أسباب مغفرة الذنوب

تركي الميمان

2014-11-21 - 1436/01/28 2014-11-18 - 1436/01/25
عناصر الخطبة
1/أهمية الدعاء وفضله وشروط تكفيره للذنوب 2/فضل الاستغفار ومعناه وبعض صيغه 3/بعض أدلة الكتاب والسنة في الحث على الاستغفار 4/أهمية التوحيد وفضله وتكفيره للذنوب وخطر الإخلال به

اقتباس

أيها الناس: يسعى المسلم جاهداً لحطِّ أوزاره وذنوبه التي تراكمت عليه، ويتوسل إلى ربه بإيمانه لمغفرة ذنوبه؛ كما قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آل عمران: 16]. فهؤلاء هم الذي يقولون في دعائهم: ربنا إننا آمنا بك، وبما أنزلت على رسلك واتبعنا شريعتك؛ فاغفر لنا ما ارتكبنا من ذنوب، و...

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، وخذوا بأسباب النجاة والمغفرة، وأخلصوا العبادة لله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119].

 

عباد الله: أخرج الترمذي في سننه عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: "قَالَ اللَّهُ -تبارك وتعالى-: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً"[رواه الترمذي وقال: "حديث حسن" كما في الأربعين النووية].

 

أيها الناس: يسعى المسلم جاهداً لحطِّ أوزاره وذنوبه التي تراكمت عليه، ويتوسل إلى ربه بإيمانه لمغفرة ذنوبه؛ كما قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آل عمران: 16].

 

فهؤلاء هم الذي يقولون في دعائهم: ربنا إننا آمنا بك، وبما أنزلت على رسلك واتبعنا شريعتك؛ فاغفر لنا ما ارتكبنا من ذنوب، وجنبنا عذاب النار.

 

وهذا ما تضمنه هذا الحديث، ذكر الأسباب التي يحصل بها المغفرة.

 

فالدعاء مع الرجاء-عباد الله- من أسباب المغفرة؛ لأن الدعاء مأمور به، وموعود عليه بالإجابة؛ كما قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر: 60].

 

وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ" ثُمَّ قَرَأَ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)"[رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"].

 

لكنَّ الدعاء سبب مقتضٍ للإجابة، مع استكمال شرائطه، وانتفاء موانعه؛ ومن أعظم شرائطه: حضور القلب، ورجاء الإجابة؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ"[رواه الترمذي وحسنه الألباني].

 

ولهذا نُهي العبد أن يقول في دعائه: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمْ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ".

 

وفي رواية: " فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُكْرِهَ لَهُ "[رواه البخاري(6339) ومسلم(2679)].

 

فقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِي".

 

يعني: على كثرة ذنوبك وخطاياك، ولا يتعاظمني ذلك، ولا أستكثره.

 

والاستغفار -عباد الله- من أسباب المغفرة؛ ولو عظمت الذنوب، وبلغت عنان السماء -وهو السحاب-.

 

والاستغفار: هو طلب المغفرة.

 

والمغفرة: هي وقاية شرِّ الذنوب، مع سترها.

 

وأفضل أنواع الاستغفار: أن يبدأ العبد بالثناء على ربه، ثم يثنِّي بالاعتراف بذنبه، ثم يسأل الله المغفرة؛ كما في حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ"[رواه البخاري(6303)-(6323)].

 

ومن أنواع الاستغفار: أن يقول العبد: "أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ".

 

وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من قاله: "غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ"[رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي].

 

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: "وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً"[رواه البخاري(6307)].

 

وفي صحيح مسلم عَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ"[رواه مسلم(2702)].

 

ومعنى: "ليغان على قلبي" يعني: ما يتغشى القلب.

 

وقيل المراد: الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه.

 

فإذا فتر صلى الله عليه وسلم عن الذكر والاستغفار عدّ ذلك ذنباً، واستغفر منه.

 

وقوله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي".

 

أي: أن الإنسان متى استغفر الله -عز وجل- من أي ذنب كان عِظَماً وقدراً، فإن الله يغفره، وهذا كقوله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا)[النساء: 110].

 

وقد كثر في القرآن الكريم ذكر الاستغفار؛ فتارة يؤمر به؛ كما في قوله تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ)[هود: 3].

 

وتارة يمدح أهله؛ كما في قوله تعالى: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ)[آل عمران: 17].

 

وكثيراً ما يقرن الاستغفار بذكر التوبة، فيكون الاستغفار حينئذ عبارة عن طلب المغفرة باللسان، والتوبة عبارة عن الإقلاع من الذنوب بالقلوب والجوارح.

 

وقد ورد في فضل الاستغفار آيات وأحاديث كثيرة؛ فمن الآيات: قوله تعالى على لسان نوح -عليه السلام-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)[نوح: 10-12].

 

قال الشعبي: "خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فأُمطروا، فقالوا: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد طلبتُ المطر بمجاديح السماء التي يُستنزل بها المطر؛ ثم قرأ: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا).

 

وشكا رجل إلى الحسن الجدوبة، فقال له: استغفر الله.

 

وشكا آخر إليه الفقر، فقال له: استغفر الله.

 

وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً؛ فقال له: استغفر الله.

 

وشكا إليه آخر جفاف بستانه؛ فقال له: استغفر الله.

 

فقلنا له في ذلك؟ فقال: ما قلت لكم من عندي شيئاً؛ إن الله -تعالى- يقول: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)[تفسير القرطبي(18/303)].

 

ومن الأحاديث في فضل الاستغفار: قوله تعالى في الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي: إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ"[رواه مسلم(2577)].

 

فلنكثر من الاستغفار -عباد الله-، وذلك لقلة الأمطار، وكثرة الذنوب والمعاصي التي هي سبب في منع القطر من السماء.

 

فلنكثر من الاستغفار، لعل الله -عز وجل- أن يغيث البلاد والعباد.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

التوحيد -عباد الله- من أسباب مغفرة الذنوب؛ وهو السبب الأعظم؛ فمن فقده، فقد المغفرة، ومن جاء به؛ فقد أتى بأسباب المغفرة؛ كما في الحديث: "يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً".

 

فمن جاء -مع التوحيد- بقراب الأرض -وهو ملؤها، أو ما يقارب ملأها- خطايا؛ لقيهُ الله بقرابها مغفرةً، لكنَّ هذا مع مشيئة الله -جل جلاله-، فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه، ثم كان عاقبته أن لا يخلَّدَ في النار؛ بل يخرج منها، ثم يدخل الجنة؛ كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)[النساء: 48].

 

وقوله في الحديث هنا: "لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً" هذا إذا شاء الله، وأما إذا لم يشأ فإنه يعاقب المذنب بذنبه.

 

وهذا يبين عظمة التوحيد، وتحقيق التوحيد، وتصفية التوحيد من شوائب الشرك صغيره وكبيره، ومن البدع ومن المعاصي ليدخل الجنة، وينجو من النار؛ كما قال تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)[الأنفال: 38]

 

عباد الله: ما لم يتحقق التوحيد، وإخلاص العبادة، وتمام الخضوع والانقياد والتسليم، فلا تقبل صلاة ولا زكاة، ولا يصح صوم ولا حج، ولا يزكو أيُّ عمل يُتقرب به إلى الله، قال سبحانه: (وَلَوْأَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأنعام: 88].

 

وإذا لم يتحقق التوحيد ويصدق الإخلاص، فلا تنفع شفاعة الشافعين، ولا دعاء الصالحين، حتى ولو كان الداعي سيد المرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم-، اقرءوا إن شئتم: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ)[التوبة: 80].

 

 فلنحقق التوحيد -عباد الله- ولنخلص العبادة لله وحده؛ فإن النجاة والفلاح يوم القيامة مقرون بذلك.

 

جعلني الله وإياكم من الفائزين المفلحين، الناجين يوم القيامة.

 

وصلوا وسلموا على نبيكم ...

 

مختصرة من:

1- كتاب "مختصر جامع العلوم والحكم" للشيخ "محمد بن سليمان المهنا".

2- شرح الأربعين النووية للشيخ "محمد بن عثيمين".

3- تفسير القرطبي.

4- المختصر في التفسير.

5- صحيح مسلم.

6- فتح الباري.

7- كتاب "خطب التوحيد المنبرية" للشيخ "عبد الملك القاسم".

 

 

 

المرفقات

مغفرة الذنوب1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات