أتاكم رمضان

الشيخ شايع بن محمد الغبيشي

2024-03-15 - 1445/09/05 2024-03-21 - 1445/09/11
عناصر الخطبة
1/تبشير النبي أصحابه بقدوم رمضان 2/التحذير من تضييع أوقات رمضان 3/من بركات رمضان ونفحاته

اقتباس

ومن بركة رمضان: البركة في الأسرة باجتماعها وتعاونها على البر والطاعة وجمع شملها، فكثير من البيوت يكون رمضان شهر صلاحها وصفاء نفوسها، وزوال ما بينها من الشحناء والخلاف الذي زرعه الشيطان، فرمضان فرصة عظيمة لهداية الأسرة واستقامتها...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

 

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

إخوة الإيمان: تأملوا هذا الحديث العظيم؛ عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ"(رواه النسائي وصححه الألباني)، ولفظ أحمد: "تفتح فيه أبواب الجنة".

 

وفي هذا الحديث هدايات منها:

أولا: حرص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على تبشير الناس وتهنئتهم برمضان، فينبغي أن نشيع الفرحة بقدومه بين الناس، وفي بيوتنا ومجتمعاتنا؛ ليستشعروا عظم منّة الله عليهم بإدراك هذا الشهر العظيم؛ ولهذا قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المقارنة بين من أدرك رمضان ومن مات قبله بسنة: "فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ"، ما أعظمه من شهر!، ولذا قال -عليه الصلاة السلام- لأصحابه مبشراً: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ"، قال بعض العلماء: "هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان".

 

ثانياً: قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ" يفيد أن رمضان يقدم ويعود في كل عام، إنما يتخلف عن إدراكه هم العباد؛ فمن اخترمته المنية لم يدرك الشهر، وفي ذلك حثٌ للعباد إن يستغلوا بلوغ شهر رمضان ويحسنوا استثماره، ويحمدوا الله ويشكروه على أن مد في أعمارهم حتى أدركوا شهر رمضان، كم من صديق وقريب وحبيب عاد رمضان وقد رحل عن صفحة الحياة، وكان في عداد الموتى.

 

فالموفق من استثمر بلوغ شهر رمضان، وغاية الغبن والحرمان أن يفرط العبد فيه بعد إدراكه ويضيع زمانه النفاس، قال ابن القيم -رحمه الله-: "والله -سبحانه- يعاقب من فتح له بابًا من الخير فلم ينتهزه، بأن يحول بين قلبه وإرادته، فلا يمكنه بعدُ من إرادته عقوبةً له".

 

ينبغي لنا -عباد الله- أن نستحضر أن رمضان كما وصفه الله -عز وجل-: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)[البقرة: 184]، سرعان ما يولي، فهو موسم فاضل، ولكنه سريع الرحيل، فينبغي للعبد أن يحرص على استغلاله فإن المشقة الناشئة عن الاجتهاد في العبادة تذهب، ويبقى الأجر، وشَرْحُ الصدر، فإن فرط الإنسان ذهبت ساعات لهوه وغفلته، وبقيت تبعاتها وأوزارها، اللهم بلغنا رمضان، ووفقنا فيه للبر والإحسان، واجعلنا ممن يفوز بالتقوى والغفران يا رحيم يا رحمان.

 

ثالثاً: أن رمضان شهر مبارك، بركةٌ في العمر بأن يوفق الله العبد فيه لطاعته من الصيام والقيام والذكر وقراءة القرآن والبر صلة الأرحام؛ فيكون سبباً في صلاح قلبه، وتحقيق منزلة التقوى، ومغفرة الذنوب والخطايا، والتزود من الصالحات، وتلك -والله- من أعظم بركات هذا الشهر.

 

ومن بركة رمضان: البركة في الأسرة باجتماعها وتعاونها على البر والطاعة وجمع شملها، فكثير من البيوت يكون رمضان شهر صلاحها وصفاء نفوسها، وزوال ما بينها من الشحناء والخلاف الذي زرعه الشيطان، فرمضان فرصة عظيمة لهداية الأسرة واستقامتها، خاصة إذا وُفق الوالدان للدعاء لهم بالهداية والصلاح، ووضع رب الأسرة خطة إيمانية لإصلاح أسرته، فالشياطين مكبلة مصفدة، وأبواب السماء مفتحة، فدونكم -عباد الله- هذه الفرصة العظيمة لاستصلاح أبنائكم وأهليكم، فالمنادي ينادي: "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر".

 

ومن بركاته شهر رمضان البركة: في البدن، ففيه أكلة السحور التي قال عنها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً"(رواه البخاري ومسلم)، "والْبَرَكَةَ فِي السُّحُورِ تَحْصُلُ بِجِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ؛ وَهِيَ اِتِّبَاعُ السُّنَّةِ، وَمُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالتَّقَوِّي بِهِ عَلَى الْعِبَادَة، وَالزِّيَادَةُ فِي النَّشَاطِ، وَمُدَافَعَةُ سُوءِ الْخُلُقِ الَّذِي يُثِيرُهُ الْجُوعُ... وَالتَّسَبُّبُ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَقْتَ مَظِنَّةِ الْإِجَابَةِ"(دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ).

 

ومن بركة شهر رمضان: أن فيه ليلة القدر، وهي ليلةٌ مباركة رفيعةُ القدر عظيمةُ المكانة، قال -تعالى-: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)[الدخان: 3]، تأمل قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ".

 

اللهم بلغنا رمضان، ووفقنا لإدراك ليلة القدر وقيامها.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أما بعد:

 

عباد الله: من هدايات الحديث:

رابعاً: في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَرَضَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ"، بيان أن أعظم ما يتقرب به العبد في هذا الشهر هو الصيام، فينبغي للعبد أن بحرص على صحة صيامه وتمامه، وليستشعر قول ربه -جل وعلا-: "كُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا ابْنُ آدَمَ تُضَاعَفُ لَهُ مِنْ عَشْرَةٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ ‌إِلَّا ‌الصَّوْمَ؛ ‌فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي"، وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ الْإِفْطَارِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رواه البخاري).

 

خامساً: أن أبواب السماء تفتح في رمضان، وذلك دليل على كثرة التوبة والغفران، وإجابة دعاء الداعي وقبول أعمال العبد الصاعدة إلى ربه -عز وجل-، فلنغتم هذه الفرصة العظيمة -يا عباد الله-.

 

سادساً: أن أبواب الجنة تفتح في رمضان، شهرٌ كاملٌ وأبوابها مفتحة؛ ليطمع العباد في الفوز بها، قال الأمير الصنعاني: "تفتح أبواب الجنة" التي هي دار الصائمين والأبرار، كأنه يقال: قد أهبت ‌لكم ‌الدار ‌وفتحت ‌أبوابها؛ فبادروا بالأعمال التي يُستحق بها سكناها".

 

ويتذكر العبد بشهر رمضان موعد سوق المتقين إلى أبواب الجنة، ويطمع أن يكون مع ذلك الوفد المكرم، قال -تعالى-: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)[الزمر: 73 - 74].

 

سابعاً: أن أبواب النار تغلق في شهر، وفي ذلك حث للعباد على الفرار منها والسعي للنجاة من دخولها وذلك هو الفوز العظيم، قال -تعالى-: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آل عمران: 185]، ولذا طمأن الله عباده في رمضان بأن غلق أبوابها ومنحهم فرص العتق منها، قال رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ لِلَّهِ ‌عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ -يعني في رمضان- لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ"(رواه أحمد والبزار وصححه الألباني).

 

ثامناً: أن الشياطين تغل وتسلسل في شهر رمضان، وفي ذلك تذكير للعبد بعداوة الشيطان، وأنه حريص على إضلاله وإغوائه، فينبغي للعبد أن يحذر منه ويستعيذ بالله من شره، قال -تعالى-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[فاطر: 6]، ومن رحمة الله بنا أن سلسله وغله في شهر رمضان، وهي فرصة للفكاك من أسره والإقبال على الله -عز وجل- والتوبة والإنابة والرجوع والفرار إليه -سبحانه-، فمن لم يغفر له في رمضان فمتى يُغفر له؟! قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أتاني جبريل -عليه السلام- فقال: يا محمَّدُ، مَنْ أدْركَ شهرَ رمضانَ فماتَ ‌فلَمْ ‌يُغْفَرْ ‌له فأدخِلَ النارَ، فأَبْعَده الله، قلْ: آمين، فقلتُ: آمين"(رواه الطبراني وصححه الألباني)، اللهم بلغنا شهر رمضان يا حي يا قيوم.

المرفقات

أتاكم رمضان.doc

أتاكم رمضان.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
22-03-2024

ما شاء الله خطبة مفيدة جدا