أسباب الهزيمة وما قد تؤدي إليه من نتائج

محمد بن صالح بن عثيمين

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/قضاء الله صادر عن حكمته ورحمته 2/الهزيمة تمحيص وابتلاء 3/بعض أسباب الهزيمة والحذر منها 4/حرص الجنود المخلصين على معرفة أسباب الهزيمة وتخلصهم منها 5/فوات المحبوب وحصول المكروه قد يكون خيرا

اقتباس

إن الهزيمة تمحيص وابتلاء، فقد يكون المهزوم مسرفا على نفسه، مقصرا في حق ربه، فتكون الهزيمة تأديبا له، وتكفيرا لسيئاته. وقد يكون المهزوم؛ مفتخرا بنفسه، معجبا بقوته الداخلية والخارجية، فيهزمه الله، ليعرف بذلك قدر نفسه، وأنه ضعيف، لا حول له ولا قوة إلا بالله الذي بيده أزمة الأمور، ونواصي الخلق. وقد يهزم الجنود بـ...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الواسع العليم العلي العظيم المتصرف في خلقه بما تقتضيه حكمته ورحمته، فهو الحكيم الرحيم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل العظيم، والخير العميم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المبعوث بالهدى والرحمة والصبر واليقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.

 

أما بعد:

 

أيها الناس: اتقوا الله وآمنوا بقضائه وقدره، واعلموا: أن ما يقضيه الله في خلقه، فإنه صادر عن مقتضى حكمته ورحمته، لا يخلق شيئا سدى، ولا يقدر شيئا إلا رحمة بالعباد، فإن رحمته سبقت غضبه، ولا يقضي لعباده المؤمنين إلا ما هو خير لهم.

 

فإن المؤمن إما أن يصاب بسراء ونعمة فيقوم بالشكر لله -تعالى- فيكون ذلك خيرا له.

 

وإما أن يصاب بضراء ونقمة فيصبر على ذلك، ويحتسب الأجر من الله، ويعلم أن لله في ذلك من الحكمة ما لا تدركه العقول، ويكون بالصبر على المصائب خير له.

 

وقد يقدر الله الأمر يكرهه الناس، فينتج عن ذلك من المصالح ما تتبين به حكمة الله -تعالى- ورحمته، قال الله -تعالى-: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 216].

 

فالمقاتل مثلا يحب الانتصار على عدوه، والظهور عليه، ولكن قد تأبى ذلك حكمة الله، فيغلب ويهزم، وينتصر عليه عدوه، فيكره ذلك، ويمتعض منه، ولكن قد يكون في هذه الهزيمة خير كثير تظهر نتائجه إما عاجلا وإما آجلا.

 

وذلك أن الهزيمة تمحيص وابتلاء، فقد يكون المهزوم مسرفا على نفسه، مقصرا في حق ربه، فتكون الهزيمة تأديبا له، وتكفيرا لسيئاته.

 

وقد يكون المهزوم؛ مفتخرا بنفسه، معجبا بقوته الداخلية والخارجية، فيهزمه الله، ليعرف بذلك قدر نفسه، وأنه ضعيف، لا حول له ولا قوة إلا بالله الذي بيده أزمة الأمور، ونواصي الخلق.

 

وقد يهزم الجنود بسبب تفرقهم واختلاف كلمتهم، فتكون الهزيمة سببا لمعرفة الداء الذي أصيبوا منه، فيسعون في إزالة هذا الداء ويجمعون كلمتهم ويوحدون صفوفهم.

 

وقد بين الله -تعالى- في كتابه هذه الأسباب الثلاثة للهزيمة؛ ليحذر الناس منها، ففي غزوة أحد حصل من بعض المسلمين مخالفة فيما أمروا أن يكونوا فيه، فحصلت الهزيمة عليهم، قال الله -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 166].

 

وذكر لذلك حكما عظيمة.

 

وفي حنين أعجب المسلمون بكثرتهم، وكانوا اثنى عشر ألفا، فقال بعضهم: "لن نغلب اليوم من قلة" فقال تعالى مخبرا عن ذلك: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ* ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[التوبة: 25 – 27].

 

والحكمة في ذلك: أن يعلم العباد أن النصر من عند الله -تعالى-، وأن الأسباب ليست وحدها هي الكافية في الانتصار، ودحر الأعداء، خصوصا إذا افتخر العبد بها، ونسي أن الأمور كلها بإذن الله، وإن العبد إذا وكل إلى قوته وكل إلى ضعف وعجز وعورة.

 

أما التنازع والتفرق، فهو أيضا من أسباب الهزيمة، قال الله -تعالى-: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)[الأنفال: 46].

 

فإذا كانت هذه الأمور الثلاثة من أسباب الهزيمة، فإن الجنود المخلصين لا بد أن يتأملوا الأسباب، ومن أين حصلت هزيمتهم، ثم ليسعوا في القضاء على الداء، فتكون النتيجة خيرا، ويكون المهزوم أوعى وأبعد نظرا مما كان قبل هزيمته.

 

ويكون في الهزيمة من المصالح أضعاف أضعاف النصر، يقول الله -تعالى-: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 216].

 

والإنسان قد يحب أن ينال شيئا من المال، ويطمع في ذلك، ثم يصرف عنه ولا يحصل له، فيندم على ذلك، ولكن عندما يراجع نفسه يقول لعل الله صرفه عني لخير أراده لي، فيزول ندمه، ويطمئن قلبه.

 

ففوات المحبوب -أيها المسلم-: قد يكون خيرا لك كما أن حصول المكروه قد تكون عاقبته خيرا، والله -تعالى- يقدر هذا وهذا، فمن وفق للرضا بقضاء الله وقدره نال الخير والطمأنينة وراحة البدن، ومن فكر وقدر واعترض على القضاء ولم يرض، فذلك القلق الهالك.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قال الله -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)[الطلاق: 12].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ... إلخ...

 

 

 

المرفقات

الهزيمة وما قد تؤدي إليه من نتائج

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات