أعظم آية في كتاب الله

عبد العزيز بن محمد السعيد

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ أعظم آية في كتاب الله 2/ مقاصد ومقتضيات آية الكرسي 3/ بعض حقوق الله على عباده

اقتباس

افتتح الله هذه الآية بأعلى شعب الإيمان: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) وهي تقتضي انفراده بالألوهية، وذلك يتضمن انفراده بالربوبية، وأن ما سواه عبد له، مفتقر إليه، وأنه خالق ما سواه ومعبوده. وجميع صفات الكمال يدل عليها قوله تعالى: (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) فإن صفة الحياة متضمنة لجميع...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

سيدة آي القرآن! وأعظم آية في كتاب الله! آية الكرسي: (اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [البقرة: 255].

 

روى مسلم في صحيحه عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا المنذر، أتدري أَيُّ آية من كتاب الله معك أعظم؟ قلت: (اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة: 255] "فضرب في صدري وقال: "لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المنذر".

 

افتتح الله هذه الآية بأعلى شعب الإيمان: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) وهي تقتضي انفراده بالألوهية، وذلك يتضمن انفراده بالربوبية، وأن ما سواه عبد له، مفتقر إليه، وأنه خالق ما سواه ومعبودُه، قال سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) [طـه: 98]، (إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) [الصافات: 4 - 5]، (ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الأنعام: 102].

 

وجميع صفات الكمال يدل عليها قوله تعالى: (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) فإن صفة الحياة متضمنة لجميع صفات الكمال، مستلزمة لها، وصفة القيومية متضمنة لجميع صفات الأفعال؛ فالحي المطلق التام الحياة لا تفوته صفة الكمال ألبتة، والقيوم لا يتعذر عليه فعل ما أراد ألبتة، ولا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه، بل هو قائم على كل نفس بما كسبت، شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا يخفى عليه خافية، قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى: 11]، (أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ) [الرعد: 33]، (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) [مريم: 64]، (وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ) [المؤمنون: 17]، (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) [هود: 107]، (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [يــس: 12]، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) [الروم: 25].

 

وقوله: (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه، وتحت قهره وسلطانه، كقوله عز شأنه: (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) [مريم: 93]، (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) [آل عمران: 83].

 

وقوله سبحانه: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) يتضمن كمال قدرته وخلقه وربوبيته وغناه وصمديته، وأن غيره لا يؤثر فيه بوجه من الوجوه، كما يؤثر في المخلوقين من يشفع عندهم، فيحملُهم على الفعل بعد أن لم يكونوا فاعلين، وإنما الشفاعة عنده بإذنه، فهو الذي يأذن للشفيع، وهو الذي يجعله شفيعا، ثم يقبل شفاعته، فلا شريك له ولا عون بوجه من الوجوه، وهذا لعظمته وجلاله وكبريائه: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [سبأ: 22 - 23].

 

وقوله: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات: ماضيها وحاضرها ومستقبلها، فعلمه تعالى محيط بتفاصيل الأمور، متقدمها ومتأخرها، بالظواهر والبواطن، بالغيب والشهادة: (وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) [الأنعام: 3]، (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [الأنعام: 59].

 

وقوله سبحانه: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) يقتضي أنه الذي يُعلّم العباد ما شاء من علمه، وأنه لا علم لهم إلا ما علمهم، لا يعلم أحد شيئا إن لم يعلمه إياه، فهو سبحانه المنفرد بالتعليم كما قال تعالى: (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: 5]، (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78].

 

والكرسي موضع قدمي الرب -جل وعلا-، وهو يسع السماوات والأرض على عظمتهما وعظمة من فيهما: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) والعرش أكبر من الكرسي، والرب -سبحانه وتعالى- مستو عليه، عال على خالقه، مطلع عليهم، عليم بأحوالهم: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى) [طـه: 5 - 8].

 

وقوله جل شأنه: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) أي لا يشق عليه ولا يثقل، وهذا يقتضي كمال القدرة وتمَامَها، وأنه لا تلحقه مشقة ولا حرج في خلقه وتدبيره: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ) [ق: 38]، (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [فاطر: 41].

 

ثم ختم هذه الآية بقوله سبحانه: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) فهو العلي بذاته فوق عرشه، العلي بقهره لجميع المخلوقات، العلي بقدره لكمال صفاته، وهو (الْعَظِيمُ) الذي تتضائل عند عظمته جبروت الجبابرة، وتصغر في جانب جلاله أنوف الملوك القاهرة.

 

هذه آية الكرسي، وهذا شأنها العظيم، تعرفنا ربنا وعظمته وجلاله وكبرياءه، وماله سبحانه من الكمالات المطلقة في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فحق على العباد إخلاص الدين له وطاعته والاستجابة له، وإنزال حوائجهم به وحده لا شريك: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر: 65]، (قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ) [الرعد: 30].

 

وحق على العباد أن يسبحوه ويحمدوه ويمجدوه: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 98 - 99]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب: 41 - 42] هذه الآية من قرأ ها حين يأوي إلى فراشه لم يزل معه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى تصبح، ومن قرأها دبر كل صلاة مكتوبة، لم يحل بينه وبين دخول الجنة إلا الموت، كما جاء ذلك في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

 

 

المرفقات

آية في كتاب الله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات