عناصر الخطبة
1/ كثرة ورود أسماء الله وصفاته في القرآن والسنة 2/ غفلة كثير من المسلمين عن تدبر معاني أسماء الله وصفاته 3/ ثمرات التدبر في أسماء الله وصفاته 4/ سعة سمع الله تعالى 5/ واجبنا نحو أسماء الله وصفاته.اقتباس
ومن آثار هذا التدبر: ترسيخ الإيمان في القلب ونحتاج إلى ذلك، والأنس بالله ونحتاج إلى ذلك، ولَمّ شَعْث القلب واجتماعه على حب الله -تعالى- وخشيته، والتوكل عليه، فإذا تجلت أسماء الله الحسنى وصفاته العليا على قلب العبد ارتفعت عن ذلك القلب حُجُب الشك والإعراض، وعرف القلب ربه وشَعَّ نور الإيمان فيه، والقلب هو..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
يقول تعالى: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأعراف:180]، ويقول سبحانه: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر: 22- 24].
معاشر المسلمين: زخرت آيات الله -تبارك وتعالى- بذكر صفاته وأسمائه الحسنى، بل لا تكاد تنتهي آية إلا بذكر صفة من صفاته أو اسم من أسمائه، وحينما وردت أسماؤه كذلك بكثافة في السنة النبوية المطهرة لم يكن ذلك ضربًا من العبث، وإنما كان لحِكَمٍ جليلة فتكرار هذه الأسماء واستيعاب معانيها وفهم المراد من تسمية الله -عز وجل- لنفسه بهذه الأسماء ووصفه نفسه بتلك الصفات مما يربط العبد بربه دون شك، وإلا فكيف يرتبط الإنسان بما لا يعرفه، ولا يعرف صفاته ومدلولاتها.
هذه الأسماء والصفات لخالق الكون هي محل تدبيره وتقديره وخلقه وأمره ونهيه، فهي أساس الحياة كلها، فبها الخلق والأمر، ومع ضرورتها وجلالة شأنها إلا أن كثيرًا من المسلمين يغفلون عن تدبُّرها، فسبحان الله! ما أحوجنا إلى التفكر فيها جيدًا وتدبُّر معانيها!
ومن آثار هذا التدبر ترسيخ الإيمان في القلب ونحتاج إلى ذلك، والأنس بالله ونحتاج إلى ذلك، ولَمّ شَعْث القلب واجتماعه على حب الله -تعالى- وخشيته، والتوكل عليه، فإذا تجلت أسماء الله الحسنى وصفاته العليا على قلب العبد ارتفعت عن ذلك القلب حُجُب الشك والإعراض، وعرف القلب ربه وشَعَّ نور الإيمان فيه، والقلب هو الذي يحرِّك الجوارح، فإذا صلح حرَّك الجوارح في طاعة الله -تعالى- في طاعة مولاه، وإذا صلح القلب جعل اللسان يلهج بذكر الله على الدوام.
فهو الأول فليس قبله شيء -سبحانه وتعالى- والآخر فليس بعده شيء، والظاهر فليس فوقه شيء، والباطن فليس دون شيء سبق كل شيء بأوليته وبقي بعد كل شيء بآخريته، وعلا فوق كل شيء بظهوره وأحاط علمه بكل شيء.
وهكذا الشأن في الصفات كلها ولنأخذ السمع مثلاً كصفة من صفاته -جل وعلا- فهو السميع.
إذا استشعر العبد بقلبه كمال سمعه سبحانه، كمال سمعه لأصوات عباده على اختلافها وجهرها وخفائها (سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) [الرعد:10].
لا فرق عنده بين من أسر القول، فخفت بصوته ومن رفعه فجهر به فصوتاهما سواءً لا يشغله من جهر عن سمعه لصوت من أسر ولا يشغله سمعًا عن سمع ولا تغلقه الأصوات على كثرتها واختلافها واجتماعها، بل هي عنده كصوت واحد.
إذا استشعر هذه العظمة وهذه القدرة الربانية العظيمة فعلم في قرارة نفسه وأيقن بإيمانه أنه مهما حاول الاستخفاء بالقول فإن الله يسمعه فلن يقول إلا خيرًا.
هذا هو أثر الأسماء والصفات لن يقول إلا خيرًا، بل سيستحيي أن يسمع الله من كلامه ما يخزيه ويفضحه عنده إذا قابله يوم القيامة، وسيجهد في ألا يسمع منه ربه إلا الكلام الحسن حتى يحظى عنده سبحانه قال -تعالى-: (لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].
يقول -جل وعلا-: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) القول مهم، ولذلك نبَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ضرورة ضبط العبد قوله بتقوى الله، الحصيف يخشى أن يُسمع الله ما يغضبه فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت".
وفي حديث معاذ أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن اللسان فقال: "أنؤاخذ بما نتكلم به يا رسول الله؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ؟ وهل يكب الناس على مناخيرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم".
إذا تفكر العبد بصفة سمعه -جل وعلا- فسيطمئن إلى أن الله يسمع كلام أعدائه؛ إنه لا تخفى عنه خافية.
وأنه سبحانه ليس غافلاً عن أعداء الدين وإخوانهم الباقين وهم يتآمرون في السر على أوليائه المصلحين، قال سبحانه: (فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ)، ويقول سبحانه: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) [النساء:108].
يمهلهم -جل وعلا- بحكمته حتى لو قالوا ما لا يرضى من القول، عند ذلك يعلم المتأمل بصفة سمعه أن الله معه، وأنه ناصره لا محالة فسمعه لا يمنعه شيء، بل يبلغ كل شيء ولا يقصر عن يقصر على سر ولا همس تقول أم المؤمنين -رضي الله عنها وأرضاها-: "الحمد الله الذي وسع سمعه الأصوات".
هي قد تدبرت قدرة الله -عز وجل- في سمعه، وأن سمعه سمع ليس كسمع البصر ليس كسمع المخلوق قاصر ضعيف الذي يبعد عنك مسافة قليلة لا تستطيع أن تسمع همسه، لا الله فوق ذلك وأسمى وأعلى "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات".
تقول: "لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تكلمه في جانب البيت ما أسمع ما تقول، وكان من شكوى تلك المرأة "أبلى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهَر مني"، فأنزل الله (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ) [المجادلة: 1].
جبريل يأتي بهذا ويقول: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) عائشة خفي عليها بعض الكلام، وهي في نفس الغرفة ما بينها وبين الرسول إلا ستر، بينما الله في علوه الأعلى يسمع إلى ما تحتاج إليه، وهو فوق سمع سماوات ليس بالضرورة إذاً أن ترفع صوتك بالدعاء عاليًا فإنه سبحانه يعلم السر وأخفى من السر.
في صحيح البخاري من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فكنا إذا علونا كبرنا "الله أكبر" أي: رفعوا أصواتهم بذلك التكبير فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس أربعوا على أنفسكم" ارفقوا ولا تجهدوا أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، ولكن تدعون سميعًا بصيرًا".
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "ولهذا أثنى -سبحانه وتعالى- على عبده زكريا بقوله (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا) [مريم:3]، قال: فكلما استحضر القلب قرب الله -تعالى- منه وأنه أقرب إليه من كل قريب وتصور ذلك أخفى دعاءه ما أمكنه، يحرك الشفتين بدعاء خفي فيستمع الله -عز وجل- ويسمع لدعائه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد:
فإن من حمل في قلبه عظمة الله، فعظَّمه -جل وعلا- لن يكون تعظيمه ذاك إلا بفضل عمق إيمانه بأسمائه وصفاته -جل وعلا- وتدبره في كل صفة عليا وردت في القرآن أو في السنة واحترامه لها وتوقيره لها وتأدب جوارحه بمقتضاها.
وللكلام بقية إن شاء الله تعالى.. نسأل الله من فضله.
لكن أقول: يا إخوة قبل أن ينقضي هذا الموقف نقول: ما عظم الله من تعامل بالربا حينما تعامل بالربا، وما عظم الله من تهاون في الصلاة حين تهاون في الصلاة، ولا من دلَّس وكذب في بيعه أو في كلامه ولا من أعان ظالمًا على ظلمه حين ظلم ولا من آذى عباده الصالحين حين أذاهم والله ما عظم الله.
فليكن لتوحيد الأسماء والصفات أثر على حياتنا، وإلا فستظل تلك الأسماء والصفات على ورق نقرأه في كتاب الله.
يجب أن تحركنا تلك الأسماء وما نتدبر من معانيها أن تحرك تصرفاتنا أن تحدد مواقفنا أن ترسم شخصيتنا كمسلمين كمؤمنين بالله -جل وعلا-، والله المستعان وعليه التكلان.
عباد الله: أذكركم بالدعاء لأبنائنا ورجالنا المرابطين في الحد الجنوبي أولئك الذين تركوا الأهل وهبُّوا لحماية الوطن، نسأل الله أن ينصرهم وأن يحفظهم بحفظه، وأن يثبت أقدامهم وأن يدحر عدوهم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم