عناصر الخطبة
1/المطلقات قبل الدخول وبعد الدخول 2/المطلقات من حيث السنة والبدعة 3/المطلقة بالفسخ أو الخلع.اقتباس
1/المطلقات قبل الدخول وبعد الدخول 2/المطلقات من حيث السنة والبدعة 3/المطلقة بالفسخ أو الخلع.
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّنَا الْكَرِيمِ الَّذِي جَعَلَ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ مَوْسُومَةً بِالتَّمَامِ، صَالِحَةً لِجَمِيعِ الْأَنَامِ، لَا تَتَغَيَّرُ شَرَائِعُهَا بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ، وَلَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ، فَمَا أَعْظَمَهَا مِنْ شَرِيعَةٍ، وَمَا أَحَقَّهَا بِالِاتِّبَاعِ لِتَكَالِيفِهَا، وَالتَّفَقُّهِ فِي أَحْكَامِهَا وَآدَابِهَا!
أَلَا وَإِنَّ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ الْغَرَّاءُ: أَصْنَافُ الْمُطَلَّقَاتِ مِنَ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّ الزَّوْجَاتِ الْمُطَلَّقَاتِ لَسْنَ صِنْفًا وَاحِدًا، بَلْ هُنَّ أَصْنَافٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَلِكُلِّ صِنْفٍ الْأَحْكَامُ وَالْآدَابُ الَّتِي تَخُصُّهُ.
وَعِنْدَمَا يَعْرِفُ الْمُسْلِمُ وَالْمُسْلِمَةُ هَذِهِ الْأَصْنَافَ وَأَحْكَامَهَا يَغْدُو عَلَى بَصِيرَةٍ بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْأُسَرِيَّةِ الَّتِي يَجْهَلُ كَثِيرٌ مِنَّا حُكْمَ الشَّرِيعَةِ فِيهَا، فَيَكُونُ الْعَارِفُ لَهَا مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا.
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الزَّوْجَةَ الَّتِي تُطَلَّقُ قَدْ يَكُونُ طَلَاقُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ، فَمَتَى طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا أَحْكَامٌ، وَمَتَى طُلِّقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا أَحْكَامٌ أُخْرَى.
فَالْمَرْأَةُ إِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا عَقْدًا شَرْعِيًّا، وَلَكِنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ، بَلْ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ عَقِبَ ذَلِكَ الطَّلَاقِ بِلَا مُهْلَةٍ وَلَا عِدَّةٍ، قَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 49].
وَلَا يَمْلِكُ الْمُطَلِّقُ فِي هَذَا الطَّلَاقِ بَعْدَئِذٍ رَجْعَتَهَا، وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا، بَلْ يَكُونُ بَائِنًا، وَعَلَى هَذَا إِجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَمِنْ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ: أَنَّهُ يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى، إِلَّا أَنْ تَعْفُوَ الْمَرْأَةُ أَوْ وَلِيُّهَا عَنْ ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ-: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[الْبَقَرَةِ: 237].
أَيُّهَا الْأَحْبَابُ الْكِرَامُ: أَمَّا الْمُطَلَّقَاتُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَهُنَّ أَنْوَاعٌ مُتَعَدِّدَةٌ:
فَمِنَ الْمُطَلَّقَاتِ بَعْدَ الدُّخُولِ: الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ: وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ، وَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَإِذَا خَرَجَتْ مِنَ الْعِدَّةِ جَازَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ نِكَاحُهَا بِعَقْدٍ وَمَهْرٍ جَدِيدَيْنِ.
وَمِنَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْمُطَلَّقَةِ: أَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فَلَهَا مَا لِلزَّوْجَاتِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَمَسْكَنٍ، وَعَلَيْهَا مَا عَلَيْهِنَّ مِنْ لُزُومِ الْمَسْكَنِ، وَلَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ لَهُ، وَيَخْلُوَ بِهَا وَيَطَؤُهَا، وَيَرِثُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ.
وَأَيْضًا: لَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّجْعَةِ رِضَا الْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيِّهَا؛ لِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا)[الْبَقَرَةِ: 228].
وَمِنَ الْمُطَلَّقَاتِ بَعْدَ الدُّخُولِ: الْمُطَلَّقَةُ الْبَائِنُ، بَيْنُونَةً صُغْرَى، أَوْ بَيْنُونَةً كُبْرَى؛ فَالْبَائِنُ بَيْنُونَةً صُغْرَى هِيَ: الَّتِي لَا يَسْتَطِيعُ مُطَلِّقُهَا أَنْ يُعِيدَهَا إِلَى عِصْمَتِهِ إِلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَمَهْرٍ جَدِيدٍ.
وَالْبَائِنُ بَيْنُونَةً كُبْرَى هِيَ: الَّتِي لَا يَسْتَطِيعُ مُطَلِّقُهَا أَنْ يُعِيدَهَا إِلَى الزَّوْجِيَّةِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ زَوَاجًا صَحِيحًا، وَيَدْخُلَ بِهَا دُخُولًا حَقِيقِيًّا، ثُمَّ يُفَارِقَهَا أَوْ يَمُوتَ عَنْهَا، وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ؛ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ أَنْ يُعِيدَ زَوْجَتَهُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ.
قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 229-230].
وَمِنَ الْمُطَلَّقَاتِ بَعْدَ الدُّخُولِ: الْمُطَلَّقَةُ الْحَامِلُ: وَطَلَاقُهَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعِدَّةِ الْمُقَرَّرَةِ شَرْعًا، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنَ الْمُطَلَّقَاتِ بَعْدَ الدُّخُولِ: الْآيِسَةُ وَالصَّغِيرَةُ؛ فَالْمَرْأَةُ الْآيِسَةُ هِيَ: الَّتِي انْقَطَعَ عَنْهَا الْحَيْضُ لِكِبَرِ سِنِّهَا، وَالْمَرْأَةُ الصَّغِيرَةُ هِيَ: الَّتِي لَمْ تَرَ الْحَيْضَ وَهِيَ مُطِيقَةٌ لِلْوَطْءِ، فَالْآيِسَةُ وَالصَّغِيرَةُ مَتَى طُلِّقَتَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَعْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)[الطَّلَاقِ: 4].
إِنَّكُمْ لَوْ تَقْرَؤُونَ -مَعْشَرَ الْفُضَلَاءِ- فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَسَتَجِدُونَ أَنَّهُمْ قَسَّمُوا الطَّلَاقَ إِلَى قِسْمَيْنِ: طَلَاقٍ سُنِّيٍّ، وَطَلَاقٍ بِدْعِيٍّ.
فَالطَّلَاقُ السُّنِّيُّ هُوَ الطَّلَاقُ الَّذِي وَافَقَ أَمْرَ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَأَمْرَ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ الطَّلَاقُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ؛ يَعْنِي: لَمْ تَكُنْ حَائِضًا وَلَا نُفَسَاءَ. أَوْ كَانَتْ حَامِلًا، وَالطَّلَاقُ الْبِدْعِيُّ هُوَ الطَّلَاقُ الَّذِي اخْتَلَّ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فِي الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ وَهُوَ: أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ، أَوْ يُطَلِّقَهَا أَثْنَاءَ عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ، أَوْ يُطَلِّقَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ.
عِبَادَ اللَّهِ: يُشْتَرَطُ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ: أَنْ لَا تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَائِضًا؛ وَهَذَا لِغَضَبِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ابْنِ عُمَرَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي الْحَيْضِ؛ كَمَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، وَغَيْرِهِمَا.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ أَنْ لَا تَكُونَ نُفَسَاءَ؛ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: "ثُمَّ يُمْسِكُهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، فَإِذَا بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا"؛ فَهَذَا فِيهِ أَنَّ طَلَاقَ السُّنَّةِ يَكُونُ حَالَ الطُّهْرِ، وَالنِّفَاسُ لَيْسَ بِطُهْرٍ.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ أَنْ يَكُونَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ؛ فَلِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: "فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا"؛ يَعْنِي: فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ قَدْ طَلَّقَهَا فِي حَيْضِهِ الْمُتَقَدِّمِ؛ فَلِأَمْرِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِابْنِ عُمَرَ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ؛ فَلَوْلَا أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ مَانِعٌ مِنَ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الْمُتَعَقِّبِ لَهُ؛ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِمْسَاكِهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي عَقِبَ الْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا.
وَمَعَ أَنَّ الزَّوْجَ يَأْثَمُ إِذَا طَلَّقَ طَلَاقًا بِدْعِيًّا، لَكِنَّهُ طَلَاقٌ يَقَعُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ ابْنَ عُمَرَ بِمُرَاجَعَةِ امْرَأَتِهِ الَّتِي طَلَّقَهَا، وَهِيَ حَائِضٌ، وَالْمُرَاجَعَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ: "وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ طَلَّقَ تَطْلِيقَةً، فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا".
نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُفَقِّهَنَا فِي دِينِنَا، وَيُلْهِمَنَا السَّدَادَ فِي أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، ذِي الْكَمَالِ وَالْجَمَالِ وَالْجَلَالِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، الطَّيِّبِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَهُنَاكَ صِنْفٌ مِنَ الْمُطَلَّقَاتِ ضَاقَتْ بِهِنَّ الْحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ، فَكُلٌّ مِنْهُنَّ لَمْ تَعُدْ تُطِيقُ الْعَيْشَ مَعَ زَوْجٍ سَاءَتْ عِشْرَتُهُ لَهَا وَرَفَضَ طَلَاقَهَا، أَوْ غَابَ عَنْهَا وَانْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُ، وَطَالَ لَهَا انْتِظَارُهُ، أَوْ وُجِدَ فِيهِ عَيْبٌ لَا تُمْكِنُ الْعِشْرَةُ مَعَهُ بِوُجُودِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ. فَحَصَلَ الطَّلَاقُ لَهُمَا عِنْدَئِذٍ؛ هَذَانِ الصِّنْفَانِ هُمَا: الْمُطَلَّقَةُ الْمُخْتَلِعَةُ، وَالْمُطَلَّقَةُ الْمَفْسُوخَةُ.
فَالْمُطَلَّقَةُ الْمُخْتَلِعَةُ هِيَ: الَّتِي افْتَدَتْ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا بِمَالٍ لِيُطَلِّقَهَا وَيُخَلِّيَ سَبِيلَهَا، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)[الْبَقَرَةِ: 229]، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟". قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
فَإِذَا حَصَلَ الْخُلْعُ بِأَيِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْفِرَاقِ اعْتَدَّتِ الْمَرْأَةُ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الرَّاجِحِ؛ بِدَلِيلِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِدَّتَهَا حَيْضَةً"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ).
فَإِذَا حَاضَتْ بَعْدَ الْخُلْعِ ثُمَّ طَهُرَتْ فَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَحَلَّ لَهَا الزَّوَاجُ، كَمَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا كَذَلِكَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ بِرِضَاهَا، وَتَرْجِعُ إِلَيْهِ بِمَا تَبَقَّى مِنَ الطَّلَاقِ إِنْ كَانَ هُنَاكَ طَلَاقٌ، وَلَا يُحْسَبُ الْخُلْعُ مِنَ الطَّلَاقِ، بَلْ هُوَ فَسْخٌ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ الْمَفْسُوخَةُ: فَهِيَ: الَّتِي فَسَخَهَا الْقَاضِي مِنْ زَوْجِهَا بِسَبَبٍ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا، أَوْ بِسَبَبِ خَلَلٍ وَقَعَ فِي الْعَقْدِ، أَوْ بِسَبَبٍ طَارِئٍ عَلَيْهِ يَمْنَعُ بَقَاءَهُ، وَمِنْ صُوَرِ الْفَسْخِ: أَنْ يَعْقِدَ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ ثُمَّ يَتَبَيَّنَ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَوْ يَرْتَدَّ الزَّوْجُ، أَوْ يَغِيبَ غَيْبَةً طَوِيلَةً فَيَحْكُمَ الْقَاضِي بِفَسْخِ النِّكَاحِ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْمَرْأَةِ. وَالْمُطَلَّقَةُ الْمَفْسُوخَةُ عِدَّتُهَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ لِلِاسْتِبْرَاءِ، وَطَلَاقُهَا بَائِنٌ لَا رَجْعَةَ فِيهِ.
عِبَادَ اللَّهِ: فَهَذِهِ أَصْنَافُ الْمُطَلَّقَاتِ، وَبَعْضُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِنَّ، فَلْنَعْلَمْ ذَلِكَ، وَلْنَتَّقِ اللَّهَ -تَعَالَى- فِي الْحِرْصِ عَلَى مُوَافَقَةِ الشَّرْعِ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطَّلَاقِ: 4-5].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى النِّعَمِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم