عناصر الخطبة
1/حقيقة الأرحام 2/ صلة أخوة النسب 3/ أثر العدل بين الأبناء على الصلة 4/ موسى وهارون -عليهما السلام- أنموذجا 5/ بماذا تكون الصلة؟ 6/ حرمة القطيعة 7/ الصلة الحقيقيةاقتباس
.. وربما حمل على التفضيل حب إحدى الزوجتين، فيغدق على أولادها ويحجب الآخرين، وربما حرم البنات؛ لأن الذكور ذووا التزامات، وحتى لا يذهب ماله لأزواجهن، ويمتلك أولاد غيره بزعمه ميراثهن. وهذا تعد على حدود الله؛ فالبنات لهن حق في الميراث قد فرضه الله لهن؛ فمن حاول حرمانهن أو تجزئة الأموال بالوقف والوصايا فهو عاص لله ورسوله، ظالمٌ لنفسه وأولاده ..
الحمد لله خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً, أحمده سبحانه واشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, أحاط بكل شيء خبراً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله أعلى الناس منزلة وأعظمهم قدراً, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فاتقوا الله -معاشر المصلين-: ثم أن الله -جل جلاله- كفل من الحقوق ما تستقيم به حياة المرء المسلم، وبين رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الواجبات والصلات ما يحقق للناس السعادة البشرية.
إخوة الإسلام: وإن من أعظم الحقوق وأبرز الواجبات ما قرره الإسلام في صلة الرحم فقد قال الله -جل جلاله-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).[النساء :1]
الرحم تطلق على الأقارب الذين بينك وبينهم نسب كالوالد والوالدة وكالخال والعم، وكالأخ والأخت وكل من كان بينك وبينه نسب، وتكون الصلة كلما كانت القرابة أقرب.
وإنني في هذه الخطبة -إن شاء الله- سأعرج على صنف من هذه الأصناف الواجب صلته، بل تأتي مرتبته في الصلة في أعلى المراتب وأجلها ومع ذلك تجد فيه نوع تفريط من بعض المسلمين -هداهم الله-.
حديثي إليكم -معاشر الأحبة- سيكون عن أخوة النسب، والأخ يكون شقيقاً إذا كان من الأب والأم، أو قد يكون من أحدهما والأخت كذلك.
لقد رعى الإسلام هذا الحق العظيم، جاء في الحديث الصحيح عن أبي رِمثة رضي الله عنها اقل انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: " بر أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك ".
هذا الحق حق الأخ والأخت من الصلة والبر، يؤسس ابتداءً من الأسرة، فالأب والأم ينبغي عليهما التأكيد على هذا الحق فغرسه في نفوس الأبناء البنين والبنات منذ الصغر كفيل -بإذن الله- أن يكون هذا البر ملازماً لهم في حياتهم.
وإنه من هذا المنطلق فإن تفضيل بعض الأبناء على بعض أو منح أحدهم أو بعضهم ميزة ليست لإخوانه أو أخواته وخاصة إذا تعددت الزوجات -أعني أمهات هؤلاء الأبناء- هذا كله مظنة كبيرة لإفساد العلاقة بينهم، ولقد فطن الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لهذا الداء فقد أتاهُ بشيرُ بنُ سعدٍ أبْوالنعمانِ رضي الله عنه فقالَ يا رسولَ اللهِ: إنَّ أمَّ هذا طلبتْ منِّي أنْ أنحِلَ ابنهَا نِحلةً وأشهدَكَ عليَها فقالَ -صلى الله عليه وسلم-: "أكلَّ ولدِكَ أعطيتهُمْ مثلَهْ" قالَ: لاَ، قالَ: "أتحبُ أنْ يكونُوا لك في البِرِّ سواءً ؟" قالَ: نعم، قالَ: "فلَا إذاً" أخرجَهُ مسلمٌ، وفي لفظٍ قالَ لهُ: "لا تُشْهدْنِي علَى جَوْرٍ أخرجَهُ البخاريُ ومسلمٌ.
فدل هذا الحديث على تحريم تفضيل الأولاد بعضهم على بعض؛ فإن التفضيل يسبب القطيعة بينهم وبغض بعضهم بعضاً ومفارقة بعضهم بعضاً وحقد بعضهم على بعض، والعدل بينهم يسبب التئامهم وجمع كلمتهم وقد يستمسك الأب الحنون بأعذار هاوية، وأسباب واهية، فيقول: هذا ابن يسمع ويطيع، وهذا بار لي وصاحب أدب رفيع، وهذا قريب لي، وأولئك بعيدون عني، هذا نافع لي في حاجاتي، وأولئك مشغولون عن متطلباتي .. نعم قد يكون مثل هذا العمل، لكن ليست التفرقة هي الحل، فلا يعالج الخطأ بالخطأ، ولا نحدث قطيعةً بقطيعة.
وربما حمل على التفضيل حب إحدى الزوجتين، فيغدق على أولادها ويحجب الآخرين، وربما حرم البنات؛ لأن الذكور ذووا التزامات، وحتى لا يذهب ماله لأزواجهن، ويمتلك أولاد غيره بزعمه ميراثهن. وهذا تعد على حدود الله؛ فالبنات لهن حق في الميراث قد فرضه الله لهن؛ فمن حاول حرمانهن أو تجزئة الأموال بالوقف والوصايا فهو عاص لله ورسوله، ظالمٌ لنفسه وأولاده.
أيها المسلمون: لقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- أخوة النسب في كتابه الكريم، وإن من أعظم البر بالأخ ما دعا به موسى الكليم -عليه السلام- ربه بأن يمن عليه بشقيقه هارون عليه بأن يجعله وزيراً له ومعيناً له في دعوته عندما كلف الله موسى -عليه السلام- بدعوة فرعون، فعندما دعا موسى عليه السلام (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً) [طه 25 :35] ، فجاء الجواب من الله -جل جلاله- (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى).
فانظروا -يا رعاكم الله- كيف دعا موسى -عليه السلام-، وكيف وصف هارون -عليه السلام- بهذه الصفة صفة الأخوة، حتى أنه لما باشرا هذه الدعوة وذلك التبليغ وانتكس من قومهما من انتكس كان من دعاء موسى -عليه السلام- (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأعراف:151].
وإن الناظر إلى كتاب الله -جل جلاله- والمتأمل فيه يجد أن جُل الآيات التي تحدثت عن موسى وهارون -عليهما السلام- مجتمعين كانت تُقرن بصفة الأخوة وكأنه تأكيد من الله -جل جلاله- على العناية بهذه الصلة العظيمة.
ويُلمس هذا المقصود من أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعبد الرحمن بن أبي الصديق رضي الله عنه: " يا عبد الرحمن أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم فإنها عمرة متقبلة " رواه البخاري.
ولما رأى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في المنام كأن في يديه سرقة من حرير، لا يهوي بها إلى مكان في الجنة إلا طارت به إليه، فقص الرؤية على أخته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " إن أخاك رجل صالح، أو قال: إن عبد الله رجل صالح ".
إن هذه الصلة العظيمة صلة أخوة النسب حقها كبير جداً، وهي ركيزة أساسية لصلة الرحم القائمة في الأساس على وحدة العقيدة الدينية؛ فكل ما ينبطق من حقوق وواجبات من حقوق وواجبات للأخوة العامة هي من باب أولى أن تكون بين إخوان النسب، فهذه الأخوة صلة ورحم بالإضافة إلا أنها أخوة دينية وثيقة.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: " وصلة الأرحام وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال".
أيها المسلم: الصلة تكون بالتناسي عن الزلات والصفح عن الخطيئات.وتفقد الأحوال، والإنفاق عليهم بالمال للمقتدر وبالعون على الحاجة، في الحديث الصحيح " يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول، أمك، وأباك، وأختك، وأخاك، ثم أدناك فأدناك ".
الصلة تكون بدفع الضرر وبطلاقة الوجه وتحمل قطيعتهم، وذلك يكون إذا كانوا أهل استقامة، أما إذا كانوا فجاراً فعلى الواصل بذل الجهد في وعظهم، ولا يسقط صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب إلى أن يعودوا إلى الطريقة المثلى.
اللهم اجمع قلوبنا على طاعتك واجعلنا موفقين للخير، وأرضنا وارض عنا، إنك سبحانك سميع عليم غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حث على الإحسان وأحب أهله فقال: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)، والصلاة والسلام الأتمين على نبي الهدى والرحمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ًكثيراً..
أما بعد:
فاتقوا الله -إخوة الإسلام-، واعلموا أن ماقررناه في الخطبة الأولى من اهتمام الإسلام بصلة الرحم وخاصة ما أكدنا عليه من صلة الأخ والأخت، وإنك لتعجب أشد العجب عندما تسمع أو ترى أن هناك قطيعة بين أخ وأخيه أو بين أخ وأخته أو بين أخت وأختها.
أيها المسلمون: ليس هناك مبرر مقبول مهما عظم من هذه القطيعة، ألم يقرع سمع هذا القاطع أو تلك القاطعة قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت بلى. قال فذلك لك " ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " اقرؤوا إن شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ * أَوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَـارَهُمْ) [محمد:23] رواه البخاري.
فالمسلم عندما يصل أرحامه يقوم بأمر أوجبه الله تعالى عليه، يطلب به الأجر والمثوبة من ربه لا من أخيه أو أخته لذلك فالصلة الحقيقية هي التي تبتدئ بالإحسان دون انتظار مكافئ من القول أو الفعل صادر من ذوي القربى وأعظم منها الصلة التي تستمر على الرغم من إساءة ذوي القربى ومقابلة إساءتهم بالإحسان.
اللهم اغفر لنا وارحمنا
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم