أخلاق للتفريق بين المتحابين

فواز بن خلف الثبيتي

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ركيزتان أساسيتان يقوم عليهما المجتمع 2/تفشي الأخلاق السيئة في المجتمعات 3/خطر النفاق والنميمة 4/خطر سوء الظن والشائعات 5/خطر إفشاء الأسرار 6/ الحسد داء الأمم السابقة

اقتباس

وثانيهما: متانة رابطة الأخوة بين أفراد المجتمع والمتمثلة في مؤاخاته بين المهاجرين والأنصار، وقد أمر الإسلام بالمحافظة على بناء المجتمع المسلم وتثبيته من كل من يصيبه أو يخلّ به، ونهى عن كل ما يضعف أو يزعزع كيانه وتماسكه، فحث على التعاون والتناصح وعيادة المريض، وإغاثة الملهوف، وبرّ الوالدين وصلة الأرحام، وغير ذلك من مقومات المجتمع المسلم، وفي المقابل...

 

 

 

 

الحمد لله الذي نعمه لا تُعدّ، وإحسانه لا يُحدّ، وبأسه لا يُردّ، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله.
 
 
أما بعد:
 
 
فاتقوا الله أيها الناس، عظموا أمره واحذروا معصيته، زكّوا نفوسكم، واحفظوا جوارحكم ، واشتغلوا بما فيه نفعكم، واجتماع أمركم.

 

أيها الأخوة في الله: مهما كان المجتمع المسلم كبيرًا أو صغيرًا، فإن بناءه وتماسكه لا يقوم إلا على ركيزتين أساسيتين بدء بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هجرته إلى طيبة في تأسيس المجتمع المسلم الأول في المدينة.

 

أولاهما: الإيمان بالله، والمتمثل في بناء المسجد.

 

وثانيهما: متانة رابطة الأخوة بين أفراد المجتمع والمتمثلة في مؤاخاته بين المهاجرين والأنصار، وقد أمر الإسلام بالمحافظة على بناء المجتمع المسلم وتثبيته من كل ما يصيبه أو يخلّ به، ونهى عن كل ما يضعف أو يزعزع كيانه وتماسكه، فحث على التعاون والتناصح وعيادة المريض، وإغاثة الملهوف، وبرّ الوالدين وصلة الأرحام، وغير ذلك من مقومات المجتمع المسلم، وفي المقابل حرم الحقد والحسد والتنابز بالألقاب والغيبة والنميمة والكذب والغش وجميع الأخلاق الموهنة لرباط الأخوة الممزقة لحباله.

 

إلا أن الناظر في حياة مجتمعنا وجميع مجتمعات المسلمين اليوم، يجدها لا تنفك من التباغض والشحناء، وصنوف الأحقاد والعداء..

 

وما ذاك إلا لانتشار جملة أخلاق ذميمة، يتصدر التعامل بها شرذمة من المفسدين، يندسون بين أفراد كل مجتمع متآلف، يندسون في مجالسهم وأماكن وظائفهم من مدارس ومكاتب وغيرها بل حتى المساجد لم تخلُ من هؤلاء النتن، يتتبعون السقطات ويسجلون الهفوات ويفرحون بها، ليوشوا ويتندروا بذلك.

 

أناس لا همّ لأحدهم – وللأسف- إلا التسلّي بشئون الآخرين والتهكم والازدراء والنقص: (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) [القلم: 11- 12].

 

أيها الأخوة في الله: إن هذا المسلك الخطير – أعني التفريق بين المسلمين وتشتيت صفوفهم – لينبئ بعواقب سيئة وينذر بنهايات مؤلمة.

 

فكيف يقوم للمسلمين قائمة ؟ وكيف يصححون أحوالهم وأوضاعهم؟ وهم متناحرون فيما بينهم، كيف يربّى الأبناء ؟ وكيف تصلح الأسر والبيوت ؟ والفرقة والبغضاء بين أفرادها ؟

 

كيف تهنأ بالحياة ويطيب العيش والأخ يكره أخاه، والبنت تعادي أمها، والأب يهجر ابنه على عرض من الدنيا مكيل؟ كيف يوجه وبما يوجه الطلاب إذا كان المدرسون في مدرستهم يسب بعضهم بعضًا ويسفّه بعضهم آراء بعض؟!

 

فالواجب علينا الحذر من هذا المسلك والبُعد عن كل ما يقرب إليه وخاصة تلك الأخلاق المذمومة المرذولة التي يتصف بها من فسدت قلوبهم وخبثت نواياهم ليصلوا بها إلى مآربهم ويحققوا بها أهدافهم.

 

وأول هذه الأخلاق عافانا الله وإياكم منها:

 

النفاق: وهو داء خطير، إن وجد في أمة فهو هلاكُها، وإن دخل بين أفراد فهو فسادهم وخرابهم. النفاق لم يسلم منه مجتمع محمد صلى الله عليه وسلم، بل ولم يسلم منه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا عبد الله بن أُبي رأس المنافقين وحربتهم يصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكنّ له كل العداء والحقد والحسد.

 

أيها المؤمنون: إن المندسين بين صفوف المؤمنين والمريدين تفريق جمعهم وتشتيت شملهم أول خصلة لهم: النفاق: "ثلاث من كن فيه فهو منافق، وإن صام وصلى، وقال إني مسلم: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان".

 

إن حدث عن أحد كذب وافترى عليه، وإن تصدّر المجالس سمعت ما لم تصدق من الأكاذيب الملفقة، والاتهامات الجائرة، وإذا وعد أظهر الوفاء بلسانه وهو المخالف لذلك بقلبه وفعاله! وإذا ائتمنته على سرك وبُحت له بما في قلبك خانك وخدعك وتحيّن الفرصة التي يقلب لك فيها ظهر المجنّ كما يقال.

 

وهو أخوف من خاف الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته كما صح عنه عليه السلام أنه قال: "إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان".

 

نعم عليم اللسان يتكلم ويجادل ويناقش وينصح بقلب منافق حقود والعياذ بالله.

 

يحب التفريق بين الناس ولا يهنأ باجتماعهم على طاعة الله إن رآهم مؤتلفين اغتّم واهتّم، وسعى بينهم بوجهين ينقل لهذا كذا وكذا ثم يُسمع الآخر كذا وكذا.

 

فهو من شرار خلق الله يوم القيامة، فإن من شر الناس عند الله يوم القيامة ذا الوجهين.

 

وله عند الله عقوبة يوم القيامة قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار".

 

تجد أحدهم قد تعوّد على نقل الكلام والنميمة بين الناس، فأصبحت خلقًا له وسجية، يصعب عليه التخلص منها، لسانه أحلى من العسل، وقلبه قلب ذئب على إخوانه ومجتمعه؛ يُشيع الشبهات، وينقل الأخبار ويعظمّها دون روية، استمرأ الكذب واتخذ من الشبهات مطايا، بل قد لا يتورع أن يدلي بشهادات كاذبة وأقوال ملفقة، فهو قليل المروءة صفيق الوجه.

 

يفرح بالكلمة السيئة ليشيعها في الناس من غير نظر في العواقب، بهذا وأمثاله تشيعُ البلبلة، وتسري الظنون والقلاقل، وتعيش الأمة والمجتمع المسلم في حدس وتخمين؛ مما يهدد مصالح الجماعة وينشر الوساوس والمخاوف، ويؤدي إلى اضطراب في الأحوال والعلاقات بين الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا خبّب امرأة على زوجها أو مملوكًا على سيده".

 

ومعنى (خبب) أي أفسد وخدع وسعى لذلك بكذب أو غيبة أو نميمة بين الزوجين أو غيرها.

 

قال الحسن البصري رحمه الله: "من نمّ إليك نم عليك".

 

وقال الإمام الذهبي: كل من حُملت إليه نميمة وقيل له: قال فيك فلان كذا وكذا لزمه ستة أحوال:

الأول: ألا يصدقه ؛ لأنه نمام فاسق وهو مردود الخبر.

الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبّح فعله.

الثالث: أن يُبغضه في الله عز وجل فإنه بغيض عند الله والبغض في الله واجب.

الرابع: ألا يظن في المنقول عنه السوء لقوله تعالى: (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [الحجرات:12].

الخامس: ألا يحمله ما حكى على التجسس والبحث عن تحقق ذلك (وَلَا تَجَسَّسُوا) [الحجرات:12].

السادس: ألا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه. فلا يحكي نميمته.

 

ومن الأخلاق السيئة التي تفسد أحوال المتآلفين:

 

سوء الظن، وإشاعة الأخبار والشائعات بين الناس لتفريق جمعهم، وتشتت شملهم، وإفساد قلوبهم.

 

فإن السماح بانتشار الشائعات وقبول كل خبر وعدم التروي فيه يولّد التجسس وينبت التجسس، ويجرّ إلى تتبع العورات والتطلع إلى السوءات، ذلك أن الباطل إذا كثر ترديده وطال التفكير فيه انقلب عند الناس حقًّا.

 

وحينئذ تقع الواقعة على المتهمين المظلومين، ولعل هذا هو السرّ في النهي عن التجسس بعد الأمر باجتناب الكثير من الظن في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا) [الحجرات:12].

 

فيا سبحان الله أمر باجتناب كثير من الظن لأن البعض إثم؛ فيُجتنبُ الكثير من أجل القليل.

 

وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث".

 

أيها الأخوة في الله: كم أدى سوء الظن وسوء الفهم وعدم التثبيت في الأخبار إلى أهوال؛ أُزهقت نفوس، وضاعت أموال، وشُتت أسر، وخُربت بيوت، وقُطعت أرحام، وأُفسدت أخوة وعلاقات.

 

إن التعجل وعدم التأني في هذه القضايا الخطيرة يفسد على أهل العقول عقولهم، ويذهب برويتهم وتفكيرهم، فيصبح العيش مريرًا والحياة سعيرًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6].

 

قال ابن حجر رحمه الله: "وهذه الكبيرة –يعني سوء الظن– لا يلقى الله بها عبدٌ وهو ذو قلب سليم".

 

ومما يُسبب الفرقة بين المسلمين والمتآخين: إفشاء الأسرار وهو خُلق ذميم مركب من الحزن والخيانة، وإفشاء السر محرم منهي عنه لما فيه من الإيذاء والتهاون بحق المعارف والأصدقاء وكم فيه من ضرر وكم حصل بسببه من فرقة، ويعظم إثمه إذا قصد من أفشى سرّ أخيه الضرر به.

 

وهو غالبًا ما يكون بين النساء وضعفة الرجال؛ لأنه دليل على ضيق الصدر وضعف الصبر على كتمان الأسرار.

 

إذا المرء أفشى سره بلسانه *** ولام عليه غيره فهو أحمق

إذا ضاق صدر المرء عن سرّ صدره *** فصدر الذي يستودع السر أضيق

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرجل يقضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرّها".

 

ومعول هدام وشر مستطير قلّ أن يسلم منه أحد، يجلب الخصام والنفور بين الناس، ويقطع أواصر المحبة بين المسلمين، ألا وهو الغيبة التي نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنها وحذر منها أيّما تحذير، فكم يقع مغتاب في عرض أخيه المسلم، وكم يفسد بسبب ذلك، فهي خلق أهل النفاق والبهتان، كادت الغيبة وسوء الظن جميعًا أن يهدما بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويفرقا بينه وبين أحب الناس إليه، زوجه عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها، في حادثة الإفك المشهورة! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ذكر امرأً بشيء ليس فيه ليعين به – وكم هو حاصل اليوم – حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي بنفاد ما قال فيه".

 

وفي رواية: "من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال وليس بخارج".

 

والواجب علينا أيها المسلمون: الحذر من الوقيعة في أعراض إخواننا وانتقاصهم، وإذا سمع أحدنا غيبة في أخيه المسلم أن يردّها ويزجر قائلها، ويدافع عن أخيه المغتاب، فإن لم يستطع فارق ذلك المجلس حرصًا على سلامة المجتمع وتآلفه.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ذبّ عن عرض أخيه بالغيبة كان حقًّا على الله أن يعتقه من النار".

 

 

قال بعضهم: "أدركنا السلف وهم لا يرون العبادة في الصوم ولا في الصلاة، ولكن في الكف عن أعراض الناس".

 

أيها الناس: ينبغي أن يسود حسن الظن بالمؤمنين والثقة بنواياهم، والتصديق لأقوالهم، مادامت أحوالهم الظاهرة مأمونة والمساوئ مستورة فاحفظ أخي المسلم يدك ولسانك وسائر جوارحك عن أذى إخوانك ولا تبع دينك بعرض من الدنيا قليل، ولا تبغ الفساد في الأرض فتكن أفّاكًا أثيمًا بل كن مصدر خير ونفع وإصلاح، وبر وإحسان، وإن لم يكن فلا أقل من أن تكفَّ شرك عن الناس فإنه صدقة منك على نفسك. قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".

 

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم".

 

فـ"يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضح في بيته".

 

يقول الإمام مالك رحمه الله: "أدركنا أقوامًا لم تكن لهم عورات، فذكروا عيوب الناس فذكر الناس لهم عيوبًا، وأدركنا أقوامًا كانت لهم عيوب فكفّوا عن عيوب الناس فنُسيت عيوبهم".

 

قال ابن مسعود رضي الله عنه: "البلاء موكلٌ بالقول فلو سخرتُ من كلبٍ لخشيت أن أحوّل كلبًا".

 

ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "ما تكلم أحد في الناس إلا سقط وذهب حديثه، قد كان بالبصرة رجل يروي الحديث وكانت له مجالس، وكان صحيح الحديث إلا أنه كان لا يسلم على لسانه أحد فذهب خدمه وذكره وقال: إنما سقط بلسانه فليس يسمع أحدًا يذكره".

 

لا تُرسلنَّ مقالةً مشهورةً *** لا تستطيعُ إذا مضت إدراكها

لا تبدينَّ نميمة نُبئتها *** وتحفظن من الذي أنبأكها

إن الذي أهدى إليك نميمة *** سينم عنك بمثلها قد حاكها

 

أقول هذا..

 

 

الخطبة الثانية :

 

الحمد لله القائل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10]، والقائل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) [التوبة:71]، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد القائل:"كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، حسب امرئ من الشر أن يحق أخاه المسلم"، والذي نهى عن التفريق بين المؤمنين وحذّر منه فقال: "لا يحل لرجل أن يفرّق بين اثنين إلا بإذنهما" هذا في التفريق بينهما من حيث المجلس والمكان، فكيف بتفريق القلوب؟

 

اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

أيها الأخوة في الله: ومن صفات المفرقين المشتتين لصفوف المتآلفين من المسلمين: الحسد، فهو داء خبيث، وهو داء الأمم من قبلنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دبّ إليكم داء الأمم الحسدُ والبغضاء".

 

فالحاسد عدو نعمة الله ليس له غرض إلا تمني زوال نعمة الله عن عبد من عباده: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) [النساء:54]. سواءً من نعم الدين أو الدنيا.

 

والحسد هو أساس النفاق، فمن أجله ينافق الحاسد وينمّ ويحقد، ويكذب ويخدع ويداهن، ويسعى بالوشاية على من حسده ويتصيّد أخطاءه وينشر سيئاته.

 

وصدق من قال في هؤلاء الحساد:

 

 حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه *** فالناس أعداءٌ له وخصوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهها *** حسدًا وحقدًا إنه لذميم

 

ولكن مع هذا ما أعدل الحسد أهلك الحاسد قبل أن يصيب المحسود بشيء، فهو محترق القلب؛ كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.

 

قال بعض السلف: "الحاسد لا ينال من المجالس إلا مذمة وذلاًّ، ولا ينال من الملائكة إلا لعنة وبغضًا، ولا ينال من الخلق إلا جزعًا وغمًّا، ولا ينال عند النزاع إلا شدة وهولاً، ولا ينال عند الموقف إلا فضيحة ونكالاً".

 

عباد الله: روى الإمام أحمد في مسنده عن أنس رضي الله عنه قال:"كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن من هذا الفجّ رجل من أهل الجنة. قال: فطلع رجل من الأنصار تقطر لحيته من وضوء، قد علّق نعليه في يده الشمال فسلّم، فلما كان الغد، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك. فطلع ذلك الرجل على مثل حاله. فلما كان اليومُ اتبعه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثًا. فإن رأيت أن تؤيني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت، قال: نعم. قال أنس فكان عبد الله يحدّث أنه بات عنده ثلاث ليالٍ فلم يره يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تعار انقلب على فراشه ذكر الله عز وجل عمله قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة ولكن سمعت الثلاث مرات. فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك. فأقتدي بذلك، فلم أرك تعمل كثير عمل. فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشًا ولا حسدًا على خير أعطاه الله إياه. قال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق".

 

نسأل الله أن يطهّر قلوبنا من النفاق والحسد والحقد والغلّ على أحد من إخواننا المسلمين.

 

فاتقوا الله أيها المسلمون في إخوانكم وإياكم والنفاق والحسد والحقد والتشاحن والتباغض وسوء الظن ونقل الكلام.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عبد الله إخوانًا كما أمركم الله".

 

وقال صلى الله عليه وسلم:"النميمة والحقد في النار، لا يجتمعان في قلب مسلم"[رواه الطبراني].

 

صلوا إخوانكم وأرحامكم، تآلفوا فيما بينكم، ودعوا الشحناء والتباغض، صفّوا قلوبكم وتزاوروا فيما بينكم، ولا تجعلوا للمفرقين الواشين الحاسدين عليكم طريقًا أو سبيلا.

 

قال نبينا صلى الله عليه وسلم:"من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه" [صحيح الجامع].

 

وقال:"لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار" [حديث صحيح الجامع].

 

وقال: "إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلّع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه".

 

وفي حديث آخر صحيح: "إن الله تعالى ليطلّع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن".

 

وهذه الخاصية لا يستفاد منها أفضلية القيام لهذه الليلة أو صيام نهارها فهذا من البدع وإنما هو ميزة وخاصية.

 

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح قلوبنا وقلوبكم، وسرائرنا وأعمالنا، وأقوالنا وأقوالكم.

 

 

 

المرفقات

للتفريق بين المتحابين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات