أسباب ضعف الأمة وتفرقها

ناصر بن محمد الأحمد

2012-10-31 - 1433/12/15
عناصر الخطبة
1/ قوة الإسلام وعظمته 2/ ما أعظم الفرق بين أمس واليوم 3/ غربة الإسلام 4/ أسباب ضعف المسلمين وتفرقهم 5/ أقوى عوامل انحلال المجتمعات وانهيارها 6/ انحرافات في فهم العقيدة

اقتباس

إن المتأمل في واقع الأمة الإسلامية اليوم، يلاحظ كيف أنها وصلت إلى حالة سيئة، من ضعف ووهن وشتات واختلاف، ضعف في عقيدتها، وضعف في قوتها، وضعف في اقتصادها وضعف في قراراتها، وضعف في تسيير شئون نفسها، ثم ضعف في ..

 

 

 

أما بعد:

أيها المسلمون: لقد كثرت الشبهات، وأطلت البدع برأسها، وتغير الحال وتبدل، وتمكن الكفار من ركاب المسلمين في كل مكان، وأصاب المسلمين ضعفٌ وتفرقة، وعاد الأمر غريبًا كما بدأ غريبًا، فكانت الحيرة وكانت التساؤلات، ولا يشك أحد من الناس من تباعد الدنيا بصفة عامة والمسلمون بصفة خاصة عن دين الله، والبون شاسع والفارق كبير بين ما كان عليه سلفنا الصالح من عز ونصر وتمكين، وما عليه المسلمون اليوم من ذل ومهانة وفشل وضياع.

وقد كتب عمر رضي الله عنه لأبي عبيدة رضي الله عنه يومًا يقول له: "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما نطلب العز في غيره أذلنا الله"، وقد استمرت هذه العزة الإيجابية في هذه الأمة جيلاً بعد جيل عندما استقامت على أمر ربها، حتى بعث هارون الرشيد إلى نقفور كلب الروم، فإن الأمر ما ترى لا ما تسمع، وكان يحج عامًا ويغزو عامًا وينظر إلى السحابة وكأنه يخاطبها يقول: "سيري أينما شئت أن تسيري سيأتيني خراجك".

لقد تبدل الحال وتغير وما ربك بظلام للعبيد، و(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11]، بدأت ومع الأسى تيارات غريبة في الأمة، فكيف لا يصيبها الضعف والتفرق، بدأت فئام من الأمة تعتقد بأن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم رجعية، والعمل بسنته تزمت، وبدأت أصوات تخرج في كل مكان، تسمى المتمسك بدينه أصولية، فكيف يرجى حسن العاقبة في الآخرة، ومصيرنا في الدنيا ظاهر معلوم، بل أصبحنا نعتز بكل معصية، ونشق الطريق لكل منكر. ونرى من يدعو إلى الكفر بعين ملؤها غبطة والمعترض على تحركات الكفر في ديار المسلمين، والمعترض على تغلغل النصارى في كل شيء، رجعيًّا أصوليًّا، يستحق الطرد أو الحبس؛ لأنه يعوق المجتمع عن التقدم ويحول دون طريقة إلى النهضة والمدنية.

أيها المسلمون: إذا كان الله لا يأخذنا بعذاب يفاجؤنا، ونقمة تقضي علينا جميعًا، بسبب ما ترتكبه الأمة، فذلك بفضل رحمة الله علينا، ودعاء نبيه صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة أن لا يعمها الله بعذاب، ولا يستأصل شأنها؛ وذلك لأن هذه الأمة، تحمل الأمانة الأخيرة، ولأنها أمل الإنسانية الأخيرة، ما أعظم الفرق أيها الإخوة، بين أمسنا ويومنا، وما أعظم الفرق بين الإسلام دينًا، والمسلمين واقعًا.

فيا له من دين لو أن له رجال! وما أجمله من دين لو تمثّله مجتمع! وما أحسنه من دين، لو طُبق في واقع الناس! لقد انفصلت بعض الساعات عن بعض، وبعض العبادات عن بعض، وتباعدت الدنيا عن الآخرة، والأرض عن السماء، وأصبح الدين في وادٍ، والواقع في وادٍ ثانٍ وحُورِب الإسلام بيد أبنائه، بعد أن كان وما يزال يُحَارب بيد أعدائه، واستبدل شرع الله بنظم وضعية، وقوانين كفرية، وأطلت البدع والشركيات برأسها، وابتُلي المسلمون، وابتُليت الأمة، ببعض علماء السوء، يلبّسون على الناس أمر دينهم، ويفتون وهم أذناب وتبع لغيرهم، فأحلوا ما حرم الله، وحرموا ما أحل الله فكانوا بمثابة قُطاع الطريق إلى الله.

وبالجملة فقد أصبح الإسلام غريبًا وسط أهله وبنيه، وكأنه ينادي المسلمين من مكان بعيد من يوم بدر وأحد: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 144].

أيها المسلمون: إن المتأمل في واقع الأمة الإسلامية اليوم، يلاحظ كيف أنها وصلت إلى حالة سيئة، من ضعف ووهن وشتات واختلاف، ضعف في عقيدتها، وضعف في قوتها، وضعف في اقتصادها وضعف في قراراتها، وضعف في تسيير شئون نفسها، ثم ضعف في كل جانب من جوانبها، فأدى ذلك إلى تكالب أعدائها عليها، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، محاولين تحطيمها والإجهاز عليها، أما واقع المجتمع اليوم، مجتمع سيئ، قد أصاب العلاقات الاجتماعية التي تربط أفراده، الضعف والوهن، والبعد عن منهج الله سبحانه وتعالى.

كذلك أيها الإخوة: يجد المتتبع لواقع الأسرة، في الدول الإسلامية اليوم، التمزق والتباغض والتحاسد والانحلال، هو الذي أصاب أغلب الأسر اليوم.

أما بالنسبة للفرد، فقد تشوهت عقيدته، في كثير من الأمور، وحدث له قصور في الفهم وضعف في شعوره بانتمائه للأمة الإسلامية، وجهل لكثير من أمور دينه، إلا من رحم الله عز وجل.

وهناك من أبناء المسلمين، وقع تحت تأثير الفكر المعادي للإسلام، الذي أوهم أبناء المسلمين أن السبيل الوحيد للخلاص من الفقر، والجهل والتخلف، هو التخلص من ربقة الإسلام، وأن تنهج الشعوب الإسلامية، نهج الغرب الكافر، في محاربة الدين، وتنحيته عن معترك الحياة.

إن المتفحص لكل ذلك يا عباد الله، ليشعر بالألم والحزن والمرارة لواقع المسلمين، ولكن الأمور لا يمكن أن تتغير بالأحزان والآلام والانفعالات، (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11]، لكنا نقول بأن هذه الأحزان لعلها تكون بداية الوعي واليقظة، وبداية لطريق طويل في التصحيح والتغيير.

أيها المسلمون: إن الحديث عن أسباب ضعف المسلمين وتفرقهم حديث طويل، وطويل جدًّا، لأنه يحكي قصة أربع عشر قرنًا من الزمان، فلا يكفيه حديث جمعة، ولا جُمَع سنة كاملة، لكن بعد توفيق الله عز وجل، نحاول بين فترة وأخرى إبراز بعض النقاط الهامة والكبيرة. والتي نعتقد أنها من أبرز أسباب ضعف المسلمين وتفرقهم، لا شك بأن البعد عن الدين هو السبب الرئيس. لكن هذا كلام عام يحتاج إلى تفصيل ولفهم كيف بعد الناس عن الدين، لا بد من تجزئة هذا السبب الكبير.

أيها الإخوة في الله: لقد عاش المسلمون في العصور الأولى متشبعين بروح الإسلام وتعاليمه، تربوا تربية صحيحة، أنارت بصيرتهم، وصقلت نفوسهم، وهذّبت سلوكهم، ذلك أنهم أخذوا بتعاليم القرآن الكريم، وتأسوا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفهموا الإسلام فهمًا صحيحًا، وعملوا واجتهدوا في نطاق المنهج الرباني وحدوده. فاستطاعوا بذلك أن ينهضوا نهضة عظيمة في مدة وجيزة، فأقاموا حضارة زاهية ومجتمعًا متماسكًا قويًّا، واستمر ذلك المجتمع بقوته وريادته ونوره المشع على أرجاء المعمورة، عدة قرون.

ثم بدأ ذلك النور المشعّ ينحسر شيئًا فشيئًا، فعاش أبناء المجتمع في ليال سوداء قائمة، وهم ضعفاء أذلاء، تفرقت الكلمة، وتصدع البنيان، وتداعت عليهم الأمم من كل حدب وصوب، فذهبت الهيبة، وانهار كيان المجتمع، ولم يكن ذلك عن قلة، ولكن أصبحوا كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم "غثاء كغثاء السيل" فزحف المستعمر من كل مكان، لينهش من هذا الجسم المريض، وبدأ الاستعباد والذل والهوان، كل ذلك حدث عندما هانت الأمة على نفسها، حتى فقد المجتمع الإسلامي ثقته بنفسه، وأصبح الإسلام في نفوس أصحابه ألفاظًا بلا معنى، واتجه شرار المجتمع صوب المستعمر الآثم، يتبعون خطواته حذو القذة بالقذة، كما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد في مسنده: "ليحملن شرار هذه الأمة، على سنن الذين خلوا من قبلهم، أهل الكتاب، حذو القذة بالقذة".

وانقسم المجتمع إلى فئات ثلاث: الفئة الأولى: انطفأ نور الإيمان في قلبها، فانصرفت عنه إلى نوع من الإلحاد، وشكت في صلاحية الإسلام للحياة، واعتقدت أن الأخذ بأسباب المدينة الغربية، والانغماس والاستمتاع بشهواتها هو كل الحياة. أما الإسلام في نظرها، فهو سبب التخلف والجمود والرجعية.

الفئة الثانية: اكتفت من الإسلام بالمظهر، اكتفوا منه بالأحوال الشخصية، منه زواج وطلاق. وصار يؤدي بعض المظاهر من الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصيام وغيرها.

أما الفئة الثالثة: فهي المؤمنة، المتمسكة بجوهر الدين قابضة عليه كالقابض على الجمر، غريبة في وطنها تصلح ما أفسد الناس، فهي محط الأمل وموضع الرجاء نسأل الله القدير أن يأخذ بيدها لتعيد الأمة إلى مجدها وعزها.

أيها المسلمون: وقبل ذكر بعض أسباب ضعف الأمة وتفرق كلمتها، فإن هناك سنة ثابتة في هذا الكون ذكرها الله تعالى في كتابه، تختص بهلاك ودمار الأمم، وسقوط الدول، وتخلخل المجتمعات وهي قول الله جلا وعلا: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16].

يقول الإمام الطبرى رحمه الله في تفسير هذه الآية: "أمرنا أهلها بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها وذلك بمخالفتها أمر الله وخروجهم عن طاعته، فحق عليها القول أي فوجب عليهم بمعصيتهم وفسوقهم فيها وعيد الله الذي أوعد من كفر به وخالف رسله من الهلاك بعد الإعزار والإنذار.

أيها المسلمون: إن هذه الآية الكريمة من سورة الإسراء تشير إلى أن مراحل الانحدار إلى الهاوية، يبدأ من انحلال وفساد القمة الاجتماعية في هيكل المجتمع. ففساد القمة نذير صارخ بإفساد المجتمع، وبالإضافة إلى ما ذكر، فإن الترف عامل من أقوى عوامل الانحلال، وأسرعها وأخبثها في انهيار المجتمع؛ إذ إنه يفتت روابطه؛ لأن الانغماس في واقع الشهوات وإشباع الغرائز المنهومة، يميت الشعور بالنخوة ويقتل الإحساس بالعزة والغيرة، ويجعل الرذائل من مؤلفات الحياة في هذه المجتمعات المنحدرة إلى هاوية الانهيار، بل يجعل الرذائل ميدانًا للتنافس الفاجر.

إذا فسدت القمة ووقعوا في الترف، وصار الترف هو الغالب في طبقات المجتمع، فقل على هذا المجتمع السلام، فلا يهتم أحد برفع رأسه إنكارًا لها، بل يجد المجتمع في كبرائه المترفين، من ينكر على مَن ينكر هذه الرذائل. وتصبح الفضائل الخلقية والقيم الروحية غرائب في نظر هذا المجتمع المنحل المتحلل، وعندئذِ تحق عليهم كلمة الله، ويحل بهذا المجتمع الضعف والتفرق أكتفي بهذه المقدمة.

وسأبدأ في الخطبة الثانية، بالسبب الأول الذي أضعف المسلمين، وفرق بينهم.

اللهم علمنا ما ينفعنا..

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

أما بعد: أهم وأول سبب في ضعف الأمة، وتفرق كلمتها هو: خلخلة العقيدة في قلوب الناس، وسوء فهم العقيدة في قلوب الناس، عدم صفاء المعتقد الصحيح، معتقد أهل السنة والجماعة، ثم التطبيق والممارسة الواقعية لهذا المعتقد لدى كثير من أبناء الأمة. فإذا كان ما في قلوب الناس لها مشارب شتى فكيف الاجتماع والوحدة.

إن للعقيدة الصحيحة أهميتها في تربية الأفراد وتوجيههم، فإذا رسخت العقيدة في قلب الإنسان، فإنها سرعان ما تنعكس على جوارحه، وعلى خُلقه وسلوكه ومعاملاته، ولهذا لا غرابة أن كثيرًا من الآيات والسور المكية عالجت موضوع العقيدة بجميع جزئياتها. ولقد تربى المجتمع الإسلامي في عهد صلى الله عليه وسلم على العقيدة السليمة، التي حررت الإنسان من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد.

إن العقيدة يا عباد الله، هى الأساس الذي يبنى عليها النظام الأخلاقي، وهي التي تكون الأساس الفكري لعقلية المسلم، والأساس النفسي لسلوكه. ومن العقيدة تنبثق نظرته إلى الحياة الاقتصادية والحياة السياسية وغيرها، وكذلك أيها الإخوة فإن العقيدة لها تأثير كبير في علاقة أفراد المجتمع بعضه البعض، سواء الفردية أو الجماعية، ألا تجد بأن هناك موظفات في مكتب واحد، ومن منطقة واحدة، لكنك تجد النفرة والتباغض بينهم؛ لأن الأول على عقيدة أهل السنة والجماعة، والآخر على عقيدة أخرى كعقيدة الرافضة مثلاً وإن كانا يحملان نفس الجنسية.

إذًا العقيدة أيها الإخوة هو الأساس، وهى القاعدة وهو المنطلق لجميع تصورات، وتصرفات الإنسان، ولكن المتأمل في واقع المجتمع اليوم. يجد أن هذا المجتمع مختلف في صفاته وخصائصه عن المجتمع الإسلامي في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.

ومن أهم الأسباب سوء فهم العقيدة عند متأخري هذه الأمة؛ حتى وصل الحال عند بعض أهل السنة، أنه لا يبالي في مصاحبة وموالاة والثقة بأبناء غير أهل السنة.

إلى هذا الحد وصل التسيب في اعتقاد كثير من المسلمين. وبعد ذلك كيف لا يكون سوء فهم العقيدة من أهم الأسباب في هدم كيان الأمة.

ومن الانحرافات العقائدية الخطيرة أيضًا والتي تهدّد كيان الأمة: ما حصل في كثير من بلاد المسلمين، وإن كنا نحن ولله الحمد في هذه البلاد سلمنا من هذا الانحراف شيئًا ما وهو الاستغاثة والدعاء عند القبور والأضرحة. وإيقادها بالسُّرُج، والتمسح بها، وذبح القربات لها، واعتقاد أنها تنفع وتضر من دون الله، وهذا والله أعلم أيها الإخوة، إنه شائع في كثير من الدول الإسلامية، وهناك الملايين من المسلمين من يعتقد بهذه الأمور فإذا أُصيب بمرض أو جاءته مشكلة أو مصيبة، توجه إلى هذه القبور، بالدعاء والبكاء والتقبيل، ليشفى من مرضه أو لتحل مشكلته. أو لتعود إليه زوجته.

لا تتصوروا يا عباد الله أن هذه أمثلة مبالغ فيها، بل إنها واقعة، وأكثر من هذا كثير من بلاد الشام ومصر وغيرها مننتشر فيها هذه الاعتقادات الفاسدة، وهناك المزارات تُبنى وتُشيَّد لأجل هذا.

فأين يأتي نصر الله، وأين يأتي تمكين الله لهذه الأمة، وكيف لا ينهدم كيانها وينهدم بنائها، وهذا حال أبنائها.

تركوا الله عز وجل وتوجهوا إلى غيره، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "لا يجوز أن يتخذ شيء من القبور والآثار والأشجار والأحجار ونحوها، بحيث يرجى نفعه وبركته بالنذر له، والتمسح به، أو تعليق شيء عليه بل كل هذا من جنس الشرك".

وقال أيضًا: "ومن أعظم الشرك أن يستغيث الإنسان برجل ميت عند المصائب، فيقول يا سيدي فلان، كأن يطلب منه إزالة الضرر أو جلب نفعه كما هو حال النصارى في المسيح وأمه، وأحبارهم ورهبانهم".

انحراف آخر في سوء فهم العقيدة، أيضًا منتشر في أوساط كثير من المسلمين. انحراف فهم القضاء والقدر.

كثير من المسلمين عندما تأمل حال العالم الإسلامي ورأى الهزيمة والذل والإهانة للمسلمين من قبل أعدائهم، استسلم لهذا الواقع، وقال هذا ما حصل إلا بقضاء الله وقدره.

وكذلك من رأى المنكرات والفواحش قد انتشرت في المجتمع، ورأى هذا الواقع السيئ من انحلال الشباب والشابات، ووقوع كثير من الشباب في أسر المخدرات وفي أسر المغازلات والمعاكسات يئس من تغيير هذا الواقع السيئ، ورماها على القضاء والقدر، ما حصل هذا في المجتمع إلا بقضاء الله وقدره. فترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك الدعوة إلى لله، وترك النصح والإرشاد بحجة أن الله هو الهادي.

نقول نعم أيها الإخوة، لا يمكن أن يحدث شيء في الكون إلا بقضاء الله وقدره. لكن من سوء فهم العقيدة، أن تسلم لكل قضاء الله وقدره. اعتقد غالب الناس أن كل ما كان بقضاء الله وقدره يجب التسليم له. فنقول بأن هذا غير صحيح ولا يجوز أصلاً أن تسلم بكل ما قضاه الله وقدره.

وسأضرب لذلك مثلاً: لو وقع أحدكم لا سمح الله، بجريمة زنا، فهل هذا الذي حصل منه ووقع فيه، بقضاء الله وقدر أم لا؟ لا شك أنه بقضاء الله وقدره. وحاشا أن يحصل شيء في الكون كله بغير إرادة الله عز وجل. لكن السؤال؟ هل ترضى بأمر الزنا وتقول حصل بقضاء الله وقدره. لا أتصور أن مسلمًا عاقلاً سليم المعتقد يقول بهذا. لكن المطلوب في هذه الحالة أن نغيّر هذا القدر بقدر آخر وهو التوبة والاستغفار والإقلاع عن هذا الذنب، حتى التوبة لا يمكن أن تحصل منك إلا إذا بقضاء الله وقدره.

فكيف بعد هذا يسلم بعض الناس لحال الواقع بحجة القضاء والقدر؛ يستسلمون للمنكرات ويستسلمون للانحرافات الموجودة بحجه القضاء والقدر، ولا شك أن هذا انحراف واضح في العقيدة، وسوء فهم العقيدة الإسلامية الصحيحة.

انحراف آخر في العقيدة، أدى إلى سوء فهم هذه القضية أيضًا مفاسد كثيرة وحدث شرخ كبير في بناء الأمة وهو عقيدة التوكل.

من الأمور التي أصابها تشويه أيضًا، مفهوم التوكل على الله، فقد فهم بعض أفراد المجتمع المسلم أن التوكل هو ترك الأخذ بالأسباب، مع أن هذا الأمر مخالف لدين الإسلام، ولو كان الأمر كذلك لطبقه سيد المتوكلين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان يأخذ بجميع الأسباب، فيتخذ للنصر عُدته، وللسفر زاده، وللمرض دواءه، ويحث الصحابة على العمل والسعي في طلب الرزق.

ومن انحرافات فهم التوكل أيضًا: عدم التوكل على الله عز وجل التوكل الحقيقي في كل الأمور. فكم من المسلمين من يعتقد بأن رزقه في يد رئيسه في العمل. تجد بعض الموظفين مثلاً يعمل عملاً مخالفًا للنظام. ولو سألته لماذا؟ قال لأن الرئيس طلب مني ذلك ولو قلت له كيف تطيع رئيسك في أمر محرم ولا يجوز ويخالف النظام، لقال لك إذا لم أفعل ما طلب، فسوف يقطع عليّ العلاوة، أو يفصلني من الوظيفة فيقطع رزقي.

فأين صدق عقيدة التوكل على الله عز وجل، لقد ضعف التوكل على الله سبحانه وتعالى عند غالب المسلمين إلا من رحم ربى في كل شيء، وفى كل جانب. كم من المسلمين ومن الدول الإسلامية من يثقون بقوة أمريكا ويتوكلون عليها أكثر من ثقتهم بقوة الله عز وجل وتوكلهم عليه كم من الدول من تعتمد كما يقال على الدول العظمى أكثر من اعتمادها على الله عز وجل.

فأين عقيدة التوكل أيها الإخوة؟! يقول عليه الصلاة والسلام: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا" مسألة الخوف من الله عز وجل.

ولو قمنا أيها الإخوة بالتفصيل والتتبع لكثير من جزيئات العقيدة، لوجدنا سوء الفهم فيها.

فكيف بعد هذا لا يكون سوء فهم العقيدة من أخطر وأهم أسباب ضعف الأمة وتفرق كلمتها. وليس هناك طريق ولا أمل للقضاء على هذا السبب إلا عن طريق العلم، لا بد من تعلم العقيدة ودراسة العقيدة وفهم العقيدة، على الوجه الصحيح؛ لأن العقيدة هي أساس كل شيء، ولو اهتزت القاعدة، سقطت القمة ثم بعد ذلك ممارستها وتطبيقها.

أسأل الله عز وجل أن يبصرنا في أمور ديننا ودنيانا، وأن يأخذ بأيدينا، إنه خير مسئول.

اللهم من أراد المسلمين بسوء ...
 

 

 

 

المرفقات

ضعف الأمة وتفرقها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
06-02-2021

#نصيحة_كل_يوم
من أسباب النزاع وشتات الأمة

تبديل الشريعة وتعطيل أحكامها وإعراض الحكام عن تطبيقها، من أكبر أسباب النزاع والتفرق واختلاف القلوب في الأمة. قال صلى الله عليه و سلم: «وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم» (رواه ابن ماجه في سننه: 4017).

عضو نشط
زائر
06-02-2021

 

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم