عناصر الخطبة
1/ خطورة المنافقين 2/ من ملامح النفاق المعاصر 3/ أضواء قرآنية على قضية النفاق وأخبار المنافقين 4/ حُكم وأحكام جهاد المنافقين 5/ الموقف الشرعي تجاه المنافقيناقتباس
والنفاق -عباد الله- درجاتٌ أو درَكات، وإنَّ خطره يتفاوت بتفاوت كِبَرِهِ أو صِغَرِه، إذ من النفاق ما هو أكبرُ مخرجٌ عن الملة، ومنه ما هو أصغرُ لا يُخرج عن الملة، وفي كلا الحالين؛ فنحن مأمورون بمجاهدته. وجهاد المنافقين من فرائض الدين، بل من أجلّ فرائض الدين التي لا تقل شأناً عن فريضة الجهاد ضد الكافرين.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله...
أما بعد: أيها المسلمون: تُثبت الوقائع يوماً بعد يوم أن نكبة الأمة بالمنافقين تسبق كل النكبات، وأن نكايتهم فيها وجنايتهم عليها تزيد على كل النكايات والجنايات.
فالكفر الظاهر -على خطره وضرره- يعجز في كل مرة يواجه فيها أمة الإسلام عن أن ينفرد بإحراز انتصار شامل عليها، ما لم يكن مسنوداً بطابور خامس من داخل أوطان المسلمين ويتسمى بأسماء المسلمين، يمد الأعداء بالعون، ويُخلص لهم في النصيحة، ويزيل من أمامهم العقبات، ويفتح البوابات.
فمنذ أن افتتح "ابن سلول" طريق النفاق، سارت فيه من بعده أفواج المنافقين عبر التاريخ.
وفي عصرنا الراهن لا تخطئ العين ملامح النفاق الظاهر المتظاهر مع الكافرين في القضايا الكبرى من قضايا المسلمين، رأى المسلمون ذلك في تركيا قبل سقوطها وبعد سقوطها خلال أكثر من ثمانين عاماً، ورأوا ذلك أيضاً في فلسطين بعد احتلالها منذ ما يزيد على خمسين عاماً، ولا تزال صور من ذلك تُرى في أكثر بلدان المسلمين التي سلخها المنافقون لصالح الكافرين عن هُويتها الإسلامية وبنيتها الاعتقادية.
أيها المسلمون: كان النفاق بالأمس البعيد، أيام تمكين الدين، كان ذُلاً يَستخفِي وضعفاً يتوارى، كان تمكين الدين وقتها يمكِّن المؤمنين من جهاد أولئك الأسافل باليد واللسان والقلب وبإقامة الحدود، فلا يُرى أحدهم إلا وهو محاصر مكدود، أو محدود مجلود. أما اليوم، فالنفاق صرح ممرد، وقواعد تتحرك، وقلاع تشيّد، إنه اليوم دولة -بل دول- ذات هيئات وأركان، إنه أحلاف وتكتلات وكيانات، بل معسكرات ذات قوة وسلطان، سلطان سياسي واقتصادي وإعلامي وثقافي، يمارس الضرار في كل مضمار.
نخطئ كثيراً عندما نظن أن النفاق الذي أفاض القرآن في الحديث عنه كان يمثل مرحلة تاريخية انقضت بدخول الناس في دين الله أفواجاً، إن القرآن الذي أَمر النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وأتباعَه بجهاد المنافقين والكافرين سيظل يُتلى إلى يوم الدين: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِير) [التوبة:73، التحريم:9]، والآية تدل على أن النفاق سيظل موجوداً وسيظل محسوساً ملموساً من أشخاص تُرى فيهم آيات النفاق.
والنفاق المقصود في الآية ليس قاصراً على النفاق ذي المرامي السياسية والأهداف التسلطية، بل هو النفاق بكافة أشكاله وصوره عندما يكون موجهاً إلى ضرر الدين وأصحاب الدين، سواء كان صادراً من أهـل السياسة أو من أهـل الثقافة أو من أهـل الفن والقلم، أو حتى من بعض المنسوبين للعلم والفتوى في بعض البلدان.
فالأمة تعاني اليوم من شرذمة ظهرت على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية تتكلم باسم العلم والفتوى، تمرر قضايا خطيرة جداً فيها من التلبيس على عقول الناس ما الله به عليم، تصب في تحقيق أهداف أشخاص يخدمونهم باسم الدين، والله المستعان! (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) [البقرة:11-12].
والنفاق -عباد الله- درجاتٌ أو درَكات، وإنَّ خطره يتفاوت بتفاوت كِبَرِهِ أو صِغَرِه، إذ من النفاق ما هو أكبرُ مخرجٌ عن الملة، ومنه ما هو أصغرُ لا يُخرج عن الملة، وفي كلا الحالين؛ فنحن مأمورون بمجاهدته. وجهاد المنافقين من فرائض الدين، بل من أجلّ فرائض الدين التي لا تقل شأناً عن فريضة الجهاد ضد الكافرين.
إن جهاد الكفار يجيء ويذهب باختلاف الأزمنة والأمكنة، وبحسب وجود دواعيه ومسبباته، أما المنافقون فجهادهم قائم ودائم في السلم والحرب؛ لأن أذاهم للدين موصول في السلم والحرب.
وعداء المنافقين -في الغالب- مستتر خفي، وعداء الكفّار معلن جليّ، ولا شك أن المستعلن في الغالب أقل خطراً من المتستر.
وخطر المنافقين ينطلق من الداخل بين صفوف المسلمين، بينما يجيء خطر الكفار الظاهرين في أكثر الأحيان من الخارج، وخطر الخارج لا يستفحل دائماً إلا بمساندة من الداخل.
ثم إن جهاد الكفار قد يكون عينياً أو يكون كفائياً، وقد يَسقط بالأعذار، أما جهاد المنافقين فهو غير قابل للسقوط إذا وجدت مسوغاته، فهو واجب على كل مكلف بحسبه، ففي الحديث، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسننه ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" رواه مسلم.
لهذا؛ فإن جهاد المنافقين المأمور به في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِير)، يبدأ بالقلب وينتهي بالسيف.
قال ابن كثير -رحمه الله-: رُوي عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: بُعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأربعة أسياف: سيف للمشركين: (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِين)، وسيف لكفار أهل الكتاب: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَة)، وسيف للمنافقين: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم)، وسيف للبغاة: (فَقَاتِلُوا الَتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّه). وهذا يقتضي أن يجاهدوا بالسيوف إذا أظهروا النفاق، وهو اختيار ابن جرير. انتهى كلام ابن كثير رحمه الله.
فإذا كان واقع المسلمين اليوم في أكثر الأحوال لا يسمح بجهاد المنافقين بإقامة الحدود أو الإغلاظ عليهم لكف شرهم، فلا أقل من تعويض ذلك بجهادهم باللسان، وما يقوم مقامه من كل وسيلة تَرُدّ ما يُستطاع من كيدهم للدين، وإلا، فإن ذلك النفاق سيظل يتوحش ويطغى حتى يهدد بهدم معالم الإيمان والدين في كل بلاد المسلمين.
والجهاد المطلوب يُشترط فيه أن يكون وفق الضوابط الشرعية والموازنة بين المصالح والمفاسد، المهم، ألا ينسحب الترك العام لجهاد الكفار إلى ترك عام لجهاد المنافقين.
أيها المسلمون: إن فقهاء الإسلام وعلماءه عندما تحدثوا عن أحكام جهاد المنافقين لم يفترضوا واقعاً خيالياً، بل تحدثوا عن واقع عاشته الأمة الإسلامية معهم منذ أن وُضعت لبنات مجتمعها الأول في المدينة النبوية.
وصفحات السيرة والتاريخ تقطر بمواقف مخزية لحزب المنافقين الذي ظهر أول ما ظهر في مجتمع الطهارة والنقاء الأول في عهد الرسالة، ولم يستح ذلك الصنف من الناس أن يكون له حزبه وجنده في أطهر مكان وأفضل زمان في تاريخ الإنسان.
ففي حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أطلت ظاهرة النفاق برأسها لتعلن أن خطرها لن يستثني زماناً دون زمان ولا مكاناً دون مكان، بل ولا إنساناً دون إنسان، ولو كان هذا الإنسان هو خير البشر وسيد الرسل -صلى الله عليه وسلم-.
ففي أخطر لحظات الدعوة الإسلامية وأدق المراحل التي واجهت فيها أعداءها الخارجيين، كان حزب النفاق بالمرصاد لهذه الدعوة في صف أعدائها، وقد أفاض القرآن في عرض مواقف المنافقين في تلك المراحل، ونحن بحاجة إلى جمع أبرزها ليتجسد معنا معنى قول الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- عن هؤلاء: (هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُون) [المنافقون:4]، ولنعلم أنه إذا كان هذا هو خطر النفاق في مجتمع النبوة، فكيف يكون شأنه في غيره؟.
بعدما هزم المشركون في غزوة بدر وأرادوا الثأر في أحد، خرج لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبينما كان الفريقان يستعدان للنِّزال في معركة فاصلة، إذا بزعيم النفاق ينخذل عن جيش المسلمين بثلاثمائة من قومه، ليعود للقعود في المدينة. (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا) [آل عمران:154].
موقف آخر: بعدما غدرت قبيلة بني قينقاع وخانت العهد، استعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- لحربهم وإخراجهم من المدينة، وحاصرهم خمس عشرة ليلة حتى ألقى الله الرعب في قلوبهم فطلبوا الاستسلام.
ولكن اليهود وجدوا من يتصدر لهم ويتوسط لإطلاقهم، إذ طلب زعيم المنافقين إطلاقهم بدعوى أنهم كانوا حلفاءه في الجاهلية، ووضع يده في جيب درع النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى اشتد غضبه عليه الصلاة والسلام، وقال له: "ويحك أرسلني!"، قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليَّ، قد منعوني من الأحمر والأسود وتريد أن تحصدهم في غداة واحدة! إني والله امرؤ أخشى الدوائر. فأنزل الله -تعالى- قوله: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِه) [المائدة:52].
موقف آخر: لما حاول بنو النضير اغتيال النبي -صلى الله عليه وسلم- عزم على حربهم، وسار بالمسلمين نحوهم فتحصنوا وراء الجدر والحصون، فضرب الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليهم الحصار، وإذا بالنفاق يطل برأسه من جديد، ويذهب وفد من المنافقين إلى معقل اليهود، ليهدئوا من روعهم، ويعدوهم بالوقوف والمساندة وبذل المستطاع في التحالف معهم، ولو اقتضى الدفاع عنهم أن يقاتلوا في صفهم ضد المسلمين! (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُون) [الحشر:11].
موقف أخير: في غزوة تبوك فاحت روائح المنافقين في العشرات من المواقف منذ بداية الغزوة حتى نهايتها.
فقد تحادث قوم من القاعدين بغير عذر في المدينة متهكمين على المسلمين، فقال أحدهم: "يغزو محمد بني الأصفر! والله لكأني أنظر إلى أصحابه مقرنين في الحبال".
ولما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- علياً -رضي الله عنه- في المدينة ليخلفه في أهله قال المنافقون: "ما خلَّفه إلا استثقالاً له وتخففاً منه"؛ ليشيعوا الفرقة والفتنة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وخاصة أصحابه وأهل بيته، وقد أحزن ذلك علياً وأدخل الغمّ على نفسه لما بلغه ذلك.
ولما ضلت ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم- ببعض الطريق أثناء السير إلى تبوك، فأرسل بعض أصحابه في طلبها، قال أحد المنافقين: "هذا محمد يخبركم أنه نبي ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته!".
ثم تجيء قصة مسجد الضرار لتبين أن النفاق لا بد أن يتخذ له أوكاراً تضمن له أن يرصد منها ويدبر فيها كل ما تحتاجه حملات وجولات العداوة للدين وأهله.
لقد حفلت سورة التوبة، التي تسمى أيضاً بـالفاضحة، بأخبار النفاق وسلوك المنافقين، لترسخ في أفهام المسلمين أهمية أن يتفقدوا صفوفهم، ويختبروا بطانتهم، حاملين قبس القرآن؛ ليكشف لهم بإيضاح وجلاء ماهية ونوعية وسجية المنافقين والكافرين حتى يكونوا منهم على حذر، ويكونوا لجهادهم والتصدي لهم على أهبة واستعداد.
فلا جهاد للمنافقين والكافرين أجدى ولا أكبر من جهادهم بالقرآن، وفي ضوء القرآن: (فَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) [الفرقان:52].
بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد: أيها المسلمون: إن النفاق اليوم له قيادة، وهذه القيادة تخطط وتنظم حركتهم، ويغذونهم بالباطل والكفر، والقرآن يسمي هذه القيادة بالشياطين: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) [البقرة:14].
وقادة المنافقين قد يكونون ممن يتسمون بالإسلام، وقد يكونون من الكفرة أو من اليهود أو من النصارى أو غيرهم، وهم يتصلون بالمنافقين في ديار المسلمين شرقيها وغربيها عبر قنوات خفية مستورة، وبذلك يكون المنافقون أخطر على المسلمين من الكفرة المستعلنين.
لقد عادت حركة النفاق اليوم متمثلة في التيار العلماني، وسبب العودة هو فيئة المسلمين إلى دينهم، ورجوع الشباب المؤمن بالله ورسوله إلى منهج سلفه الصالح، وصار يفضح مخططات أعداء الله؛ فقرر قادة الكفر أن يربوا أشخاصاً على النفاق تعمل في صفوف المسلمين في كل المجالات، تُظهر الإسلام، وتصلي في المناسبات، وتؤدي بعض الشعائر، ثم تَظهر بمظهر الحريص على هذا الدين، فيثق بهم الغافلون والبسطاء، ويقوم هؤلاء المنافقون معلمين ومربين وموجهين وسياسيين وصحفيين وكتابا ومؤلفين ورجال فكر ورجال علم، ثم تُصنع لهم الأمجاد الزائفة عن طريق الإعلام، ويُلمّع هؤلاء؛ ليتخذهم العامة منارات يَستقون منها التوجيه والتحليل، (يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [البقرة:9].
وأخيراً: ما هو الموقف الشرعي تجاه المنافقين؟ يتمثل ذلك في أمور:
أولاً: النهي عن موالاتهم والرُكون إليهم، كما قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لا يَاًلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران:118-119].
ثانياً: زجرُهم ووعظُهم؛ لقوله -تعالى-: (أُوْلَئِكَ الَذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) [النساء:63].
ثالثاً: عدم المجادلة أو الدفاع عنهم؛ حيث قال الله -تعالى-: (إنَّا أنزَلْنَا إلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً) [النساء:105-107].
رابعاً: جهادُهم والغلظةُ عليهم؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ).
خامساً: تحقيرُهم وعدم تسويدهم؛ فعن بريدة مرفوعاً: "لا تقولوا للمنافق سيّد، فإنه إن يك سيداً فقد أسخطتم ربكم عز وجل" أخرجه أبو داود في سننه.
سادساً: عدم الصلاة عليهم؛ امتثالاً لقوله -تعالى-: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) [التوبة:84].
اللهم...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم