حُبُّ الأَذِيَّةِ مِنْ طِباعِ العَقْرَبِ

 

تَحِيَةُ الإِسْلامِ (السَّلام)؛ فَكَمْ وُئِدَ بـ(السَّلامِ) مِنْ قَطِيْعَةٍ، وكَمْ دُفِعَ بِهِ مِنْ مَأَثَمٍ، وكَمْ بُدِّدَتْ بِهِ مِنْ أَوْهام؛ (وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)؛ فَتَحِيَّتُهُم سَلامٌ، ومُعامَلَتُهُم سَلامٌ، ويَدْفَعُونَ الجَاهلَ بِسَلام.

 

إِنِّيْ أُحَيِّي عَدُوِّي عِندَ رُؤْيَتِهِ *** لأَدْفَعَ الشَّرَّ عَنِّيْ بِالتَّحيَّاتِ

وَأُظْهِرُ البِشرَ للإِنْسَانِ أُبغِضُه *** كأنَّه قَدْ مَلا قَلْبِيْ مَحَبَّاتِ

 

بالسَّلامِ وطِيْبِ الكَلامِ، يُحْفَظُ وَلاءُ الصَّفِيِّ، ويُدْفَعُ عَداءُ الشَّقِيّ؛ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ علَى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا رَآهُ قالَ: بئْسَ أخُو العَشِيرَةِ، وبِئْسَ ابنُ العَشِيرَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ، تَطَلَّقَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في وجْهِهِ وانْبَسَطَ إلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ، قالَتْ عَائِشَةُ: يا رَسولَ اللَّهِ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ له كَذَا وكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ في وجْهِهِ وانْبَسَطْتَ إلَيْهِ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: يا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا؟ إنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ مَن تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ"(رواه البخاري).

 

(وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ).

 

اللهمَّ طَهِّر قُلُوبنا، وأَصْلح أَعمالَنا، وأحسن منقلبنا.

المرفقات

أفشوا السلام بينكم.doc

أفشوا السلام بينكم.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات