أسباب جلب الرزق

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-09-16 - 1444/02/20 2022-10-30 - 1444/04/05
عناصر الخطبة
1/تكفل الرزاق بأرزاق خلقه 2/الأسباب المشروعة لجلب الرزق.

اقتباس

الِاسْتِغْفَارُ يُسْتَنْزَلُ بِهِ الرِّزْقُ وَالْأَمْطَارُ، كَانَ عَادٌ -قَوْمُ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَهْلَ بَسَاتِينَ وَزُرُوعٍ وَعِمَارَةٍ، فَحُبِسَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ، فَقَالَ لَهُمْ هُودٌ: إِنْ آمَنْتُمْ وَأَكْثَرْتُمُ الِاسْتِغْفَارَ؛ أَحْيَا اللهُ بِلَادَكُمْ، وَرَزَقَكُمُ الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ، وَزَادَكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ...

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: تَكَفَّلَ الْخَالِقُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِرِزْقِ خَلْقِهِ؛ فَكُلُّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْأَرْزَاقِ وَالْخَيْرَاتِ هِيَ مِنَ الرَّزَّاقِ -جَلَّ شَأْنُهُ-؛ فَهُوَ الَّذِي يَرْزُقُ جَمِيعَ الْخَلَائِقِ؛ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ وَبَهَائِمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا رَازِقَ لَهَا سِوَاهُ، قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)[الذاريات:58].

 

وَقَدْ قَسَّمَ اللهُ -تَعَالَى- الْأَرْزَاقَ وَكَتَبَهَا عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ عَلَى هَذِهِ الْبَسِيطَةِ، وَجَلَّى لِخَلْقِهِ أَسْبَابَ اسْتِجْلَابِهَا وَالْحُصُولِ عَلَيْهَا؛ فَمِنْ ذَلِكَ:

الْإِيمَانُ بِاللهِ، وَتَحْقِيقُ تَقْوَاهُ -سُبْحَانَهُ-، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ –تَعَالَى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)[الأعراف: 96]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2-3].

 

وَمِنْهَا: التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مَعَ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ؛ تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).

 

وَمِنَ الْأَسْبَابِ: لُزُومُ الصَّلَاةِ وَحَثُّ الْرَّعِيَّةِ عَلَيْهَا؛ فَهِيَ صِلَتُكَ بِاللهِ؛ فَيَذْكُرُكَ اللهُ مَعَ مَنْ يَرْزُقُ مِنْ عِبَادِهِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)[طه: 132]، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي قَوْلِه –تَعَالَى-: (لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ)؛ يَعْنِي: إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ أَتَاكَ الرِّزْقُ مِنْ حَيْثُ لَا تَحْتَسِبُ".

 

كَمَا أَنَّ مِنَ الْأَسْبَابِ: أَدَاءَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْمُتَابَعَةَ بَيْنَهُمَا؛ فَفِيهِمَا بَرَكَاتٌ، وَفِيهِمَا أَرْزَاقٌ مِنَ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةَ؛ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةَ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ).

 

وَمِنْهَا: الْإِنْفَاقُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ؛ سَوَاءً النَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ؛ كَالزَّكَاةِ وَإِعَالَةِ الْأَبْنَاءِ وَالْأَرْحَامِ الْمُعْسِرِينَ، أَوِ الْمُسْتَحَبَّةِ كَكَفَالَةِ الْيَتِيمِ وَإِطْعَامِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ الصَّدَقَاتِ الْمَنْدُوبَةِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ: 39].

 

وَصِلَةُ الْأَرْحَامِ مِنَ الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِلرِّزْقِ؛ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، قَالَ النَّوَوِيُّ: "بَسْطُ الرِّزْقِ: تَوْسِيعُهُ وَكَثْرَتُهُ"، وَقِيلَ: "الْبَرَكَةُ فِيهِ"؛ فَقَدْ يَكُونُ قَلِيلًا، لَكِنْ يَكُونُ فِيهِ بَرَكَةٌ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللهِ: وَيُطْلَبُ الرِّزْقُ بِشُكْرِ الْمُنْعِمِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ قَالَ –تَعَالَى-: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم: 7].

 

وَإِنْ أَرَدْتَ سَعَةَ الرِّزْقِ فَتُبْ إِلَى اللهِ، وَأَكْثِرْ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ؛ لِقَوْلِهِ –تَعَالَى-: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا) مَتَاعًا يُمَتِّعُكَ اللهُ مِنْ عِنْدِهِ، مَتَاعًا حَلَالًا تَسْتَحْسِنُهُ النُّفُوسُ، (إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)[هود: 3].

ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ يُسْتَنْزَلُ بِهِ الرِّزْقُ وَالْأَمْطَارُ، وَأَنَّ عَادًا -قَوْمَ هُودٍ- كَانُوا أَهْلَ بَسَاتِينَ وَزُرُوعٍ وَعِمَارَةٍ، فَحُبِسَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ، فَقَالَ لَهُمْ هُودٌ: إِنْ آمَنْتُمْ وَأَكْثَرْتُمُ الِاسْتِغْفَارَ؛ أَحْيَا اللهُ بِلَادَكُمْ، وَرَزَقَكُمُ الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ، وَزَادَكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ".

 

رَوَى الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ؛ فَشَكَا إِلَيْهِ الْجَدْبَ فِي الْأَرْضِ؛ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: "اسْتَغْفِرِ اللهَ" فَأَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَقْرَ؛ فَقَالَ لَهُ: "اسْتَغْفِرِ اللهَ".

 

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: لَا بُدَّ مِنَ السَّعْيِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ اسْتِجَابَةً لِأَمْرِ الرَّزَّاقِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الْقَائِلِ: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[الملك: 15].

 

أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- وَاطْرُقُوا أَبْوَابَ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ يَرْزُقْكُمْ رِزْقًا حَسَنًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاحْذَرُوا الْمَوَانِعَ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَرْزَاقِكُمُ الَّتِي كَتَبَهَا اللهُ لَكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ لَعَلَّكُمْ تُرْزقُونَ.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

أسباب جلب الرزق.pdf

أسباب جلب الرزق.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات